نَأْمُرُهُ بَعْدَ الطَّوَافِ بِصَلَاةِ التَّحِيَّةِ لِأَجْلِ الْمَسْجِدِ لِدُخُولِهَا فِي سُنَّةِ الطَّوَافِ كَمَا لَوْ صَلَّى مَكْتُوبَةً وَلِأَنَّ الْقَصْدَ أَنْ لَا يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ لَاهِيًا فَإِذَا طَافَ زَالَ هَذَا الْمَعْنَى فَإِنْ قِيلَ هَلَّا أَسْقَطْتُمْ سُنَّةَ الطَّوَافِ إذَا بَدَأَ بِالْفَرْضِ فِيهِ مَعَ جَمَاعَةٍ كَمَا تَسْقُطُ التَّحِيَّةُ بِذَلِكَ قُلْت لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَالطَّوَافَ جِنْسَانِ فَلَمْ يَتَدَاخَلَا وَرَكْعَتَا التَّحِيَّةِ وَالْمَكْتُوبَةِ جِنْسٌ فَتَدَاخَلَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَعَلَى مَا مَرَّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ بِرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ مَعَهُ التَّحِيَّةِ أَيْ لِيَحْصُلَ لَهُ ثَوَابُهَا قَالَ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ فِيمَا مَرَّ أَنَّهُ لَوْ جَلَسَ بَعْدَ الطَّوَافِ مِنْ غَيْرِ صَلَاةِ فَاتَتْ التَّحِيَّةُ وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ.
وَلَا وَجْهَ لِلنَّظَرِ حَيْثُ سَلِمَ مَا ذَكَرُوهُ مِمَّا مَرَّ قَالَ وَلَوْ طَافَ وَصَلَّى ثُمَّ دَخَلَ الْكَعْبَةَ فَهَلْ نَقُولُ حَصَلَتْ تَحِيَّتُهَا بِالطَّوَافِ لِتَعْلِيلِهِمْ السَّابِقِ أَمْ لَا بَلْ ذَاكَ تَحِيَّةُ رُؤْيَتِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَحِيَّةٍ لِدُخُولِهَا فِيهِ نَظَرٌ وَرَجَّحَ فِي قَوَاعِدِهِ الْأَوَّلَ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْمَسَاجِدَ الْمُتَّصِلَةَ لَهَا حُكْمُ الْوَاحِدِ وَقَدْ صَلَّى عَنْ الْأَوَّلِ فَلَا يُصَلِّي لِلثَّانِي قَالَ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ تَحِيَّةٌ لِلرُّؤْيَةِ عَجِيبٌ وَإِنَّمَا هُوَ تَحِيَّةُ الْبَيْتِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الْأَجِيرِ فِي الْحَجِّ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ السَّعْيُ مِنْ بَلَدِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ وَهَلْ قَالَ أَحَدٌ أَنَّ الْمَكِّيَّ أَوْ الْآفَاقِيَّ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ أَجِيرًا فِي الْحَجِّ عَنْ مَيِّتٍ غَائِبٍ عَنْ بَلَدِ الْأَجِيرِ وَهَلْ لِلْآفَاقِيِّ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَقْبَلُ لَهُ عَقْدَ الْإِجَارَةِ الْعَيْنِيَّةِ فِي الْحَجِّ وَهُوَ غَائِبٌ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْأَجِيرُ إمَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْإِجَارَةِ بِبَلَدِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ فَقَطْعُ الْمَسَافَةَ حِينَئِذٍ إلَى الْمِيقَاتِ ضَرُورِيٌّ وَإِنْ كَانَ كَمَا فِي النِّهَايَةِ غَيْرَ مَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْحَجُّ وَهُوَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِهِ فَهُوَ مِنْ عَمَلِ الْأَجِيرِ فَلَوْ أَسَاءَ الْأَجِيرُ فَأَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ لَزِمَهُ الْحَطُّ مِنْ الْأُجْرَةِ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ الْأُجْرَةَ مُوَزَّعَةٌ عَلَى السَّيْرِ وَأَعْمَالِ الْحَجِّ التَّفَاوُتُ بَيْنَ حَجَّةِ مِنْ بَلَدِ الْإِجَارَةِ إحْرَامُهَا مِنْ الْمِيقَاتِ وَحَجَّةٍ مِنْهَا إحْرَامُهَا مِنْ مَكَّةَ فَإِذَا كَانَتْ أُجْرَةُ الْأُولَى مِائَةٌ وَالثَّانِيَةِ ثَمَانِينَ حُطَّ خُمْسُ الْمُسَمَّى وَنَظَرَ الزَّرْكَشِيُّ فِيمَا إذَا صَرَفَ الْأَجِيرُ السَّيْرَ إلَى مَقْصِدٍ لَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ هَلْ يَحُطُّ مِنْ الْأُجْرَةِ مَا يُقَابِلُ السَّيْرَ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الْأُجْرَةَ مُوَزَّعَةٌ عَلَى السَّيْرِ وَالْعَمَلِ أَمْ لَا وَلَمْ يُرَجِّحْ شَيْئًا وَلَكِنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ خِلَافًا لِمَنْ رَجَّحَ الثَّانِي.
وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ عَنْ نَفْسِهِ وَبِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ عَنْ مُسْتَأْجِرِهِ حُسِبَ لَهُ فِي التَّوْزِيعِ قَطْعُ الْمَسَافَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ الْحَجُّ مِنْ الْمِيقَاتِ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ الْعُمْرَةُ اهـ فَظَاهِرُ عِلَّتِهِمْ أَنَّهُ لَوْ مَحْضُ قَصْدِهِ لِعُمْرَتِهِ لَمْ تُحْسَبْ لَهُ الْمَسَافَةُ إلَى الْمِيقَاتِ وَقِيَاسُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا مَا ذَكَرْنَاهُ وَكَوْنُ السَّيْرِ إلَى مَا قَبْلَ الْمِيقَاتِ تَابِعًا لَا يَقْتَضِي عَدَمَ النَّظَرِ إلَيْهِ بَلْ هُوَ مَنْظُورٌ إلَيْهِ وَمِنْ ثَمَّ أَدْخَلُوهُ فِي التَّوْزِيعِ فَاشْتُرِطَ أَنْ لَا يَصْرِفَهُ الْأَجِيرُ إلَى غَرَضِ غَيْرِ غَرَضِ الْمُسْتَأْجِرِ فَاتُّجِهَ تَرْجِيحُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْمِيقَاتِ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَلَدِ الْمُسْتَأْجِرِ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ قَطْعُ الْمَسَافَةِ مِنْ مَحِلِّهِ فَقَطْ وَلَمْ نَعْلَمْ قَائِلًا بِمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ.
وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي تَعَيُّنِ مِيقَاتِ بَلَدِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ وَحَاصِلُ مَا فِي التَّتِمَّةِ أَنَّهُ إذَا سَلَكَ غَيْرَ طَرِيقِ بَلَدِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ مِيقَاتُ طَرِيقِهِ أَبْعَدَ فَقَدْ زَادَ خَيْرًا أَوْ أَقْرَبَ إلَى مَكَّةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الشَّرْعَ سَوِيٌّ بَيَّنَ الْمَوَاقِيتَ قِيلَ وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَا يُوَافِقُهُ لَكِنَّ الَّذِي يَقْتَضِيه كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا خِلَافُهُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ فَعَلَيْهِ لَوْ اُسْتُؤْجِرَ مَكِّيٌّ عَنْ آفَاقِيٍّ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ الْمُسْتَأْجِرُ مِيقَاتًا فَأَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ أَسَاءَ وَلَزِمَهُ دَمٌ وَتَوْكِيلُ الْآفَاقِيِّ الْمَذْكُورِ صَحِيحٌ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إنْ تَمَكَّنَ الْمُوَكَّلُ مِنْهُ فِيمَا بَقِيَ مِنْهَا وَقَبْلَهَا إنْ وَقَعَ الْعَقْدُ وَقْتَ اعْتِيَادِ النَّاسِ السَّفَرَ وَأَمْكَنَ سَيْرُ الْمُوَكَّلِ مَعَهُمْ بِأَنْ تَيَسَّرَ إعْلَامُهُ قَبْلَ سَفَرِهِمْ أَوْ عَيَّنَ هُوَ ذَلِكَ الْوَقْتَ لِيَعْقِدَ لَهُ فِيهِ وَيَأْخُذَ هُوَ فِي التَّأَهُّبِ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِمَا لَفْظُهُ وَرَدَ: «يَنْزِلُ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عِشْرُونَ وَمِائَةُ رَحْمَةٍ سِتُّونَ مِنْهَا لِلطَّائِفِينَ بِالْبَيْتِ وَأَرْبَعُونَ لِلْعَاكِفِينَ حَوْلَ الْبَيْتِ وَعِشْرُونَ لِلنَّاظِرِينَ إلَى الْبَيْتِ» أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ «يَنْزِلُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ مَسْجِدِ مَكَّةَ كُلَّ يَوْمٍ عِشْرُونَ وَمِائَةٌ» الْحَدِيثُ لَكِنْ قَالَ فِيهِ وَأَرْبَعُونَ لِلْمُصَلِّينَ وَلَمْ يَقُلْ لِلْعَاكِفِينَ أَخْرَجَهُ الْأَزْرَقِيُّ وَغَيْرُهُ فَمَا الْمُرَادُ بِالْبَيْتِ وَهَلْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute