للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قُلْت قَدْ اتَّضَحَ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا قُلْنَا بِتَرْكِيبِ الْعِلَّةِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ كَمَا مَرَّ. وَأَمَّا إذَا قُلْنَا بِعَدَمِ التَّرْكِيبِ الْمُوَافِقِ لِلْأَصْلِ فَمَا الْمُعْتَمَدُ مِنْ التَّعْلِيلَيْنِ

قُلْت الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا هُوَ الثَّانِي وَبَيَانُهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا الْفَارِقَ بَيْنَ مَا قَالُوهُ مِنْ تَصْدِيقِ الْبُطْلَانِ فِي صُورَةِ الْأَرْضِ وَمُدَّعِي الصِّحَّةِ فِي صُورَةِ الْقِرَاضِ إلَّا مَا أَفَادَهُ التَّعْلِيلُ الثَّانِي وَلَوْ نَظَرْنَا لِلتَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ لَوَقَعَ فِي كَلَامِهِمْ التَّنَاقُضُ فَدَلَّ تَصْرِيحُهُمْ بِتَصْدِيقِ مُدَّعِي الصِّحَّةِ فِي صُورَةِ الْقِرَاضِ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَنْظُرُوا لِكَوْنِهِ أَعْلَمَ بِنِيَّتِهِ وَإِنَّمَا نَظَرُوا لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنهمَا وَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَ فِي صُورَةِ الْقِرَاضِ مَعَ الْعَامِلِ فَصُدِّقَ وَحُكِمَ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَفِي صُورَةِ الْأَرْضِ مَعَ الْمُعَيَّنِ فَصُدِّقَ وَحَكَمَ بِالْبُطْلَانِ وَمِنْ هَذَا يَنْشَأُ لَك ضَابِطٌ دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ وَهُوَ أَنَّ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ وَارِثِيهِمَا أَوْ وَارِثَ أَحَدِهِمَا وَالْآخَر مَتَى اخْتَلَفَا فِي الْإِرَادَةِ صَدَقَ مُدَّعِي إرَادَةِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ سَوَاءٌ اقْتَضَتْ إرَادَتُهُ الصِّحَّةَ أَمْ الْفَسَادَ وَإِذَا اتَّضَحَتْ لَك هَذِهِ الْقَاعِدَةُ لَمَا عَلِمْت أَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ صَرِيحِ كَلَامِهِمْ اتَّجَهَ لَك مَا قُلْنَاهُ فِي مَسْأَلَتِنَا مِنْ تَصْدِيقِ مُدَّعِي الصِّحَّةِ لِمَا قَرَّرْنَاهُ سَابِقًا أَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ مُوَافِقٌ لِدَعْوَاهُ هَذَا إنْ كَانَتْ الصِّيغَةُ الصَّادِرَةُ بَيْنهمَا مَا مَرَّ فِي السُّؤَالِ أَمَّا إذَا كَانَتْ بِعْتُك سَاعَةً مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا وَلَمْ يَزِيدَا عَلَى ذَلِكَ.

فَإِنْ أَرَادَا بِالسَّاعَةِ مَا قَدَّمْته صَحَّ الْبَيْعُ هَذَا أَيْضًا وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ اللَّفْظِ لِمَا مَرَّ مَبْسُوطًا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ إرَادَتهمَا فَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ وَقَضِيَّة مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَأَنَّهَا قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْجُزْءِ مِنْ الْقَرَارِ وَأَنَّ إرَادَةَ الْمَاءِ تَسْتَدْعِي تَقْدِيرَ مُضَافٍ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ تَصْدِيق مُدَّعِي الصِّحَّةِ هُنَا أَيْضًا لِأَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ مَعَهُ وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الثَّمَرَةَ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ إلَّا مَا يَخُصُّ الْأَلْفَ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّمَنِ صَحَّ الْبَيْعُ وَكَانَ اسْتِثْنَاءً لِلثُّلُثِ وَإِنْ أَرَادَا مَا يَخُصُّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْقِيمَةِ أَوْ لَمْ يُرِيدَا شَيْئًا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِ الْمَبِيعِ حِينَئِذٍ اهـ فَتَأَمَّلْ تَعْوِيلَهُمْ عَلَى الْإِرَادَةِ فِي هَذَا اللَّفْظِ الْمُحْتَمَلِ وَإِنَاطَتهمْ الصِّحَّةَ بِمَا إذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الثَّمَنِ وَالْبُطْلَانِ بِمَا إذَا أَرَادَا الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ أَطْلَقَا وَلَمْ يَنْظُرُوا مَعَ الْإِرَادَةِ إلَى أَنَّ اللَّفْظَ ظَاهِرٌ فِي خِلَافِ الْمُرَادِ أَوَّلًا لِمَا عَلِمْته مِنْ كَلَامِهِمْ هُنَا وَفِيمَا مَرَّ أَنَّهُ حَيْثُ أَمْكَنَ تَنْزِيلُ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى الْمُرَادِ وَلَوْ بِتَأْوِيلٍ صَحَّتْ إرَادَتُهُ مِنْهُ وَأُنِيطَ الْحُكْمُ بِهَا صِحَّةً وَفَسَادًا وَمِنْهَا قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.

لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا بِمِائَةِ دِينَارٍ إلَّا عَشْرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارًا قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ إنْ عَلِمَا قِيمَةَ الدِّينَارِ بِالدَّرَاهِمِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا هَذَا كَلَامُهُمَا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكْفِي عِلْمُهُمَا بَلْ يُشْتَرَطُ مَعَ عِلْمِهِمَا بِالْقِيمَةِ حَالَةَ الْعَقْدِ قَصْدُهُمَا الِاسْتِثْنَاءَ مِنْهَا وَقَوْلُ صَاحِبِ الْبَيَانِ إذَا بَاعَهُ بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا صَحَّ عَلَى الْمَشْهُورِ غَرِيبٌ وَإِلَّا صَحَّ أَنَّهُمَا إذَا عُلِمَتْ قِيمَتُهُ وَقَصَدَا الِاسْتِثْنَاءَ مِنْهَا صَحَّ وَإِلَّا فَلَا قَالَ فِي الْبَيَانِ وَلَوْ قَالَ بِعْتُك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ صَرْفِ عِشْرِينَ بِدِينَارٍ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الْمُسَمَّى هِيَ الدَّرَاهِمُ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ وَلَا تَصِير مَعْلُومَةً بِذِكْرِ قِيمَتِهَا قَالَ وَإِنْ كَانَ نَقْدُ الْبَلَدِ صَرْفَ عِشْرِينَ بِدِينَارٍ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا لِأَنَّ السِّعْرَ مُخْتَلِفٌ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِنَقْضِ الْبَلَدِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَهَكَذَا تَفْعَلُ النَّاسُ الْيَوْمَ يُسَمُّونَ الدَّرَاهِمَ وَيَتَبَايَعُونَ بِالدِّينَارِ وَيَكُونُ كُلُّ قَدْرٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ مَعْلُومٍ عِنْدهمْ دِينَارًا قَالَ وَهَذَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الدَّنَانِيرِ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَلَا يَصِحُّ بِالْكِنَايَةِ هَذَا مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَهُوَ ضَعِيفٌ.

بَلْ الْأَصَحُّ صِحَّةُ الْبَيْعِ بِالْكِنَايَةِ كَمَا سَبَقَ أَوَّلَ كِتَابِ الْبَيْعِ وَعَلَى هَذَا إذَا عُبِّرَ بِالدَّنَانِيرِ عَنْ الدَّرَاهِمِ صَحَّ اهـ كَلَامُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَفِي النُّسْخَةِ الَّتِي عِنْدِي الْآنَ وَنَقَلَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ عَنْهُ أَنَّهُ عَلَّلَ قَوْلَهُ صَحَّ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ يُعَبِّرُ بِهَا عَنْهَا مَجَازًا كَقَوْلِهِ فِي عِشْرِينَ دِرْهَمًا مَثَلًا هَذِهِ دِينَارٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ هُوَ صَرْفُهَا أَيْ هَذِهِ صَرْفُ دِينَارٍ فَهُوَ مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ اهـ فَانْظُرْ تَفْصِيلَهُ فِي مِائَةِ دِينَارٍ إلَّا عَشْرَةَ دَرَاهِمَ وَفِي مِائَةِ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارًا بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَا الْقِيمَةَ وَيَقْصِدَا الِاسْتِثْنَاءَ مِنْهَا فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَإِنْ لَا يَعْلَمَاهَا أَوْ لَا يَقْصِدَا الِاسْتِثْنَاءَ مِنْهَا فَلَا يَصِحُّ تَجِدُهُ صَرِيحًا فِي جَرَيَانِ التَّفْصِيلِ الَّذِي قَدَّمْته فِي مَسْأَلَتِنَا وَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ فِيمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>