بِمُوجَبِ حَجْرِ الصَّبِيِّ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ تَدْبِيرِهِ وَحَجْرُ الْمَرَضِ يَدْخُلُهُ الْحُكْمُ بِمُوجَبِهِ فِي مَوَاطِنِ الِاخْتِلَافِ فَإِذَا وُجِدَ فَمَنْ يَمْتَنِعُ إقْرَارُهُ لِوَارِثٍ امْتَنَعَ عَلَى الشَّافِعِيِّ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ إقْرَارِهِ لِلْوَارِثِ وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِمُوجَبِ حَجْرِ الْمَرَضِ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْحُكْمَ بِمُوجَبِ إقْرَارِهِ لِلْوَارِثِ فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَى الْمُخَالِفِ إبْطَالُهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَا كَانَ عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ لَا مَا كَانَ لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُكْمَ بِمُوجَبِ الْبَيْعِ عَلَى الْبَائِعِ يَتَنَاوَلُ مَا كَانَ عَلَيْهِ دُونَ مَالَهُ مِنْ الْمِلْكِ وَنَحْوِهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَقِسْ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ إقْرَارَهُ لِلْوَارِثِ إنْ تَقَدَّمَ عَلَى الْحُكْمِ فَالْعِلَّةُ فِيهِ مَا ذُكِرَ وَإِنْ تَأَخَّرَ فَالْحُكْمُ لَا يَتَنَاوَلُ التَّصَرُّفَاتِ الْمُتَجَدِّدَةَ.
وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْمُوجَبَ الَّذِي هُوَ الْأَثَرُ لَا التَّصَرُّفَ الْجَدِيدَ وَيَدْخُلُ الْحُكْمَانِ أَيْضًا فِي بَقِيَّةِ الْمُعَامَلَاتِ كَالْإِقْرَارِ أَمَّا الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَصِحُّ وَقَدْ يَفْسُدُ فَبِالْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ يَظْهَرُ أَنَّهُ وُجِدَتْ جَمِيعُ شُرُوطِهِ الْمُصَحَّحَةِ لَهُ وَلَوْ كَانَ الْإِقْرَارُ بِبَيْعِ عَيْنٍ فَهَلْ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمُ بِالْإِقْرَارِ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الْمُقَرِّ بِهِ قَالَ الْهَرَوِيُّ لَا يَتَضَمَّنُهُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَالْأَرْجَحُ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُهُ لِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ صُدُورُهُ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ وَأَمَّا الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ فَهُوَ تَرَتُّبُ آثَارِهِ عَلَيْهِ الْمُوَافَقَةِ لِعَقِيدَةِ الْحَاكِمِ فَإِذَا حَكَمَ بِمُوجَبِ إقْرَارِ الْوَالِدِ وَمِنْ عَقِيدَتِهِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْحُكْمِ أَوْ أَنَّهُ يَرْجِعُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حُكْمًا لَهُ بِالرُّجُوعِ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ يَقْتَضِي تَرَتُّبَ آثَارِهِ عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ دُونَ ثُبُوتِهَا لَهُ هَذَا إلَّا زِيَادَاتٍ فِي خِلَالِهِ مُلَخَّصُ كَلَامِ السُّبْكِيّ فِي كُتُبٍ لَهُ مُسْتَقِلٌّ فِي ذَلِكَ وَلَكِنَّ النُّسْخَةَ الَّتِي رَأَيْتُهَا لَا تَخْلُو مِنْ سَقَمٍ فَلِذَا حَذَفْتُ مِنْهَا كَثِيرًا مَعَ فَهْمِ أَكْثَرِهِ مِمَّا ذَكَرْتُهُ وَفِيهِ الدَّلَالَةُ لَبُطْلَانِ مَا قَدَّمْتُهُ عَنْ ذَلِكَ الْمُفْتِي مِنْ وُجُوهٍ ظَاهِرَةٍ لِمَنْ لَهُ أَدْنَى بَصِيرَةٍ مِنْهَا مَا مَرَّ فِي تَعْرِيفِ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ فَإِنَّهُ قَاضٍ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَصَوَّرْ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ وَإِلَّا لَمْ يُفَسِّرْهُ بِمَا مَرَّ عَنْهُ.
وَمِنْهَا قَوْلُهُ فَالْإِلْزَامُ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْخُصُوصِ يَتَضَمَّنُ صِحَّتَهُ إلَخْ وَفِي هَذَا مِنْ الظُّهُورِ عَلَى بُطْلَانِ ذَلِكَ الْإِفْتَاءِ مَا لَا يَخْفَى وَمِنْهَا قَوْلُهُ فَأَمَّا إذَا شَهِدَا عِنْدَهُ أَنَّ هَذَا وَقْفٌ أَوْ هَذَا مَبِيعٌ وَهَذِهِ مَنْكُوحَةُ فُلَانٍ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِمُوجَبِ شَهَادَتِهِمْ وَيَكُونُ ذَلِكَ مُتَضَمِّنًا لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ وَنَحْوِهِ فَلْيَعْرِفْ الْفَقِيهُ إلَخْ وَهَذَا هُوَ صُورَةُ مَسْأَلَتِنَا الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ السَّابِقِ فِي الْمُقَدِّمَةِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ لَا يَحْكُمُ فِيهَا إلَّا بِمُوجَبِ مَا شَهِدَ بِهِ الشُّهُودُ مِنْ الْبَيْعِ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْحُكْمَ بِمُوجَبِ الشَّهَادَةِ حِينَئِذٍ مُتَضَمِّنٌ لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ هَذَا الْخَبَرُ الَّذِي لَمْ يَأْتِ بَعْدَهُ فِي الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ يُدَانِيهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُسَاوِيَهُ لَوْ فُرِضَ مُخَالَفَتُهُمْ لَهُ فَكَيْفَ وَهُمْ وَافَقُوهُ كَمَا سَتَعْلَمُهُ مِنْ كَلَامِهِمْ الْآتِي وَهَذَا كُلُّهُ يُنْبِئُكَ أَنَّ ذَلِكَ الْمُفْتِي قَدْ بَادَرَ قَبْلَ التَّأَمُّلِ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ بِإِبْرَازِ مَا مَرَّ عَنْهُ أَوَّلَ هَذَا الْبَابِ مِمَّا كَانَ غَنِيًّا مِنْ إبْرَازِهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ عَارَهُ وَشَنَارَهُ مَا بَقِيَ هَذَا الْكِتَابُ وَمِنْهَا قَوْلُهُ فَالْحُكْمُ فِيهَا حِينَئِذٍ بِالْإِلْزَامِ وَهُوَ الْمُوجَبُ لَا بِالصِّحَّةِ وَلَكِنَّ الْحُكْمَ بِهِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَنَحْوِهِ.
وَمِنْهَا قَوْلُهُ وَلَوْ حَكَمَ بِالْمُوجَبِ حِينَئِذٍ كَانَ مُتَضَمِّنًا لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْحَبْسِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَنَحْوِهِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا اسْتَوَيَا فِي عَدَمِ النَّقْضِ لِتَضَمُّنِ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ إمَّا عَامًّا إلَخْ وَمِنْهَا قَوْلُهُ أَوْ بِمُوجَبِ مَا صَدَرَ مِنْ الْمُعَلِّقِ تَضَمَّنَ ذَلِكَ الْحُكْمَ بِطَهَارَةِ الْمَاءِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ وَيَحْكُمُ بِمُوجَبِ مَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ عَلَى مُعْتَقِدِهِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ وَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ يَتَضَمَّنُ أَشْيَاءَ لَا يَتَضَمَّنُهَا الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ كَالْإِلْزَامِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ إلَخْ فَهَذِهِ كُلُّهَا صَرَائِحُ فِي بُطْلَانِ ذَلِكَ الْإِفْتَاءِ وَمُعْلِنَةٌ بِأَنَّ الْمُفْتِي بِهِ لَمْ يَلْحَظْ فِي ذَلِكَ الْإِفْتَاءِ غَيْرَ حَدَثِهِ وَهَوِيسِهِ وَكَلَامُ السُّبْكِيّ كُلُّهُ نَاطِقٌ بِأَنَّ الْحُكْمَ بِمُوجَبِ صِيغَةٍ مُتَضَمِّنٌ لِلْحُكْمِ بِصِحَّتِهَا فَتَأَمَّلْهُ وَتَنَبَّهْ لِمَا ذَكَرْتُهُ لَكَ مِنْ تِلْكَ الْوُجُوهِ عَلَى مَا لَمْ أَذْكُرْهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ اقْضِ عَلَى إفْتَاءِ ذَلِكَ الْمُفْتِي بِمَا يَنْشَرِحُ لَهُ صَدْرُكَ وَكَيْفَ يَتَوَهَّمُ مَنْ لَهُ أَدْنَى ذَوْقٍ أَنَّ مَعْنَى الْحُكْمِ بِمُوجَبِ صِيغَةِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ مَعَ حَدِّهِ بِمَا مَرَّ.
وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْآثَارَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute