للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْقِسْمَةُ بِحَسَبِ قِلَّةِ الْعَمَلِ وَكَثْرَتِهِ وَهَلِ الْمُرَادُ الْمُصَلِّينَ سُنَّةَ الطَّوَافِ أَوْ أَعُمَّ اُبْسُطُوا الْجَوَابَ عَنْ ذَلِكَ وَعَنْ غَيْرِهِ مِمَّا يُفْهِمُهُ الْحَدِيثَانِ أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ.

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِمَسْجِدِ مَكَّةَ الْبَيْتُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى مَسْجِدًا وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَسْجِدُ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَمَا قَالَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالتَّنْزِيلِ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ التَّنْزِيلُ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ وَلِهَذَا قُسِمَتْ عَلَى أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ الْكَائِنَةِ فِيهِ وَقَوْلُهُ سِتُّونَ لِلطَّائِفِينَ إلَخْ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ حَيْثُ أَتَى كُلٌّ مِنْهُمْ بِمُسَمَّى الطَّوَافِ أَوْ الصَّلَاةِ أَوْ النَّظَرِ شَرْعًا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى قِلَّةِ الْعَمَلِ أَوْ كَثْرَتِهِ وَمَا زَادَ فَلَهُ ثَوَابٌ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَيُحْتَمَلُ قِسْمَتُهَا بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ الْعَمَلِ.

وَالْمُتَّجَهُ عِنْدِي الْأَوَّلُ لِأَنَّ الطَّائِفِينَ مَثَلًا جَمْعٌ مُحَلَّى بِأَلْ فَهُوَ عَامٌّ وَمَدْلُولُهُ كُلِّيَّةً أَيْ مَحْكُومٌ فِيهَا عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ فَالسِّتُّونَ مَحْكُومٌ بِهَا عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ مِنْ الطَّائِفِينَ فَحَيْثُ أَتَى وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِمُسَمَّى الطَّوَافِ شَرْعًا حَصَلَ لَهُ السِّتُّونَ لَكِنْ مَنْ أَتَى بِالْأَكْثَرِ أَوْ قَارَنَ عَمَلَهُ كَمَالٌ خَلَى عَنْهُ عَمَلُ الْآخِرِ تَكُونُ رَحَمَاتُهُ أَكْمَلُ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّ الْخَمْسَةَ أَوْ السَّبْعَةَ وَالْعِشْرِينَ دَرَجَةً الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَى صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ تَحْصُلُ لِكُلِّ مُصَلٍّ فِي جَمَاعَةٍ قُلْت أَوْ كَثُرَتْ لَكِنْ دَرَجَاتِ الْأَكْثَرِ أَكْمَلُ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْمُصَلِّينَ وَالنَّاظِرِينَ ثُمَّ الرَّحَمَاتُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ نَوْعٍ أَوْ أَنْوَاعٍ كَالْمَغْفِرَةِ وَالْحِفْظِ وَالرِّضَا وَالْقُرْبِ إذْ الرَّحْمَةُ الْعِطْفُ فَتَارَةً تَكُونُ بِإِسْدَاءِ نِعْمَةٍ وَتَارَةً تَكُونُ بِدَفْعِ نِقْمَةٍ وَكِلَاهُمَا يَتَنَوَّعَانِ إلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته قَوْلُ الْقُطْبِ الْقَسْطَلَّانِيِّ.

وَلَيْسَ هَذَا الْعَدَدُ جُزْءًا مِنْ الرَّحْمَةِ الْمَبْثُوثَةِ فِي الْأَرْضِ الْمَقْسُومَةِ بَيْنَ الْأَنَامِ بَلْ هُوَ غَيْرُهَا فَإِنَّهُ يَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ تَشْرِيفًا لِأَهْلِ الْحَرَمِ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ قَالَ ثُمَّ أَنَّ هَذَا الثَّوَابَ هَلْ يَتَجَزَّأُ عَلَى كُلِّ عَامِلٍ بِحَسَبِ كَثْرَةِ الْعَمَلِ وَقِلَّتِهِ أَوْ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُقِلُّ وَالْمُكْثِرُ فَيَحْصُلُ لِلطَّائِفِ وَلَوْ أُسْبُوعًا وَمُصَلٍّ وَلَوْ رَكْعَةً وَنَاظِرٍ وَلَوْ لَمْحَةً وَهَلْ يَتَكَرَّرُ الْعَمَلُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَلَى تَعَاقُبِ الْأَوْقَاتِ أَمْ يَخْتَصُّ بِأَوَّلِ عَمَلٍ وَالْبَاقِي تَابِعٌ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى طَوَافِ النُّسُكِ وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ أَوْ يَخْتَصُّ بِالْوَافِدِينَ الَّذِي يَظْهَرُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّهُ يَشْتَرِكُ فِيهِ كُلُّ عَامِلٍ مِنْ سَابِقٍ وَلَاحِقٍ وَمُقِلٍّ وَمُكْثِرٍ وَمُقْرِنٍ وَمُفْرِدٍ فَيَنَالُ كُلٌّ مِنْهُمْ ذَلِكَ الْعَدَدَ الْمُعَيَّنَ عَلَى الْعَمَلِ الْمُعَيَّنِ وَمَنْ زَادَ مِنْهُمْ يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ زِيَادَةِ عَمَلِهِ فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا اهـ.

الْمَقْصُودُ مِنْ كَلَامِهِ لَا يُقَالُ الْحَدِيثُ يَقْتَضِي فَضْلُ الطَّوَافِ عَلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّا نَقُولُ ظَاهِرَهُ وَإِنْ اقْتَضَى ذَلِكَ وَأَخَذَ بِهِ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ مَتْرُوكٌ بِالْأَحَادِيثِ الْكَثِيرَةِ الدَّالَّةِ عَلَى فَضْلِ الصَّلَاةِ وَالْقَوْلِ بِأَنَّ الطَّوَافَ يُسَمَّى صَلَاةً فَهُوَ دَاخِلٌ فِيهَا يُرَدُّ بِأَنَّ هَذِهِ تَسْمِيَةٌ مَجَازِيَّةٌ وَقَعَتْ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ كَالصَّلَاةِ فَحُذِفَ حَرْفُ التَّشْبِيهِ مُبَالَغَةً فِي الْمُشَابَهَةِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَجْهُ الْقِسْمَةِ كَمَا ذُكِرَ أَنَّ الرَّحَمَاتِ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ قُسِمَتْ سِتَّةَ أَجْزَاءٍ جُزْءٌ لِلنَّاظِرِينَ وَجُزْءَانِ لِلْمُصَلِّينَ لِأَنَّ الْمُصَلِّي نَاظِرٌ غَالِبًا فَجُزْءٌ لِلنَّظَرِ وَجُزْءٌ لِلصَّلَاةِ وَالطَّائِفُ لَمَّا كَانَ نَاظِرًا طَائِفًا مُصَلِّيًا كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَجْزَاءٍ اهـ وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَعَرُّضٌ لِفَضْلِ شَيْءٍ مِنْ النَّظَرِ وَالصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ عَلَى شَيْءٍ وَنَظَرَ فِيهِ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ بِأَنَّ الْأَعْمَى الطَّائِفَ وَالْمُصَلِّي وَكَذَا الْمُتَعَمِّدَ تَرْكَ النَّظَرِ يَنَالُهُمَا مَا ثَبَتَ لِلطَّائِفِ وَالْمُصَلِّي وَإِنْ لَمْ يَنْظُرَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَمَا نُظِرَ بِهِ مَدْفُوعٌ بِقَوْلِهِمْ غَالِبًا فَيَلْحَقُ بِهِ مَا جَاءَ عَلَى خِلَافِ الْغَالِبِ إلْحَاقًا لِشَاذِّ الْجِنْسِ بِهِ.

(وَسُئِلَ) فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ بِمَا لَفْظُهُ قَالُوا إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ بِعَرَفَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَالُوا أَيْضًا إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُوُفِّيَ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَهَذَا مُسْتَحِيلٌ إذْ لَوْ فُرِضَ كَمَالُ الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ وَصَفَرٍ كَانَ ثَانِي رَبِيعٍ الْأَحَدِ فَكَيْفَ إذَا فُرِضَ نَقْصُهَا أَوْ نَقْصُ أَحَدِهَا فَهَلْ يُمْكِنُ الْجَوَابُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُمْكِنُ تَصَوُّرُ ذَلِكَ بِأَنْ يَفْرِضَ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ رَأَوْا هِلَالَ الْحِجَّةِ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ رَأَوْهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاتَّفَقَا فِي هِلَالِ الْمُحَرَّمِ وَصَفَرٍ وَرَبِيعٍ فَقَوْلُهُمْ وَقَفَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِاعْتِبَارِ حِسَابِ أَهْلِ مَكَّةَ وَقَوْلُهُمْ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ بِاعْتِبَارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>