للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دُونَ غَيْرِهِ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ الْأَمْرِ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ تَعْرِيفِهِمَا السَّابِقَيْنِ عَنْ السُّبْكِيّ وَقَدْ بَسَطَ السُّبْكِيّ الْكَلَامَ عَلَى الْفَرْقِ الثَّالِثِ السَّابِقِ عَنْهُ بِمَا يُعْلَمُ مِنْهُ جَوَابٌ آخَرُ فَرَاجِعْهُ قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ عَنْ شَيْخِهِ.

الْفَرْقُ الثَّالِثُ أَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ يَقْتَضِي اسْتِيفَاءَ الشُّرُوطِ وَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ لَا يَقْتَضِي اسْتِيفَاءَهَا دَائِمًا وَمُقْتَضَاهُ صُدُورُ ذَلِكَ الْحُكْمِ عَنْ الْمَصْدَرِ بِمُوجَبِ مَا صَدَرَ عَنْهُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ قَدَّمْتُ عَنْ شَيْخِنَا الْمَذْكُورِ أَنَّهُ اسْتَنْبَطَ مِنْ مَسْأَلَةِ امْتِنَاعِ الْقَاضِي مِنْ الْقِسْمَةِ فِيمَا إذَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ مِلْكُ طَالِبِيهَا أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَقَعُ بِصِحَّةٍ وَلَا بِمُوجَبٍ إلَّا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ وَهَذَا الْفَرْقُ الَّذِي يَعْمَلُ بِهِ النَّاسُ الْآنَ وَفِيهِ مَا قَدَّمْتُهُ ثُمَّ إنَّ فِي تَعْبِيرِ الشَّيْخِ عَنْ هَذَا الْفَرْقِ نَظَرًا فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَبِّرَ بِأَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى ثُبُوتِ أَنَّ الْمُتَعَاطِيَ لِذَلِكَ التَّصَرُّفِ اسْتَوْفَى الْمَشْرُوطَ فِيهِ فَإِذَا وَقَعَ لِلْقَاضِي بَيْعٌ لَا يَحْكُمُ بِصِحَّتِهِ حَتَّى يُثْبِتَ شُرُوطَ الْبَيْعِ مِنْ كَوْنِ الْمَبِيعِ طَاهِرًا مُنْتَفَعًا بِهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسَلُّمِهِ مَمْلُوكًا لِلْعَاقِدَيْنِ أَوْ لِمَنْ وَقَعَ لَهُ الْعَقْدُ مَعْلُومًا بِخِلَافِ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ اسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ وَلَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ يَكُونُ حُكْمُ الْقَاضِي بِثُبُوتِ جَمِيعِ الْآثَارِ ثَابِتًا إذَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ الْعَاقِدَ اسْتَوْفَى الشُّرُوطَ وَمَنْفِيًّا فِيمَا إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ اسْتَوْفَى الشُّرُوطَ وَهَذَا مِمَّا لَا يُعْقَلُ اهـ.

وَهَذَا الْفَرْقُ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ شَيْخِهِ هُوَ عَيْنُ الْفَرْقِ الثَّالِثِ السَّابِقِ فِي كَلَامِ السُّبْكِيّ وَتَنْظِيرُهُ فِيهِ بِمَا ذَكَرَهُ يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ فَإِنَّهُ بَسَطَ الْكَلَامَ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ بِمَا وَضَّحَهُ فَتَأَمَّلْهُ سِيَّمَا قَوْلُهُ وَهَذَا إذَا حَكَمَ الْقَاضِي عَلَى الْبَائِعِ أَوْ الْوَاقِفِ بِمُوجَبِ مَا صَدَرَ مِنْهُ إلَخْ وَقَوْلُ الْوَلِيِّ مِنْ كَوْنِ الْمَبِيعِ ظَاهِرًا إلَخْ مَرَّ عَنْ السُّبْكِيّ مَا قَدْ يُنَافِيهِ فَإِنَّهُ قَيَّدَ فِي تَعْرِيفِ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ الشُّرُوطَ بِالْمُمْكِنِ ثُبُوتُهَا ثُمَّ قَالَ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ جَمِيعَ الشُّرُوطِ لَا يُعْتَبَرُ ثُبُوتُهَا فِي الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ أَوْ الْمُوجَبِ فَإِنَّ مِنْ جُمْلَتِهَا فِي الْمَبِيعِ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ إلَخْ وَقَدْ يُجَابُ بِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ لِأَنَّ كَلَامَ الْوَلِيِّ فِي إثْبَاتِ نَحْوِ الْقُدْرَةِ وَكَلَامَ السُّبْكِيّ فِي إثْبَاتِ انْتِفَاءِ مُنَافِيهَا فَإِثْبَاتُ مُجَرَّدِ الْقُدْرَةِ شَرْطٌ دُون إثْبَاتِ انْتِفَاءِ مُنَافِيهَا وَحَاصِلُ هَذَا الْمَبْحَثِ أَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ثُبُوتِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَهْلِيَّةِ الْعَاقِدَيْنِ وَوُجُودِ الصِّيغَةِ الْمُعْتَبَرَةِ عِنْدَهُ وَالْمِلْكِ وَالْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ يَكْفِي فِيهِ ثُبُوتُ الْأَوَّلَيْنِ ذَكَرَهُ السُّبْكِيّ وَقَدَّمْتُهُ فِي الْجَوَابِ الْمُخْتَصَرِ السَّابِقِ فِي الْمُقَدِّمَةِ.

وَبِالثَّالِثِ صَرَّحَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ فَقَالَ يُشْتَرَطُ ثُبُوتُ مِلْكِ الْمُتَصَرِّفِ وَحِيَازَتِهِ تَحْتَ يَدِهِ حَالَ الْعَقْدِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ بَيْعِ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ رَهْنٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَمَّا الْإِقْرَارُ فَلَا يَتَوَقَّفُ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ إلَّا عَلَى ثُبُوتِ الْيَدِ فَقَطْ لِلْمُقِرِّ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ لَهُ يُنَافِي الْإِقْرَارَ وَيُبْطِلُهُ فَإِنْ انْضَمَّ إلَى ثُبُوتِ يَدِ الْمُقِرِّ حَالَةَ الْإِقْرَارِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمَقَرِّ لَهُ جَازَ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَبِالْمِلْكِ لِلْمَقَرِّ لَهُ وَصَرَّحَ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ لِزَيْدٍ جَازَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالْمُوجَبِ لَا بِالصِّحَّةِ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ يَكْفِي لِلْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ ثُبُوتُ الْحِيَازَةِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ لَكِنْ بِشَرْطِهَا أَيْ الْحِيَازَةِ وَهِيَ مُشَاهَدَةُ التَّصَرُّفِ مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ وَعَدَمِ الْمُنَازِعِ وَبِمَا قَرَّرْته أَوَّلًا يُجَابُ عَنْ قَوْلِ الْوَلِيِّ وَلَيْتَ شِعْرِي إلَخْ.

وَوَجْهُهُ أَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ إنَّمَا اُشْتُرِطَتْ فِيهِ الثَّلَاثَةُ لِأَنَّ الصِّحَّةَ الْمُتَوَقِّفَةَ عَلَيْهَا هِيَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ فَاحْتِيجَ فِيهَا لِإِثْبَاتِ شُرُوطِهَا بِخِلَافِهَا فِي الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ فَإِنَّهَا مَقْصُودَةٌ بِالتَّضَمُّنِ كَمَا مَرَّ فَاحْتِيجَ فِيهِ إلَى إثْبَاتِ الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ دُونَ الثَّالِثِ لِمَا مَرَّ عَنْ السُّبْكِيّ أَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلَى إلْزَامِ نَحْوِ الْبَائِعِ بِمُوجَبِ مَا صَدَرَ عَنْهُ لَا إلَى إثْبَاتِ أَنَّهُ مِلْكُهُ إلَى حِينِ نَحْوِ الْبَيْعِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَبِهِ تَزُولُ الِاسْتِحَالَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْوَلِيُّ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الْوَلِيَّ وَالْبُلْقِينِيَّ وَالسُّبْكِيَّ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ الْأَوَّلَيْنِ فِي الْحُكْمَيْنِ وَاخْتَلَفُوا فِي الثَّالِثِ فَالْأَوَّلُ يَشْتَرِطُهُ وَالْأَخِيرَانِ لَا يَشْتَرِطَانِهِ وَبِهَذَا يَزِيدُ لَكَ اتِّضَاحُ مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ بُطْلَانِ مَا ابْتَدَعَهُ عَنْهُ ذَلِكَ الْمُفْتِي مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ وَلَقَدْ زَادَ التَّعَجُّبُ مِنْهُ فِي عَدَمِ مُرَاجَعَتِهِ لِكِتَابِ الْوَلِيِّ مَعَ كَوْنِهِ عِنْدَهُ وَلِكَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ وَالسُّبْكِيِّ بَلْ وَلِكَلَامِ بَعْضِ مَشَايِخِهِ أَوْ مَنْ هُوَ فِي رُتْبَةِ مَشَايِخِهِ حَيْثُ قَالَ لِلْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ شَرْطَانِ:

الْأَوَّلُ ثُبُوتُ وُجُودِ الصِّيغَةِ الْمُعْتَبَرَةِ عِنْدَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>