للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذَا أَرَادَ بِالسَّاعَةِ مَا مَرَّ بَلْ مَسْأَلَتُنَا أَوْلَى فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَلْفُوظِ قَبْلَهُ وَهُوَ هُنَا فِي صُورَةِ الصِّحَّةِ لَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الْقِيمَةِ الْمَنْوِيَّة مَعَ أَنَّ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ لَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَنْوِيِّ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا عَلَى مَا يَأْتِي فَإِذَا أَثَّرَتْ فِيهِ النِّيَّةُ وَأَخْرَجَتْهُ عَنْ ظَاهِرِهِ الْمُقْتَضِي لِلْبُطْلَانِ مُطْلَقًا فَأَوْلَى أَنَّ النِّيَّةَ تُؤَثِّرُ فِي مَسْأَلَتِنَا وَتُفِيدُ الصِّحَّةَ فِي الْحَالَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا.

وَانْظُرْ أَيْضًا تَضْعِيفه لِكَلَامِ ابْنِ الصَّبَّاغِ مَعَ تَسْلِيمِهِ لِتَعْلِيلِهِ بِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الدَّنَانِيرِ وَقَدْ سَبَقَ ابْنَ الصَّبَّاغِ بِذَلِكَ جَمِيعَهُ شَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَانْظُرْ أَيْضًا هَذَا التَّجَوُّزَ الَّذِي نَظَرَ إلَيْهِ النَّوَوِيُّ وَمَا فِيهِ مِنْ تَكَلُّفٍ أَنَّهُ مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ حَتَّى يَصِحَّ الْمَعْنَى عَمَلًا بِأَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ بِالْكِنَايَةِ فَظَهَرَ لَك مِمَّا تَقَرَّرَ فِي كَلَامِهِ أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ بِالْكِنَايَةِ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَمَا يَصِحُّ بِهَا فِي الصِّيغَةِ وَفِي أَنَّهُمَا لَوْ نَوَيَا بِاللَّفْظِ الدَّالِ عَلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ خِلَافُ ظَاهِرِهِ صَحَّ الْبَيْعُ نَظَرًا لِتِلْكَ النِّيَّةِ وَإِنْ سَلَّمَ أَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِذَلِكَ اللَّفْظِ عَنْ ذَلِكَ الْمَنْوِيِّ وَحِينَئِذٍ إذَا نَوَيَا بِالسَّاعَةِ مَا مَرَّ صَحَّ الْبَيْعُ وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِالسَّاعَةِ مِنْ الْقَرَارِ عَنْ الْجُزْءِ مِنْهُ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ انْعِقَادِ الْبَيْعِ بِالْكِنَايَةِ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُعَبَّرْ بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى ذَلِكَ عَنْ الْمَعْنَى الْمَنَوَيَّ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُحْتَفَ بِالنِّيَّةِ قَرَائِن تُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْمَنْوِيِّ وَلَا تُجْزِي تِلْكَ الْقَرَائِنُ بِلَا نِيَّةٍ خِلَافًا لِلْإِمَامِ.

وَمَرَّ فِي الْجَوَابِ الْمَبْسُوطِ رَدُّ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ الْفَرْقِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ وَقَدْ قَدَّمْت لَك مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الْمُثَمَّنِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَخِيرَةِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي أَنَّ النِّيَّةَ تُؤَثِّرُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِنْ نَافَاهَا ظَاهِرُ اللَّفْظِ.

فَإِنْ قُلْت صَرَّحُوا فِي النَّقْدَيْنِ الْمُخْتَلِفِي الْقِيمَةِ وَلَا غَالِبَ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ لَفْظًا وَلَا تَكْفِي النِّيَّةُ بِخِلَافِهِ فِي الْخُلْعِ لِأَنَّهُ أَوْسَعُ وَفِيمَا لَوْ قَالَ مَنْ لَهُ بَنَاتٌ زَوَّجْتُك بِنْتِي وَنَوَيَا وَاحِدَةً لِأَنَّ ذِكْرَ كُلٍّ مِنْ الْعِوَضَيْنِ هُنَا وَاجِبٌ فَاحْتِيطَ لَهُ بِذَكَرِهِ لَفْظًا بِخِلَافِهِ ثَمَّ وَهَذَا يُعَارِضُ مَا مَرَّ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالنِّيَّةِ قُلْت لَا مُنَافَاةَ لِأَنَّ النِّيَّةَ فِيمَا مَضَى وَقَعَتْ فِي لَفْظٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى تَرْكِيبٍ يَحْتَمِلُ مَعْنًى صَحِيحًا وَمَعْنًى فَاسِدًا فَكُلٌّ مِنْهُمَا مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِذَلِكَ اللَّفْظِ فَصَحَّ أَنْ يُقْصَدَ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ تَعْوِيلٌ عَلَى النِّيَّةِ وَحْدَهَا بَلْ عَلَى مَا يُوَافِقُهَا مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَأَمَّا هُنَا فَفِيهِ تَعْوِيلٌ عَلَيْهَا وَحْدَهَا إذْ الدِّينَارُ فِي بِعْتُك بِدِينَارٍ مَثَلًا وَالْحَالُ أَنَّ ثَمَّ دَنَانِيرَ مِنْ أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةِ الْقِيمَةِ وَالْغَلَبَةُ غَيْرُ مُفِيدٍ لِوَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ بِعَيْنِهِ فَإِذَا نَوَيَا نَوْعًا مِنْهَا كَانَ فِيهِ إعْمَالٌ لِلنِّيَّةِ وَحْدَهَا لِأَنَّ الْمَلْفُوظَ بِهِ لَا إشْعَارَ لَهُ بِوَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ الْعَامِّ وَهُوَ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى خُصُوصِ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِهِ فَلَمْ تَصِحَّ إرَادَةُ نَوْع مِنْهَا.

وَأَيْضًا فَالدِّينَارُ مَثَلًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَجْهُولٌ وَالْبَيْعُ بِالْمَجْهُولِ بَاطِلٌ إذْ لَا تَأْثِيرَ لِلنِّيَّةِ فِيهِ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ وُقُوعِ التَّنَازُعِ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَا إلَى غَايَةٍ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَتْ نِيَّتُهُمَا إذْ لَا مَرْجِعَ يَرْجِعَانِ إلَيْهِ حِينَئِذٍ لِأَنَّ الدِّينَارَ لَا ظُهُورَ لَهُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى بَعْضِ أَنْوَاعِهِ دُونَ بَعْضٍ بَلْ دَلَالَتُهُ عَلَى كُلٍّ مِنْ أَنْوَاعِهِ وَاحِدَةٌ بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِي الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ فَإِنَّ اللَّفْظَ فِيهَا دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى مَعْنَى وَمُحْتَمِلَةٌ عَلَى غَيْرِهِ فَإِذَا نَوَيَا الْغَيْر وَاتَّفَقَا عَلَى نِيَّتِهِ صَحَّ وَإِلَّا حَكَمْنَا عَلَيْهِمَا بِمَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ لَفْظِهِمَا وَهَذَا الْفَرْقُ أَوْضَحُ مِنْ الْفَرْقِ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَدَقَّ وَبِهِ يَتَّضِحُ لَك أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ فِيمَا لَوْ قَالَ زَوْجَتُك بِنْتِي وَنَوَيَا وَاحِدَة وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ بِنْتِي لَيْسَ جِنْسًا شَامِلًا لِأَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ وَلَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مُتَضَمِّنٌ لِوَصْفٍ لَازِمٍ مُضَافٍ إلَيْهِ انْحَصَرَ ذَلِكَ فِي الْخَارِجِ فِي أَشْخَاصٍ مُعَيَّنَةٍ فَإِذَا نَوَيَا وَاحِدَةً مِنْهَا صَحَّ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ تَعْوِيلٌ عَلَى النِّيَّةِ وَحْدَهَا لِتَعَيُّنِ تِلْكَ الْأَشْخَاصِ وَانْحِصَارِهَا وَعَدَمِ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ لِغَيْرِهَا.

وَهَذَا الْجَوَابُ أَوْلَى وَأَوْضَحُ مِنْ الْجَوَابِ السَّابِقِ آنِفًا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ دَقِيقِ الْفِقْهِ الْبَعِيدِ عَلَى أُولَئِكَ تَصَوُّرِ بَعْضِهِ فَضْلًا عَنْ نَقْضِهِ {قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} [يونس: ٣٨] وَإِلَّا حُرِمْتُمْ الظَّفْرَ بِوَصْلِهِ.

فَإِنْ قُلْت مَا وَجْهُ قَوْلِهِمْ لَوْ قَالَ بِعْتُك بِدِينَارٍ وَأَرَادَ بِهِ مِقْدَارًا مُعَيَّنًا مِنْ الدَّرَاهِمِ لَمْ يَصِحَّ قُلْت يُوَجَّهُ بِمُخَالَفَتِهِ لِعُرْفِ الشَّرْعِ فِي الدِّينَارِ مَعَ تَصْيِيرِ الثَّمَنِ حِينَئِذٍ مَنْوِيًّا

<<  <  ج: ص:  >  >>