للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَقْدِ الْمَحْكُومِ بِهِ وَبِالْمُوجَبِ إذَا لَمْ تَقُمْ بِاسْتِيفَاءِ شُرُوطِهِ فَهُوَ عِنْدَهُمْ أَحَطُّ رُتْبَةً مِنْ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ.

وَيُرَدُّ عَلَيْهِمْ أَنَّ عَمَلَهُمْ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ لَا يَزِيدُ عَلَى مُجَرَّدِ الثُّبُوتِ لَكِنْ مَا زَالُوا يَرَوْنَ لَهُ تَمْيِيزًا عَلَى مُجَرَّدِ الثُّبُوتِ وَأَنَّ الرَّاجِحَ فِيمَا لَوْ طَلَبَ جَمْعٌ بِيَدِهِمْ أَرْضٌ مِنْ قَاضٍ قِسْمَتَهَا بَيْنَهُمْ مِنْ غَيْرِ إقَامَةِ بَيِّنَةٍ عَلَى أَنَّهَا مِلْكُهُمْ لَا يُجِيبُهُمْ قَالَ شَيْخُنَا الْبُلْقِينِيُّ تَخْرُجُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِالْمُوجَبِ بِمُجَرَّدِ اعْتِرَافِهِمَا بِالْبَيْعِ لَا بِمُجَرَّدِ قِيَامِ بَيِّنَةٍ عَلَيْهِمَا بِمَا صَدَرَ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي قِيلَ هُنَا يَأْتِي هُنَاكَ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُونَ مَالِكِينَ فَيَكُونُ مُتَصَرِّفًا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَأَمَّا الْحُكْمُ فَإِنَّمَا هُوَ فِي تَصَرُّفٍ صَدَرَ مِنْ غَيْرِ الْحَاكِمِ وَرُفِعَ إلَيْهِ فَقَدْ يَحْكُمُ بِصِحَّتِهِ وَقَدْ يَحْكُمُ بِمُوجَبِهِ وَالِاصْطِلَاحُ أَنَّ الْأَوَّلَ يَكُونُ عِنْدَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ بِاسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ وَالثَّانِي يَكُونُ عِنْدَ إهْمَالِ الْبَيِّنَةِ ذَلِكَ فَأَمَّا لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِوُقُوعِهِ عَلَى خِلَافِ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِصِحَّةٍ وَلَا مُوجَبٍ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَلَمْ يَتَصَرَّفْ الْحَاكِمُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بَلْ الْغَيْرُ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ وَالصَّادِرُ مِنْ الْحَاكِمِ حُكْمٌ عَلَى ذَلِكَ التَّصَرُّفِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ امْتِنَاعِ الْحَاكِمِ مِنْ الْقِسْمَةِ هُنَا امْتِنَاعُهُ مِنْ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ بِاسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ لَا يُجِيبُهُمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إجَابَتُهُمْ بَلْ يَجُوزُ لَهُ اهـ وَمَا نَظَرَ بِهِ فِي كَلَامِ شَيْخِهِ وَاضِحٌ فَالْوَجْهُ جَوَازُ الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ بِمُجَرَّدِ الِاعْتِرَافِ وَقِيَامِ الْبَيِّنَةِ الْمَذْكُورَيْنِ وَمَا أَوْرَدَهُ أَوَّلًا عَلَى الْحُكَّامِ وَاضِحٌ أَيْضًا فَالصَّوَابُ كَمَا يَأْتِي أَنَّ لِلْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ تَمَيُّزَاتٍ عَلَى مُجَرَّدِ الثُّبُوتِ وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ فَأَمَّا لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِوُقُوعِهِ عَلَى خِلَافِ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ فِيهِ بِصِحَّةٍ وَلَا بِمُوجَبٍ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي بُطْلَانِ مَا ابْتَدَعَهُ ذَلِكَ الْمُفْتِي حَيْثُ زَعَمَ أَنَّ مَعْنَى الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ الْحُكْمُ بِمُوجَبِ تِلْكَ الصِّيغَةِ مِنْ الصِّحَّةِ أَوْ الْفَسَادِ وَعَجِيبٌ كَيْفَ سَاغَ لَهُ ابْتِدَاعُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ مَعَ أَنَّ كِتَابَ الْوَلِيِّ الْمَذْكُورَ عِنْدَهُ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِهَذَا وَبِمَا يَأْتِي وَكَأَنَّهُ بَادَرَ لِكِتَابَةِ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ النَّظَرِ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَحْكُمُ بِالْمُوجَبِ وَإِنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ فَسَادُ الصِّيغَةِ أَوْ انْتِفَاءُ الشُّرُوطِ فِي الْعَاقِدِ وَالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ.

وَهَذِهِ زَلَّةٌ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ إلَى اللَّهِ مِنْهَا لِمَا عَلِمْتَ أَنَّ كَلَامَهُمْ صَرِيحٌ فِي إبْطَالِهَا وَتَزْيِيفِهَا قَالَ الْوَلِيُّ وَجَدْتُ لِشَيْخِنَا فُرُوقًا بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ أَبْدَاهَا الْأَوَّلُ أَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ يَنْصَبُّ إلَى إنْفَاذِ ذَلِكَ الصَّادِرِ مِنْ نَحْوِ بَيْعٍ وَوَقْفٍ وَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ يَنْصَبُّ إلَى أَثَرِ ذَلِكَ الصَّادِرِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إذَا انْصَبَّ إلَى مَا ذَكَرَهُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ إنْفَاذُ آثَارِهِ وَكَيْفَ يَنْفُذُ وَلَا تَنْفُذُ آثَارُهُ لَا سِيَّمَا وَالصِّحَّةُ عِنْدَ جَمْعٍ أَصُولِيِّينَ اسْتِتْبَاعُ الْغَايَةِ أَيْ كَوْنُ الشَّيْءِ تَتْبَعُهُ غَايَتُهُ وَيَتَرَتَّبُ وُجُودُهَا عَلَى وُجُودِهِ فَالْحُكْمُ بِهَا حُكْمٌ بِتَرَتُّبِ آثَارِهَا عَلَيْهَا وَكَيْفَ يُقَالُ فِي الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ إنَّهُ يَنْصَبُّ لِلْآثَارِ خَاصَّةً وَكَيْفَ يَثْبُتُ بِدُونِ ثُبُوتِ الْمُؤَثِّرِ لَهَا فَالْحُكْمُ بِثُبُوتِهَا مُتَرَتِّبٌ عَلَى الْحُكْمِ بِثُبُوتِ الْمُؤَثِّرِ بِلَا شَكٍّ فَلَوْلَا صِحَّةُ ذَلِكَ الْعَقْدِ لَمَا حَكَمَ الْقَاضِي بِتَرَتُّبِ آثَارِهِ عَلَيْهِ فَالصَّوَابُ تَضَمُّنُ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ وَإِلَّا لَمَا تَرَتَّبَتْ الْآثَارُ فَالصِّحَّةُ هِيَ الْحُكْمُ الْجَامِعُ لِجَمِيعِ الْآثَارِ وَحِينَئِذٍ فَظَهَرَ اسْتِوَاءُ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ لِأَنَّهُ لَا يَحْكُمُ إلَّا بِمُوجَبِ مَا صَحَّ دُونَ مَا فَسَدَ وَلَا يَصِحُّ الشَّيْءُ وَتَتَخَلَّفُ آثَارُهُ عَنْهُ فَإِذَا حَكَمَ بِالصِّحَّةِ فَقَدْ حَكَمَ بِتَرَتُّبِ آثَارِهِ عَلَيْهِ.

وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ يَتَنَاوَلُ الْآثَارَ بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهَا لِلْإِتْيَانِ بِلَفْظٍ عَامٍّ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ آثَارِهَا فَإِنَّ مُوجَبَ الشَّيْءِ هُوَ مُقْتَضَاهُ وَهُوَ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ كُلَّ مُوجَبٍ بِخِلَافِ لَفْظِ الصِّحَّةِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْآثَارَ بِالتَّضَمُّنِ لَا بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهَا وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ أَعْلَى وَهُوَ بِخِلَافِ الِاصْطِلَاحِ وَكَأَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ إنَّمَا عَلَتْ مَرْتَبَتُهُ عِنْدَهُمْ لِاخْتِصَاصِهِ بِمَا ثَبَتَ فِيهِ مِنْ وُجُودِ الشُّرُوطِ لَكِنْ هَذَا يَرْجِعُ إلَى الِاصْطِلَاحِ فِيمَا أَظُنُّ وَلَا يَظْهَرُ لِلْفَرْقِ الْمَذْكُورِ مَعْنًى مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَصْدُرَ مِنْ حَاكِمٍ حُكْمٌ إلَّا بِحُجَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ إمَّا بِبَيِّنَةٍ وَإِمَّا عِلْمٍ وَإِمَّا إقْرَارِ الْخَصْمِ الَّذِي هُوَ صَاحِبُ الْيَدِ وَإِمَّا الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ وَإِنَّمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>