للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَازَعْتُ شَيْخَنَا فِي اسْتِنْبَاطِ هَذَا مِنْ مَسْأَلَةِ الْقِسْمَةِ لَا فِي أَصْلِ الْحُكْمِ فَإِنِّي مُوَافِقٌ عَلَيْهِ فَإِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ فَحَكَمَ بِالصِّحَّةِ فَقَدْ حَكَمَ بِتَرَتُّبِ غَايَتِهِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَنْصِيصٍ عَلَيْهَا لَا بِعُمُومٍ وَلَا بِخُصُوصٍ.

وَإِنْ حَكَمَ بِالْمُوجَبِ فَقَدْ أَتَى بِصِيغَةٍ شَامِلَةٍ لِجَمِيعِ أَحْكَامِهِ فَإِنَّ صِيغَةَ الْعُمُومِ فِي تَنَاوُلِهَا لِكُلِّ فَرْدٍ فَرُدَّ كُلِّيَّةً فَكَأَنَّهُ نَصَّ بِذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ آثَارِهِ فَإِنْ قُلْتَ فَهَلْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ جَمِيعُ آثَارِهِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا وَالْمُخْتَلَفِ فِيهَا قُلْتُ أَمَّا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا فَلَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى حُكْمٍ وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهَا فَمَا كَانَ مِنْهَا قَدْ جَاءَ وَقْتَ الْحُكْمِ فِيهِ نَفَذَ وَمَا لَمْ يَجِئْ فِيهِ وَقْتَ الْحُكْمِ لَمْ يَنْفُذْ مِثَالُ الْأَوَّلِ أَنْ يَحْكُمَ حَنَفِيٌّ بِمُوجَبِ تَدْبِيرٍ فَمِنْ مُوجَبِهِ عِنْدَهُ مَنْعُ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ فَقَدْ حَكَمَ بِهِ فِي وَقْتِهِ لِأَنَّهُ مَنْعٌ لِلسَّيِّدِ مِنْهُ فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ فَإِذَا أَذِنَ لَهُ شَافِعِيٌّ فِيهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ لِأَنَّ فِيهِ نَقْضًا لِلْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ أَيْضًا الْحُكْمُ بِصِحَّةِ بَيْعِهِ لَوْ وَقَعَ فَإِنَّهُ وَقَعَ بَاطِلًا بِقَضِيَّةِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَمِثَالُ الثَّانِي أَنْ يُعَلِّقَ شَخْصٌ طَلَاقَ أَجْنَبِيَّةٍ عَلَى تَزْوِيجِهِ بِهَا فَيَحْكُمُ مَالِكِيٌّ أَوْ حَنَفِيٌّ بِمُوجَبِهِ فَإِذَا تَزَوَّجَهَا فَبَادَرَ شَافِعِيٌّ وَحَكَمَ بِاسْتِمْرَارِ الْعِصْمَةِ نَفَذَ حُكْمُهُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْحُكْمِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْ وُقُوعَ الطَّلَاقِ لَوْ تَزَوَّجَهَا لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَمْ يَقَعْ إلَى الْآنَ فَكَيْفَ يَحْكُمُ عَلَى مَا لَمْ يَقَعْ.

وَالْحُكْمُ إنَّمَا يَكُونُ فِي مُتَحَقِّقٍ فَمَا هَذَا مِنْهُ إلَّا فَتْوَى وَتَسْمِيَتُهُ حُكْمًا جَهْلٌ أَوْ تَجَوُّزٌ يَعْنِي بِهِ حُكْمَ الشَّرْعِ عِنْدَهُ أَنَّهُ نَبَّهَ وَأَلْزَمَ بِهِ وَكَيْفَ يُلْزِمُ بِمَا لَمْ يَقَعْ وَمِمَّا يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْتِ بِصِيغَةِ عُمُومٍ وَهُوَ الْمُوجَبُ بَلْ حَكَمَ بِهَذِهِ الْجُزْئِيَّةِ الْخَاصَّةِ فَقَالَ حَكَمْتُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ إنْ تَزَوَّجَهَا لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا وَعُدَّ سَفَهًا وَجَهْلًا وَكَيْفَ يَحْكُمُ بِشَيْءٍ قَبْلَ وُقُوعِهِ كَبَيْعِ هَذَا أَوْ نِكَاحِ هَذِهِ لَوْ وَقَعَ بِشَرْطِهِ بِخِلَافِ مَا مَرَّ عَنْ الْحَنَفِيِّ فِي الْمُدَبَّرِ فَإِنَّهُ وَقَعَ فِي وَقْتِهِ فَافْهَمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ حَسَنٌ وَقَعَ بِسَبَبِ عَدَمِ تَدَبُّرِهِ خَبْطٌ فِي الْأَحْكَامِ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ تَوْجِيهَ الْحُكْمِ إلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِهَا مُحَالٌ وَالْحُكْمُ بِمَنْعِ التَّزْوِيجِ بِهَا أَفْسَدُ مِنْهُ فَإِنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ بِلَا تَوَقُّفٍ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْوُقُوعِ بَعْدَهُ وَلَا يُدْرَى هَلْ يَقَعُ نِكَاحٌ أَوْ لَا فَلَا يُمْكِنُ تَوْجِيهُ الْحُكْمِ إلَى مَنْعِ النِّكَاحِ وَلَا إلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي عِصْمَةٍ لَا يُدْرَى هَلْ تَقَعُ فِي الْوُجُودِ وَالْوَاقِعِ قَبْلَ النِّكَاحِ التَّعْلِيقُ وَهُوَ غَيْرُ مُوقَعٍ فِي الْحَالِ فَكَيْفَ يَحْكُمُ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يُوجَدْ بِشَيْءٍ لَمْ يَقَعْ وَقِسْ عَلَى هَذَيْنِ بَقِيَّةَ الْأَمْثِلَةِ فَقَدْ عَرَفْتَ الْفَرْقَ الَّذِي أَوْجَبَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا اهـ.

وَالْفَرْقُ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ هُوَ عَيْنُ الْفَرْقِ الْأَوَّلِ السَّابِقِ فِي كَلَامِ السُّبْكِيّ وَمُرَادُهُمَا أَعْنِي السُّبْكِيّ وَالْبُلْقِينِيَّ بِهَذَا الْفَرْقِ الَّذِي قَالَاهُ مَا ذَكَرَهُ الْوَلِيُّ بِقَوْلِهِ وَالتَّحْقِيقُ إلَخْ وَقَوْلُهُ فَالصَّوَابُ تَضَمُّنُ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ إلَخْ هُوَ عَيْنُ قَوْلِ السُّبْكِيّ وَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ مُسْتَوْفِيًا لِمَا يُعْتَبَرُ فِي الصِّحَّةِ كَانَ أَقْوَى إلَخْ وَمَا ذَكَرَهُ فِي صُورَةِ التَّدْبِيرِ مَرَّ بِعَيْنِهِ فِي كَلَامِ السُّبْكِيّ وَقَوْلُهُ فَإِنَّ مُوجَبَ الشَّيْءِ هُوَ مُقْتَضَاهُ تَبِعَ فِيهِ بَعْضَهُمْ وَقَدْ مَرَّ عَنْ السُّبْكِيّ أَنَّ الْمُوجَبَ أَعَمُّ ثُمَّ رَأَيْتُهُ تَعَقَّبَ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي حِكَايَتُهُ عَنْهُ ثُمَّ إذَا تَأَمَّلْتَ كَلَامَ الْوَلِيِّ هَذَا الْمَأْخُوذَ أَكْثَرُهُ مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ السَّابِقِ كَمَا أَشَرْتُ لَكَ إلَى ذَلِكَ وَجَدْتَهُ صَرِيحًا فِي بُطْلَانِ مَا مَرَّ عَنْ ذَلِكَ الْمُفْتِي سِيَّمَا قَوْلُهُ فَلَوْلَا صِحَّةُ ذَلِكَ الْعَقْدِ لَمَا حَكَمَ الْقَاضِي بِتَرَتُّبِ آثَارِهِ عَلَيْهِ فَالصَّوَابُ تَضَمُّنُ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ وَإِلَّا لَمَا تَرَتَّبَتْ الْآثَارُ إلَخْ فَانْظُرْ ذَلِكَ وَتَعَجَّبْ مِمَّنْ يُخَالِفُ كَلَامَ الْأَئِمَّةِ إيثَارًا لِهَوَاهُ وَحَظِّهِ.

قَالَ الْوَلِيُّ الْفَرْقُ الثَّانِي بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ أَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِأَحَدٍ وَالْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ يَخْتَصُّ بِالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا فَإِنَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ لَوْ مَاتَ قَبْلَ حُكْمِ حَاكِمٍ بِصِحَّتِهِ أَوْ بُطْلَانِهِ فَأَرَادَ أَحَدُ وَرَثَتِهِ بَيْعَهُ فَمَنَعَهُ حَنَفِيٌّ وَحَكَمَ بِمُوجَبِ الْوَقْفِ لَمْ يَخْتَصَّ بِهِ بَلْ لَوْ أَرَادَ وَارِثٌ آخَرُ بَيْعَ حِصَّتِهِ امْتَنَعَ وَكَيْفَ يَسُوغ لَهُ بَعْدَ حُكْمِ الْحَنَفِيِّ بِمُوجَبِهِ وَلَوْ كَانَ الْحَاكِمُ بِالْمُوجَبِ شَافِعِيًّا جَازَ لِلْوَارِثِ الثَّانِي الْبَيْعُ وَلَمْ يَجُزْ لِلْحَنَفِيِّ مَنْعُهُ مَعَ حُكْمِ الشَّافِعِيِّ السَّابِقِ اهـ وَهَذَا الْفَرْقُ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ شَيْخِهِ هُوَ عَيْنُ الْفَرْقِ الثَّانِي السَّابِقِ فِي كَلَامِ السُّبْكِيّ السَّابِقِ وَيُجَابُ عَنْ نَظَرِهِ هَذَا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ الِاخْتِصَاصِ فِي الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلْزَامٌ لِأَحَدٍ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ بِخِلَافِ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ فَإِنَّ فِيهِ إلْزَامًا لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>