حُكْمِ الْمُخَالِفِ امْتَنَعَ ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ وَالْمُوجَبِ فَإِنَّ الْمُخَالِفَ لَا يَرَاهُ وَلَيْسَ هَذَا تَنْفِيذًا بَلْ ابْتِدَاءَ حُكْمٍ بِمَا لَمْ يَرَهُ الْحَاكِمُ بِهِ اهـ وَهَذَا الْفَرْقُ هُوَ عَيْنُ قَوْلِ السُّبْكِيّ فِيمَا مَرَّ وَمِمَّا يَفْتَرِقَانِ فِيهِ أَيْضًا أَنَّ الْحُكْمَ بِتَنْفِيذِ الْحُكْمِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ يَكُونُ بِالصِّحَّةِ إلَخْ إلَّا أَنَّ الْبُلْقِينِيُّ زَادَ عَلَيْهِ بِتَفْصِيلٍ أَوْجَبَ لِلْوَلِيِّ الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّيْخَيْنِ حَكَيَا عَنْ ابْنِ كَجٍّ عَنْ النَّصِّ أَنَّهُ إذَا كُتِبَ إلَى حَاكِمٍ بِحُكْمٍ لَا يَنْقُضُ وَلَمْ يَعْتَقِدْهُ بَلْ رَأَى غَيْرَهُ أَصْوَبَ مِنْهُ أَعْرَضَ عَنْهُ وَلَا يُنْفِذُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ إعَانَةٌ عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ خَطَأً ثُمَّ حَكَيَا عَنْ السَّرَخْسِيِّ تَصْحِيحَ التَّنْفِيذِ قَالَا وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ كَمَا لَوْ حَكَمَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ تَغَيُّرًا لَا يَقْتَضِي النَّقْضَ وَتَرَافَعَ خُصَمَاءُ الْحَادِثَةِ إلَيْهِ فِيهَا فَإِنَّهُ يُمْضِي حُكْمَهُ الْأَوَّلَ وَإِنْ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى أَنَّ غَيْرَهُ أَصْوَبُ مِنْهُ وَجَزَمَ بَعْضُ مُخْتَصِرِي الرَّوْضَةِ بِالْأَوَّلِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا عَرَفْتَ مِنْ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ فِي الثَّانِي وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فَإِنَّهُ تَرْجِيحٌ لَهُ قَالَ الْوَلِيُّ وَذَكَر شَيْخُنَا أَنَّ الْحُكْمَيْنِ يَسْتَوِيَانِ فِي نَحْوِ حُكْمٍ حَنَفِيٍّ بِصِحَّةِ أَوْ مُوجَبِ نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ أَوْ شُفْعَةِ جِوَارٍ أَوْ وَقْفٍ عَلَى نَفْسٍ فَلَيْسَ لِشَافِعِيٍّ نَقْضُهُ كَعَكْسِهِ فِي إجَارَةِ جُزْءٍ شَائِعٍ وَيَفْتَرِقَانِ فِي مَسَائِلَ بَعْضُهَا الْحُكْمُ فِيهِ بِالصِّحَّةِ أَقْوَى كَحُكْمٍ شَافِعِيٍّ بِوَكَالَةٍ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ فَلِلْحَنَفِيِّ إبْطَالُ حُكْمِهِ بِمُوجَبِهَا لَا بِصِحَّتِهَا لِأَنَّ مُوجَبَهَا الْمُخَاصَمَةُ صَحَّتْ أَوْ فَسَدَتْ لِأَجْلِ الْإِذْنِ.
فَالْحُكْمُ بِهِ لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ فَسَاغَ لِلْحَنَفِيِّ إبْطَالُهُ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ جَرَّدَ حُكْمَهُ لِلْأَثَرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِصِحَّةِ الْمَلْزُومِ وَلَا لِعَدَمِهَا وَالْحَنَفِيُّ يَقُولُ بِبُطْلَانِهَا فَلَمْ يُوقِعْ الشَّافِعِيُّ حُكْمًا فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ هَذَا كَلَامُ شَيْخِنَا وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْآثَارِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْحُكْمِ بِالْمُؤَثِّرِ فَلَوْلَا صِحَّةُ عَقْدِ الْوَكَالَةِ لِمَا حُكِمَ بِتَرَتُّبِ آثَارِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِهِ الْأَخِيرِ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ فَإِنْ قُلْتَ الْوَكَالَةُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَثَرٌ وَهُوَ صِحَّةُ التَّصَرُّفِ بِعُمُومِ الْإِذْنِ وَإِنْ فَسَدَتْ قُلْتُ مِنْ جُمْلَةِ مُوجَبِهَا وَمُقْتَضَاهَا صِحَّتُهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْخَصْمُ فَقَدْ تَنَاوَلَهُ حُكْمُهُ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ جَرَّدَ حُكْمَهُ لِلَّازِمِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِصِحَّةِ الْمَلْزُومِ وَلَا لِبُطْلَانِهِ بَلْ قَدْ تَعَرَّضَ لَهَا ضِمْنًا كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوْ صَرِيحًا كَمَا اعْتَقَدَهُ لِأَنَّ الصِّحَّةَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُوجَبِ قَدْ خَلَتْ فِي حُكْمِهِ بِالْمُوجَبِ لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ جَمِيعَ الْمَوَاجِبِ وَلَوْ كَانَ التَّوْكِيلُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَاسِدًا كَالْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ لَمْ يَسُغْ لَهُ الْحُكْمُ بِمُوجَبِ الْوَكَالَةِ اعْتِمَادًا عَلَى صِحَّةِ التَّصَرُّفِ لِعُمُومِ الْإِذْنِ.
لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْمُوجَبِ الصِّحَّةُ وَالْوَكَالَةُ الْمَذْكُورَةُ بَاطِلَةٌ فَلَمْ يَثْبُتْ جَمِيعُ مُوجَبِهَا فَإِذَا حَكَمَ فَلْيُوَجِّهْ حُكْمَهُ إلَى مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْآثَارِ وَهُوَ صِحَّةُ التَّصَرُّفِ وَلَا يَأْتِي بِصِيغَةٍ تَعُمُّ جَمِيعَ الْمَوَاجِبِ لِفَسَادِ ذَلِكَ اهـ وَمَا اعْتَرَضَ بِهِ كَلَامَ شَيْخِهِ فِي صُورَةِ الْوَكَالَةِ مَرَّ عَنْ السُّبْكِيّ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي قَوْلِهِ وَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ مُسْتَوْفِيًا لِمَا يُعْتَبَرُ فِي الصِّحَّةِ كَانَ أَقْوَى لِوُجُودِ الْإِلْزَامِ فِيهِ وَتَضَمُّنِهِ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ ثُمَّ قَالَ وَإِنَّمَا اسْتَوَيَا فِي عَدَمِ النَّقْضِ لِتَضَمُّنِ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ إمَّا عَامًّا إلَخْ لَا يُقَالُ يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ قَوْلُ السُّبْكِيّ السَّابِقُ وَلَوْ حَكَمَ مَنْ يَرَى صِحَّةَ تَدْبِيرِهِ بِمُوجَبِ حَجْرِ الصَّبِيِّ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ تَدْبِيرٍ لِأَنَّا نَقُولُ حُكْمُهُ بِمُوجَبِ الْحَجْرِ لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلتَّدْبِيرِ لِأَنَّهُ إلَى الْآنَ لَمْ يَقَعْ فَلَمْ يَسْتَلْزِمْ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ تَدْبِيرِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِهِ فَلَيْسَتْ صِحَّةُ التَّدْبِيرِ مِنْ مُوجَبِ الْحَجْرِ فَلَيْسَتْ هَذِهِ كَمَسْأَلَةِ الْبُلْقِينِيُّ الْمَذْكُورَةِ وَإِذَا تَأَمَّلْتَ مَا قَالَهُ الْوَلِيُّ فِيهَا الْمُوَافِقَ لِمَا قَدَّمْتُهُ عَنْ السُّبْكِيّ وَلِقَوْلِ الْبُلْقِينِيُّ إنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ زَادَ لَكَ إيضَاحُ فَسَادِ تِلْكَ الْمَقَالَةِ السَّابِقَةِ عَنْ ذَلِكَ الْمُفْتِي فِي تَفْسِيرِ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ وَلَا تَظُنَّ أَنَّ كَلَامَ الْبُلْقِينِيُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُؤَيِّدُهُ لِأَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ مَرْدُودًا وَمُنَاقِضًا لِكَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ نَفْسِهِ فِي أَثَرٍ وَجَّهَ إلَيْهِ الْحَاكِمُ حُكْمَهُ دُونَ الْمُؤَثِّرِ.
وَأَمَّا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ السَّابِقِ فِي الْمُقَدِّمَةِ فَالْحَاكِمُ لَمْ يُوَجِّهْ حُكْمَهُ بِالْمُوجَبِ لِأَثَرٍ مِنْ آثَارِهَا إذْ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ لَيْسَ إلَّا فَسَادُ ذَلِكَ الْبَيْعِ أَوْ صِحَّتُهُ وَأَيْضًا فَالْمُوجَب ثُمَّ الَّذِي هُوَ الْإِلْزَامُ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِصِحَّةِ مُخَاصِمَةِ الْوَكِيلِ لَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute