كَوْنُهُ عَنْ جِهَةِ الْإِجَارَةِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ كَالْحَيِّ وَبَيَّنَ فَائِدَةَ ذَلِكَ وَمَا يُنَاسِبُهُ كَمَا ذَكَرْته مُوَجِّهًا لَهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ.
إذَا عَلِمْت ذَلِكَ عَلِمْت أَنَّ مَنْ اُسْتُؤْجِرَتْ عَيْنُهُ لِلْإِفْرَادِ فَأَحْرَمَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوْ بِالْعُمْرَةِ أَوْ بِهِمَا ثُمَّ جَعَلَ نَفْسَهُ قَارِنًا فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ لِمَيِّتٍ بَرِئَ مِنْ الْحَجِّ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ دُونَ الْعُمْرَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوَّلًا فَلَا تَدْخُلُ الْعُمْرَةُ عَلَيْهِ فَإِذَا أَحْرَمَ عَنْهُ بِهَا بَعْدَ فَرَاغِ مَا هُوَ فِيهِ وَقَعَتْ لَهُ أَيْضًا وَحِينَئِذٍ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ وَهُوَ الْإِفْرَادُ عَلَى احْتِمَالٍ أَوْ لَا يَسْتَحِقُّهَا لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ أَنَّهُ أَتَى بِالْعَمَلِ الَّذِي اُسْتُؤْجِرَ لَهُ لِلنَّظَرِ فِي ذَلِكَ مَجَالٌ وَلَعَلَّ الْأَوْجَهَ الْأَوَّلُ لِأَنَّا قَدْ تَحَقَّقْنَا انْعِقَادِ الْإِجَارَةِ ثُمَّ شَكَكْنَا بَعْدَ قِرَانِهِ هَلْ وُجِدَ الْقِرَانُ حَقِيقَةً بِأَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ بِهِمَا أَوَّلًا أَوْ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْحَجَّ فَتَنْفَسِخ الْإِجَارَةُ فِيهِمَا مِنْ حَيْثُ الْأُجْرَةِ لِمَا مَرَّ عَنْ السُّبْكِيّ أَمْ لَمْ يُوجَدْ بِأَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوَّلًا فَلَا يَنْفَسِخُ وَالثَّانِي أَقْرَبُ لِأَنَّ الْأَصْلُ عَدَمُ وُجُودِ خُصُوصِ الْقِرَانِ وَدَوَامُ الْإِجَارَةِ إذْ الِانْفِسَاخُ طَارِئٌ عَلَى الْعَقْدِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ طَرَّوْهُ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ أَجِيرَ الْعَيْنِ إنَّمَا يَحْرُمُ بِمَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ لَا بِغَيْرِهِ فَهَذَا كُلُّهُ يُرَجِّحُ الِاسْتِحْقَاقَ.
وَإِنْ كَانَتْ لِحَيٍّ لَمْ يَقَعْ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ النُّسُكَيْنِ وَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا مِنْ الْأُجْرَةِ فِيمَا يَظْهَرُ أَيْضًا لِأَنَّا لَمَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ مَا أَحْرَمَ بِهِ الْأَجِيرُ كُنَّا بَعْدَ قِرَانِهِ شَاكِّينَ فِي أَنَّهُ أَتَى بِالْعَمَلِ الْمُسْتَأْجَرِ لَهُ بِأَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوَّلًا فَيَكُونَ قِرَانُهُ لَغْوًا أَوْ لَمْ يَأْتِ بِهِ بِأَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ أَوَّلًا بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ فَتَنْفَسِخَ الْإِجَارَةُ وَيَقَعَانِ لَهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ إتْيَانِهِ بِمَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ وَلَا يُعَارِضُهُ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ انْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِهَذَا الْأَصْلِ لِأَنَّ بَقَاءَهَا مَعَ عَدَمِ تَيَقُّنِ إتْيَانِ الْأَجِيرِ بِالْعَمَلِ الْمُسْتَأْجَرِ لَهُ لَا يُفِيدُ شَيْئًا وَفَارَقَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ صُورَةَ الْمَيِّتِ السَّابِقَةِ بِأَنَّا هُنَاكَ تَيَقَّنَّا وُقُوعَ النُّسُكَيْنِ لِلْمُسْتَأْجَرِ لَهُ وَشَكَكْنَا هَلْ عَرَضَ مَا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ الْأَجِيرِ لِلْأُجْرَةِ وَهُوَ الْقِرَانُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ عُرُوضِهِ وَلَمْ يُعَارِضْ هَذَا الْأَصْلَ ثَمَّ شَيْءٌ يُقَاوِمُهُ وَهُنَا لَمْ يُتَيَقَّنْ وُقُوعُهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ بَلْ شَكَكْنَا هَلْ وَقَعَ لَهُ أَوْ لَا وَالْأَصْلُ عَدَمُ وُقُوعِهِمَا وَلَمْ يُعَارِضْ هَذَا الْأَصْلَ مَا يُقَاوِمُهُ فَعَلِمْنَا بِأَقْوَى الْأَصْلَيْنِ فِي الصُّورَتَيْنِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي الْآنَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا إذَا شَرَطَ الْمُحْرِمُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ التَّحَلُّلَ بِنَفْسِ الْمَرَضِ فَبِمَاذَا يَصِيرُ حَلَالًا بِمُبِيحِ التَّيَمُّمِ أَوْ بِمُبِيحِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ أَوْ بِمَا لَا يُمْكِنُ الْإِتْيَانُ بِشَيْءٍ مَعَهُ مِنْ أَعْمَالِ النُّسُكِ؟
(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ قَدْ بَيَّنْت فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ أَنَّ ضَابِطَ الْمَرَضِ الْمُبِيحِ لِلتَّيَمُّمِ وَالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ وَاحِدٌ وَمِثْلُهُمَا التَّحَلُّلُ بِهِ لِمَنْ شَرَطَهُ فَمَتَى وُجِدَ مُبِيحُ التَّيَمُّمِ جَازَ التَّحَلُّلُ وَمَتَى لَا فَلَا.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ مَقَالَةٍ صَدَرَتْ مِنْ بَعْضِ مُتَفَقِّهَةِ الْيَمَنِ بِأَنْ قَالَ إنَّ بِقَاعَ الْأَرْضِ لَا يَفْضُلُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَإِنَّ مَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ مِثْلَ غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ بِقَاعِ الْأَرْضِ وَلَمْ يَأْتِ بِدَلِيلٍ عَلَى مَقَالَتِهِ فَتَعَيَّنَ الْبَحْثُ عَمَّا هُوَ الْحَقُّ فَهَلْ بِقَاعُ الْأَرْضِ يُفَضَّلُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضِ أَمْ لَا وَهَلْ مَكَّةُ شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى شُرِّفَتْ لِذَاتِهَا أَمْ لِمَاذَا وَهَلْ طِيبَةُ شُرِّفَتْ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْ بِمَاذَا وَهَلِ الْمُدُنُ أَيْ الْأَمْصَارُ تُفَضَّلُ عَلَى الْقُرَى أَمْ لَا وَهَلْ أَمَاكِنُ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ مِثْلُ الْمَدَارِسِ وَالزَّوَايَا وَالرُّبُطُ تَلْتَحِقُ بِالْمَسَاجِدِ فِي الْفَضْلِ وَالِاحْتِرَامِ أَمْ دُونَهَا أَمْ لَا فَضْلَ لَهَا وَهَلِ الْمَوَاضِعُ الَّتِي نَزَلَ بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَقُبَاءَ وَبَدْرٍ وَسَائِرِ الْأَمَاكِنِ الَّتِي نَزَلَهَا دَائِمَةُ الْفَضْلِ أَمْ ارْتَفَعَ الْفَضْلُ وَالْحُرْمَةُ لَهَا بِارْتِحَالِهِ مِنْهَا وَهَلْ إذَا شُرِّفَتْ الْبُقْعَةُ لِأَجْلِ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ ثُمَّ ارْتَحَلُوا عَنْهَا يَرْتَفِعُ فَضْلُهَا أَمْ لَا وَهَلْ تَعَبُّدُنَا بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لِمَزِيدِ فَضْلِهَا أَمْ لِمَاذَا وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَمَاكِنِ النُّسُكِ كَالْمَوَاقِيتِ الَّتِي لِلْإِحْرَامِ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَغَيْرِهَا أَفْتَوْنَا بِمَا أَمْكَنَ مِنْ الدَّلَائِلِ وَالتَّعْلِيلِ فَالْقَضِيَّةُ وَاقِعَةٌ.
(فَأَجَابَ) فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ بِقَوْلِهِ مَا نُسِبَ لِذَلِكَ الْقَائِلِ قَدْ خَالَفَ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَاتَّصَفَ بِسَبَبِهِ بِأَقْبَحِ الْكَذِبِ وَالِابْتِدَاعِ وَلِمَ لَا وَتَفْضِيلُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ عَلَى مَا عَدَاهُمَا أَوْضَحُ مِنْ الشَّمْسِ بَلْ وَأَظْهَرُ وَأَشْهُرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَيِّهِمَا أَفْضَلُ وَمَكَّةُ هِيَ الْأَفْضَلُ عِنْدَ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute