الْمَعْضُوبُ مِنْ الِاسْتِئْجَارِ أَوْ الْإِذْنِ لِلْمُطِيعِ لَمْ يَقُمْ الْقَاضِي مَقَامَهُ فِي الْإِذْنِ وَلَا يَلْزَمُهُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ وَإِنْ وَجَبَ الِاسْتِئْجَارُ وَالِاسْتِنَابَةُ فَوْرًا وَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ عُضِبَ مُطْلَقًا فِي الِاسْتِنَابَةِ وَبَعْدَ يَسَارِهِ فِي الِاسْتِئْجَارِ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ.
وَذَلِكَ لِأَنَّ مَبْنَى الْحَجِّ عَلَى التَّرَاخِي وَلِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْغَيْرِ فِيهِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ أَنَّ الْحَاكِمَ يَلْزَمُهُ بِالْإِنَابَةِ فَنَظَرَ فِيهِ بَلْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ وَلَمْ أَرَ مَنْ قَالَ بِهِ وَالْمُدْرَكُ فِي الِاسْتِنَابَةِ وَالِاسْتِئْجَارُ وَاحِدٌ اهـ نَعَمْ قَدْ يُجَابُ عَنْ الْمَجْمُوعِ بِأَنَّ مَعْنَى لُزُومِهِ بِهَا أَنَّهُ يَأْمُرُهُ بِهَا مِنْ بَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ لَا مِنْ بَابِ إلْزَامِهِ بِذَلِكَ وَالْحُكْمِ عَلَيْهِ بِهِ حَتَّى يُبَاعَ فِيهِ مَالُهُ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الْبَيَانِ فَإِنْ اسْتَأْذَنَ الْمُطِيعُ الْمُطَاعَ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَأْمُرُهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ وَانْدَفَعَ أَيْضًا بِمَا قَرَّرْته قَوْلُ بَعْضِهِمْ لَا يَظْهَرُ فَرْقِ بَيْنَ إلْزَامِهِ وَأَمْرِهِ وَوَجْهُ انْدِفَاعِهِ أَنَّ إلْزَامَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا فِيهِ حَقٌّ لِلْغَيْرِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْحَجَّ لَا حَقَّ فِيهِ لِلْغَيْرِ فَلَمْ يَتَأَتَّ إلْزَامُهُ بِهِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ فِيهَا حَقْلٌ لِلْغَيْرِ فَتَأَتَّى إلْزَامُهُ بِهَا.
وَأَمَّا أَمْرُهُ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالْأَمْرُ بِهِ مِنْ الْحَاكِمِ أَوْ غَيْرِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا فِيهِ حَقٌّ لِلْغَيْرِ فَكَانَ الْحَجُّ قَابِلًا لِأَمْرِهِ لَا لِإِلْزَامِهِ فَافْهَمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَلِلْقَاضِي أَنْ يَتَوَلَّى الْإِحْجَاجَ عَنْ مَيِّتٍ بِلَا وَارِثٍ بَلْ عَلَيْهِ ذَلِكَ إنْ خَلَّفَ تَرِكَةً كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَعَنْ مَيِّتٍ عَنْ وَارِثٍ غَائِبٍ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَأَقَلَّ وَلِلْوَارِثِ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ مِنْ التَّرِكَةِ بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي.
(وَسُئِلَ) فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَمَّا لَوْ وَجَبَ عَلَى رَجُلٍ الْحَجُّ فَهَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ ثُمَّ أَنَّ وَارِثَهُ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ وَكَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْأَجِيرُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ أَوْ الْمُسَمَّى فَإِنْ قُلْتُمْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فَهَلْ تَكُونُ مِنْ تَرِكَةِ الْهَالِكِ أَوْ تَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ لِمَا أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ إجَارَةً فَاسِدَةً؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَمْ أَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَقْلًا وَإِنَّمَا رَأَيْت لِلْقَمُولِيِّ وَالْأَذْرَعِيِّ كَلَامًا يُؤَيِّدُ مَا سَأَذْكُرُهُ وَكَذَلِكَ كَلَامُهُمْ فِي وَكِيلِ الْمَرْأَةِ فِي الْخُلْعِ إذَا خَالَفَ يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا وَالْجَامِعِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ الْمُسْتَأْجَرِ هُنَا وَالْوَكِيلِ ثَمَّ إيقَاعُ الْعَقْدِ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ لِجَوَازِ اسْتِبْدَادِ الْأَجْنَبِيِّ بِالْخُلْعِ وَالْحَجِّ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ عَنْ الْغَيْرِ.
وَحَاصِلُ مَا يُتَّجَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْأَجِيرَ إنْ ظَنَّ فَسَادَ الْإِجَارَةِ وَأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا أُجْرَةَ لَهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُتَبَرِّعٌ عَنْ الْمَيِّتِ إذْ لَمْ يَدْخُلْ طَامِعًا فِي شَيْءٍ وَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ فَإِنْ ظَنَّ الْوَارِثُ الْفَسَادَ لَزِمَتْهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ مَعَ ظَنِّ الْفَسَادِ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مُسْتَأْجَرًا مِنْ التَّرِكَةِ فَتَجِبُ الْأُجْرَةُ فِي مَالِهِ لَا مِنْ التَّرِكَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دُيُونٌ أَخَذَتْ التَّرِكَةُ جَمِيعَهَا فِيهَا وَإِنْ جُهِلَ الْفَسَادُ وَجَبَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ مِنْ التَّرِكَةِ مَا لَمْ يَسْتَأْجِرْ مِنْ مَالِهِ أَوْ يُطْلِقْ بِأَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِمَالِهِ وَلَا لِلتَّرِكَةِ لِعُذْرِهِ حِينَئِذٍ فَلَا يُنَاسِبُهُ التَّغْرِيمُ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ مِنْ مَالِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ أَوْ أَطْلَقَ لِأَنَّ فَسَادَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي إضَافَةَ آثَارِهِ إلَى مُبَاشِرِهِ إلَّا لِمَانِعٍ هَذَا مَا يَظْهَرُ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ عَنْ شَخْصٍ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِمِائَةٍ مَثَلًا وَجَعَلَ النَّظَرَ فِي ذَلِكَ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ فَجَاعَلَ الْوَصِيُّ شَخْصًا مُعَيَّنًا أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي أَنْ يَحُجَّ عَنْ ذَلِكَ الْمَيِّتِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ ثُمَّ أَذِنَ لِآخَرَ أَوْ جَاعِله كَذَلِكَ فَهَلْ يَنْزِلُ الْإِذْنُ لِلثَّانِي أَوْ الْمُجَاعَلَةُ لَهُ مَنْزِلَةَ الرُّجُوعِ عَنْ الْإِذْنِ لِلْأَوَّلِ عَلِمَ الْأَوَّلُ أَوْ جَهِلَ فَلَوْ جَهِلَ وَعَمِلَ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَاسْتَحْسَنَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَوْ لَا يَسْتَحِقُّ فِي صُورَةِ الْجَهْلِ شَيْئًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَعَلَيْهِ جَرَى فِي الْعُبَابِ كَالرَّوْضِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا جَاعَلَ الْوَصِيُّ آخَرَ لِيَحُجَّ عَنْ الْمُوصِي بِمَا عَيَّنَهُ جَعَالَةً صَحِيحَةً فَعِنْدِي تَرَدُّدٌ فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ لَهُ فَسْخُ تِلْكَ الْجَعَالَةِ لِإِطْلَاقِهِمْ جَوَازَهَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ لَا يَجُوزُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ الصَّلَاحِ وَأَقَرُّوهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ الْوَرَثَةُ مَنْ يَحُجُّ عَنْ مُورِثِهِمْ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ الْوَاجِبَةِ وَلَمْ يَكُنْ أَوْصَى بِهَا ثُمَّ تَقَايَلُوا مَعَ الْأَجِيرِ لَمْ تَصِحَّ الْإِقَالَةُ لِوُقُوعِ الْعَقْدِ لِمُوَرِّثِهِمْ اهـ أَيْ فَالْحَقُّ فِيهِ عِنْدَ الْإِقَالَةِ لِمُورِثِهِمْ لَا لَهُمْ وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ أَوْصَى بِهَا لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ لِيُفْهَمَ خِلَافُهُ بِالْأَوْلَى فَتَأَمَّلْهُ وَلَعَلَّ عَدَمَ الْجَوَازِ فِي مَسْأَلَتِنَا أَقْرَبُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ.
هَذَا فَإِنْ رَضَا الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْإِجَارَةِ بِالْإِقَالَةِ