عَلَى الدُّعَاءِ عِنْدِ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَرْتَبِطَ الْعَقْدُ بِعَيْنِهِ لِجَاعِلَتِك أَوْ اسْتَأْجَرْتُك لِتَدْعُوَ لِي أَوْ لِمَيِّتِي عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَوَاءٌ أَقَالَ بِنَفْسِك أَمْ لَمْ يَقُلْهُ وَإِمَّا أَنْ يَرْبِطَ بِذِمَّتِهِ كَأَلْزَمْتُ ذِمَّتَك تَحْصِيلَ الدُّعَاءِ الْمَذْكُورِ فَفِي الْأَوَّلِ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ هَذِهِ السَّنَة أَوْ يُطْلِقَ فَإِنْ عَيَّنَ غَيْرَ السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ سِنِي إمْكَانِ الْوُصُولِ إلَى الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ كَاسْتِئْجَارِ الدَّارِ لِلشَّهْرِ الْقَابِلِ وَيُشْتَرَطُ فِي هَذَا الْقِسْمِ قُدْرَةُ الْأَجِيرِ عَلَى الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ بِنَفْسِهِ بِأَنْ لَا يَكُونَ ثَمَّ مَانِعٌ لَهُ مِنْ الْخُرُوجِ كَخَوْفٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِمَا وَاتِّسَاعِ الْوَقْتِ لِلْعَمَلِ وَأَنْ يُوجَدَ الْعَقْدُ حَالَ الْخُرُوجِ.
فَإِنْ لَمْ يَشْرَعْ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مِنْ عَامِهِ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ فَلَوْ ذَهَبَ فِي الْعَامِ الثَّانِي مَثَلًا إلَى الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ وَدَعَا لَهُ وَقَعَ عَنْ الْمَعْقُودِ لَهُ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ وَقَدْ فَعَلَ لَكِنَّهُ أَسَاءَ هَذَا كُلُّهُ حُكْمُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي فَيَصِحُّ سَوَاءٌ أَعَيَّنَ السَّنَةَ الْحَاضِرَةَ أَوْ سَنَةً مُسْتَقْبَلَةً فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ شَيْئًا حُمِلَ عَلَى الْحَاضِرَةِ فَيَبْطُلُ إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَلَا يُشْتَرَطُ قُدْرَتُهُ عَلَى السَّفَرِ بِنَفْسِهِ بَلْ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ وَمَتَى أَخَّرَ الشُّرُوعَ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ عَنْ الْعَامِ الَّذِي تَعَيَّنَ لَهُ تَخَيَّرَ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ الْمُجَاعَلُ لَهُ عَلَى التَّرَاخِي فَإِنْ شَاءَ فَسَخَ وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَ إلَى الْعَامِ الثَّانِي وَيَجِبُ عَلَى مَنْ اسْتَأْجَرَ أَوْ جَاعَلَ بِمَالِ مَيِّتٍ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْفَسْخِ وَعَدَمِهِ بِالْمَصْلَحَةِ وَبِمَا تَقَرَّرَ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ تَرْدِيدَاتِ السَّائِلِ الَّتِي ذَكَرَهَا.
(وَسُئِلَ) فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَمَّنْ أَوْصَى بِحَجَّةٍ ثُمَّ حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ هَلْ تَنْزِلُ وَصِيَّتُهُ عَلَيْهَا مَعَ الْإِطْلَاقِ فَتَسْقُطُ بِفِعْلِهِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الشَّيْخِ الْعَلَّامَةِ تَقِيِّ الدِّينِ الْفَتَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَنْزِلُ عَلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ أَفْتَى فِيمَنْ أَوْصَى بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِعَشْرَةٍ مَثَلًا فَحَجَّ عَنْهُ آخَرُ تَبَرُّعًا بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ وَتَرْجِعُ الْوَرَثَةُ بِمَا أَوْصَى بِهِ وَيُحْمَلُ لَفْظُهُ عَلَى الْفَرْضِ وَقَدْ تَعَذَّرَ تَنْجِيزُهَا فَلَغَتْ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ فِي مَبْحَثِ الرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ أَنَّ الْحَجَّةَ الْمُوصَى بِهَا بَاقِيَةٌ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَمْثِلَةً لِلرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِالْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ وَكُلُّهَا تَرْجِعُ إلَى مَعْنَيَيْنِ إمَّا زَوَالُ الِاسْمِ أَوْ الْإِشْعَارُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ الْوَصِيَّةِ.
وَوَاضِحٌ أَنَّ زَوَالَ الِاسْمِ لَمْ يُوجَدْ وَأَمَّا الْإِشْعَارُ بِالْإِعْرَاضِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ هُنَا أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ كَمَا اقْتَضَاهُ فَحْوَى كَلَامِهِمْ إلَّا إذَا وَقَعَ التَّصَرُّفُ فِي عَيْنِ الْمُوصَى بِهِ وَهُوَ هُنَا لَمْ يَقَعْ فِي عَيْنِ الْمُوصَى بِهِ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْحَجَّةِ يَشْمَلُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَغَيْرَهَا عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَقَعُ فِي عَيْنِ الْمُوصَى بِهِ وَلَا يُؤَثِّرُ لِأَنَّهُ عَارَضَهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُؤَثِّرْ نَحْوَ التَّجْفِيفِ وَالتَّزْوِيجِ وَالْإِيجَارِ وَالِاسْتِعْمَالِ لِأَنَّهُ إمَّا انْتِفَاعٌ أَوْ اسْتِصْلَاحٌ مَحْضٌ وَكِلَاهُمَا لَيْسَ قَوِيًّا فِي الْإِشْعَارِ بِالْإِعْرَاضِ فَكَذَلِكَ حَجُّهُ هُنَا لَيْسَ قَوِيًّا فِي ذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ كَثِيرًا مَا يَقْصِدُونَ إكْثَارَ الْحَجِّ وَإِنْفَاقَ أَمْوَالِهِمْ فِيهِ وَإِنْ حَجُّوا حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الصُّورَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا وَمَا أَفْتَى بِهِ الْفَتَى بِأَنَّ الْمُوصِي فِيهَا مَاتَ قَبْلَ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ وَنَائِبِهِ فَوَجَبَ حِينَئِذٍ انْصِرَافُ الْوَصِيَّةِ إلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِتَعَيُّنِهَا وَعَدَمِ جَوَازِ غَيْرِهَا عَنْهُ قَبْلَهَا فَلَمَّا تَبَرَّعَ عَنْهُ بِهَا سَقَطَتْ عَنْهُ وَتَعَذَّرَ تَنْفِيذُ وَصِيَّتِهِ بِهَا فَأُلْغِيَتْ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّهُ حَجَّ بِنَفْسِهِ وَالْمُوصَى بِهِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ عِنْدَ الْمَوْتِ لَيْسَ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ فَانْصَرَفَ الْمُوصَى بِهِ إلَى غَيْرِهَا وَوَجَبَ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ مِنْ ثُلُثِهِ مُسَارَعَةً لِغَرَضِهِ مِنْ تَحْصِيلِ هَذِهِ الْقُرْبَةِ الْعَظِيمَةِ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ اُسْتُؤْجِرَ لِلْحَجِّ مُفْرِدًا إجَارَةً عَيْنِيَّةً وَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ حَالُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَقَرَنَ مَثَلًا فَهَلْ تَبْرَأُ ذِمَّةُ الْمُسْتَأْجِرِ بِذَلِكَ مِنْ النُّسُكَيْنِ إذَا أَتَى الْأَجِيرُ بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ أَوْ لَا تَبْرَأُ ذِمَّةُ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجِيرُ شَيْئًا لِلشَّكِّ فِي حُصُولِ الْعَمَلِ الْمَشْرُوطِ فِي الْإِجَارَةِ.
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَصْحَابُ أَنَّ مَنْ اُسْتُؤْجِرَتْ عَيْنُهُ لِيُفْرِدَ فَقَرَنَ فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَنْ حَيٍّ انْفَسَخَتْ فِي النُّسُكَيْنِ مَعًا لِأَنَّهُمَا لَا يَفْتَرِقَانِ لِاتِّحَادِ الْإِحْرَامِ وَلَا يُمْكِنُ صَرْفُ مَا لَمْ يَأْمَرْ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ عَنْ مَيِّتٍ وَقَعَ لِلْمَيِّتِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَجْنَبِيِّ التَّبَرُّعُ عَنْهُ بِهَا مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ وَلَا إذْنٍ قَالَ السُّبْكِيّ وَهَذَا صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ الْوُقُوعِ عَنْ الْفَرْضِ وَأَمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute