بِشَرْطِهَا وَأَنَّهُ يَمْنَعُ الْمُخَالِفَ مِنْ التَّعَرُّضِ لِشَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْآثَارِ وَمَعَ مَا قَرَّرَهُ السُّبْكِيّ فِيهِ مِنْ جَمِيعِ مَا تُلِيَ عَلَيْكَ فَمَعَ هَذِهِ الصَّرَائِحِ لَا يُفَسِّرُ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ بِمَا مَرَّ عَنْ ذَلِكَ الْمُفْتِي إلَّا مَنْ انْطَمَسَتْ بَصِيرَتُهُ وَفَسَدَتْ طَوِيَّتُهُ أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَافِيَةَ لِي وَلِأَحْبَابِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِمَّا يُبْطِلُ ذَلِكَ الْإِفْتَاءَ أَيْضًا مَا أَفْتَى بِهِ السُّبْكِيّ لَمَّا سُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ وَقَفَتْ دَارًا ذَكَرَتْ أَنَّهَا بِيَدِهَا وَمِلْكُهَا وَتَصَرُّفهَا عَلَى ذُرِّيَّتِهَا وَشَرَطَتْ النَّظَرَ لِنَفْسِهَا ثُمَّ لِوَلَدِهَا وَأَشْهَدَ حَاكِمٌ شَافِعِيٌّ عَلَى نَفْسِهِ بِمُوجَبِ الْإِقْرَارِ الْمَذْكُورِ وَثُبُوتِ ذَلِكَ عِنْدَهُ بِالْحُكْمِ بِهِ وَنَفَّذَهُ شَافِعِيٌّ آخَرُ فَأَرَادَ حَاكِمٌ مَالِكِيُّ الْمَذْهَبِ إبْطَالَ هَذَا الْوَقْفِ بِمُقْتَضَى شَرْطِهَا النَّظَرَ لِنَفْسِهَا وَاسْتِمْرَارَ يَدِهَا عَلَيْهَا وَمُقْتَضَى كَوْنِ الْحَاكِمِ لَمْ يَحْكُمْ بِصِحَّتِهِ وَأَنَّ حُكْمَهُ بِالْمُوجَبِ لَا يَمْنَعُ النَّقْضَ وَأَفْتَاهُ بِمِصْرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِذَلِكَ تَعَلُّقًا بِمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْهَرَوِيُّ فِي قَوْلِ الْحَاكِمِ صَحَّ وُرُودُ هَذَا الْكِتَابِ عَلَيَّ فَقَبِلْتُهُ قَبُولَ مِثْلِهِ وَأَلْزَمْتُ الْعَمَلَ بِمُوجَبِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ وَصَوَّبَ الرَّافِعِيُّ ذَلِكَ فَقَالَ فِي جَوَابِهِ الصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ سَوَاءٌ اقْتَصَرَ عَلَى الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ أَمْ لَا أَيْ فَإِنْ حَكَمَ بِالصِّحَّةِ فَلَا.
وَلَيْسَ هَذَا الْحَصْرُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ فَلَيْسَ مِنْ شُرُوطِ امْتِنَاعِ النَّقْضِ أَنْ يَأْتِيَ الْحَاكِمُ بِلَفْظِ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ قَالَ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ بِمُوجَبِ الْإِقْرَارِ يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَصِحَّةِ الْمُقَرّ بِهِ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ فَإِذَا حَكَمَ الْمَالِكِيُّ بِبُطْلَانِ الْوَقْفِ اسْتَلْزَمَ الْحُكْمَ بِبُطْلَانِ الْإِقْرَارِ وَبِبُطْلَانِ الْمُقَرِّ بِهِ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ قَالَ وَلِأَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِيمَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِ بِالصِّحَّةِ مُطْلَقًا عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَمَّا الْإِقْرَارُ فَالْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْمُقِرِّ وَالْحُكْمُ بِمُوجَبِهِ كَذَلِكَ قَالَ وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْهَرَوِيِّ فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ مُوجَبِهِ عَائِدٌ عَلَى الْكِتَابِ وَمُوجَبُ الْكِتَابِ صُدُورُ مَا تَضَمَّنَهُ مِنْ إقْرَارٍ أَوْ تَصَرُّفٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَقَبُولُهُ وَإِلْزَامُ الْعَمَلِ بِهِ هُوَ أَنَّهُ لَيْسَ بِزُورٍ وَأَنَّهُ مُثْبَتُ الْحُجَّةِ غَيْرُ مَرْدُودٍ وَمِنْ ثَمَّ يَتَوَقَّفُ الْحُكْمُ بِهَا عَلَى أُمُورٍ أُخَرَ مِنْهَا عَدَمُ مُعَارَضَتِهِ بَيِّنَةً أُخْرَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْهَرَوِيُّ فِي بَقِيَّةِ كَلَامِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلِذَلِكَ قَالَ الرَّافِعِيُّ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ وَنَحْنُ نُوَافِقُهُ عَلَى ذَلِكَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ أَمَّا مَسْأَلَتُنَا هَذِهِ فَالْحُكْمُ بِمُوجَبِ الْإِقْرَارِ الَّذِي هُوَ مَضْمُونُ الْكِتَابِ.
وَلَمْ يَتَكَلَّمْ الرَّافِعِيُّ وَلَا الْهَرَوِيُّ فِيهِ بِشَيْءٍ فَزَالَ التَّعَلُّقُ بِكَلَامِهِمَا اهـ فَتَأَمَّلْ مَا حَقَّقَهُ هَذَا الْإِمَامُ وَنَقَّحَهُ وَبَيَّنَ بِهِ مُرَادَ الرَّافِعِيِّ وَالْهَرَوِيِّ وَأَنَّ تَمَسُّكَ ذَلِكَ الْمُفْتِي بِكَلَامِهِمَا خَطَأٌ وَأَنَّ انْحِصَارَ امْتِنَاعِ النَّقْضِ فِي الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ لَمْ يُوجَدْ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ وَأَنَّ الْحُكْمَ بِمُوجَبِ الْإِقْرَارِ يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَصِحَّةِ الْمُقَرّ بِهِ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ وَأَنَّ الْحُكْمَيْنِ إنَّمَا يَفْتَرِقَانِ فِيمَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِ بِالصِّحَّةِ مُطْلَقًا عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَمَّا الْإِقْرَارُ فَالْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْمُقِرِّ وَالْحُكْمُ بِمُوجَبِهِ كَذَلِكَ وَبَعْدَ أَنْ اتَّضَحَ لَك ذَلِكَ تَعَلَّمْ فَسَادَ مَا وَقَعَ لِذَلِكَ الْمُفْتِي السَّابِقِ كُلَّهُ أَوَّلَ هَذَا الْبَابِ إذْ الْحُكْمُ بِمُوجَبِ الْإِقْرَارِ كَمَا اسْتَلْزَمَ الْحُكْمَ بِصِحَّتِهِ مِنْ حَيْثُ الصِّيغَةُ كَذَلِكَ الْحُكْمُ بِمُوجَبِ الْبَيْعِ يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِصِحَّتِهِ مِنْ حَيْثُ الصِّيغَةُ وَأَيْضًا فَالْبَيْعُ فِي مَسْأَلَتِنَا كَالْإِقْرَارِ فِي مَسْأَلَةِ السُّبْكِيّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا خَاصَّانِ إذْ الْحُكْمُ فِيهِمَا عَلَى الْمُقِرِّ وَالْبَائِعِ دُونَ كُلِّ أَحَدٍ.
وَقَدْ بَيَّنَ السُّبْكِيّ كَمَا عَلِمْتُهُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَمِنْ كَلَامِهِ الَّذِي سُقْتُهُ أَوَّلًا أَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ فِي هَذَا سَوَاءٌ فَتَفَطَّنْ لِذَلِكَ وَاسْتَفِدْهُ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا مِمَّا يَجِبُ أَنْ يُسْتَفَادَ وَأَنْ يَتَوَجَّهَ إلَيْهِ الْمُتَفَقِّهُ بِكُلِّيَّتِهِ لِئَلَّا يَزِلَّ قَدَمُهُ وَيَطْغَى قَلَمُهُ كَمَا وَقَعَ لِذَلِكَ الْمُفْتِي وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ لِإِدْرَاكِ الصَّوَابِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ وَلِلْوَلِيِّ أَبِي زُرْعَةَ الْعِرَاقِيِّ تَصْنِيفٌ حَسَنٌ فِي الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ وَكَلَامُهُ فِيهِ صَرِيحٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَ كِتَابَ السُّبْكِيّ وَلَا إفْتَاءَهُ اللَّذَيْنِ ذَكَرْتُهُمَا لَك مِنْ أَوَّلِ الْبَابِ إلَى هُنَا وَذَلِكَ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ شَيْخِهِ الْبُلْقِينِيُّ فُرُوقًا بَيْنَهُمَا وَهِيَ فِي كَلَامِ السُّبْكِيّ وَسَأُلَخِّصُ تَصْنِيفَهُ وَأُنَبِّهُ عَلَى مَا وَافَقَ فِيهِ السُّبْكِيّ وَمَا خَالَفَهُ وَأُبَيِّنُ مَا فِي كَلَامِهِ مِمَّا يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ الْمُفْتِي وَيُبَيِّنُ بُطْلَانَ كَلَامِهِ قَالَ عَهِدْنَا الْحُكَّامَ عَلَى طَرِيقِهِ فِي الْحُكْمَيْنِ وَهِيَ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ عِنْدَ قِيَامِ بَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ بِاسْتِيفَاءِ شُرُوطِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute