الْمُحْتَمَلِ فَانْقَطَعَ الشَّمْسُ وَلَمْ يَجِدْ جَوَابًا عَنْ ذَلِكَ.
فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ وَمَا تَقَرَّرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ فَإِنَّ فِيهِ فَوَائِدَ وَنَفَائِسَ دَعَا إلَى ذَكَرِهَا قَوْلُ بَعْضِ جَهَلَةِ الْمُفْتِينَ السَّابِقِينَ فِي حُكْمِ الْقَاضِي السَّابِقِ فِي السُّؤَالِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْمُقَدِّمَةِ أَنَّهُ يُنْقَضُ تَمَسُّكًا بِإِطْلَاقِ الْبُلْقِينِيُّ السَّابِقِ عَنْ فَتَاوِيهِ مَعَ رَدِّ ذَلِكَ الْإِطْلَاقِ وَبَيَانِ مَا فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ التَّاجِ هَذَا مُصَرِّحٌ بِأَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ لَا يُنْقَضُ وَإِنْ قُلْنَا بِاعْتِمَادِ إطْلَاقِ الْبُلْقِينِيُّ لِأَنَّ عِلَّةَ التَّاجِ تَأْتِي بِعَيْنِهَا هُنَا إذْ الْحُكْمُ هُنَا أَيْضًا قَدْ انْبَرَمَ بِشُرُوطِهِ فَلَا يُنْقَضُ لِلْأَمْرِ الْمُحْتَمَلِ وَإِذَا مُنِعَ النَّقْضُ مَعَ تَبَيُّنِ الْوَقْفِ بِالْبَيِّنَةِ بِشُبْهَةِ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ فَمَنْعُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا لِوُجُودِ الْخِلَافِ فِي بَيْعِ الْمَاءِ وَقَوْلِ مَالِكٍ بِصِحَّةِ بَيْعِهِ مُطْلَقًا أَوْلَى فَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ الْبَيْعَ فِي مَسْأَلَتِنَا وَاقِعٌ عَلَى الْمَاءِ وَحَكَمَ بِهِ شَافِعِيٌّ لَمْ يُنْقَضْ حُكْمُهُ لِمَا مَرَّ عَنْ الشَّيْخَيْنِ وَلِكَلَامِ التَّاجِ هَذَا وَفَّقْنَا اللَّهُ لِطَاعَتِهِ وَلَا حَرَمنَا خَيْرَ مَا عِنْدَهُ لِشَرِّ مَا عِنْدَنَا آمِينَ.
(خَاتِمَةٌ) فِي ذِكْرِ الْأَجْوِبَةِ الْمُخَالِفَةِ لِمَا قَدَّمْتُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ وَكَانَ مِنْ حَقِّهَا أَنْ لَا تُذْكَرَ لِصُدُورِهَا مِمَّنْ لَمْ يَتَأَهَّلْ لِفَهْمِ بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ مَثَلًا فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ سِيَّمَا أَبْوَابُ الْمُعَامَلَاتِ وَلِذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى قَبَائِحَ مِنْ الْخَطَإِ وَالْخَطْلِ وَالزَّيْغِ وَالزَّلَلِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ فِي ذِكْرِهَا فَوَائِدُ كَالْإِعْلَامِ بِأَنَّ مَنْ يَصْدُرُ عَنْهُ مِثْلُ هَذَا السَّفْسَافِ حَقِيقٌ بِأَنْ لَا يُلْتَفَتَ لِمَا يَقُولُهُ بَعْدَ الْيَوْمِ وَلَا لِمَا يَنْقُلُهُ عَنْ الْمَذْهَبِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ اسْتِفْتَاؤُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَأَهَّلْ لِفَهْمِ كَلَامِهِمْ عَلَى وَجْهِهِ بَلْ يُحَرِّفُهُ وَيُخْرِجُهُ عَنْ الْمُرَادِ بِهِ إلَى مَعْنًى آخَرَ لَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ كَانَ ذِكْرُ ذَلِكَ لِهَذِهِ الْأَغْرَاضِ الصَّحِيحَةِ غَيْرَ مَحْظُورٍ وَغَيْرَ مُخِلٍّ بِجَلَالَةِ هَذَا التَّأْلِيفِ الْبَدِيعِ بَلْ هُوَ مِنْ آكَدِ الْوَاجِبَاتِ وَأَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ فَمِنْ تِلْكَ الْأَجْوِبَةِ عَنْ نَحْوِ السُّؤَالِ السَّابِقِ فِي الْمُقَدِّمَةِ قَوْلُ بَعْضِهِمْ مَا لَفْظُهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحِصَّةِ مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا لِأَنَّ الْقَرَارَ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِكَوْنِهِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ بَلْ لَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يَرَهُ الْعَاقِدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا لِاسْتِتَارِهِ بِالْمَاءِ فَالْبَيْعُ غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا.
بَلْ لَوْ سَلَّمْنَا رُؤْيَتَهُ لِلْعَاقِدَيْنِ قَبْلَ حُدُوثِ الْمَاءِ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ أَيْضًا لِلتَّأْقِيتِ فَإِنَّ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ عَدَمَ تَأْقِيتِهِ بِزَمَانٍ فَمَتَى أُقِّتَ الْمَبِيعُ بِسَاعَةٍ أَوْ سَاعَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ فَالْبَيْعُ غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا وَمَنْ قَالَ بِالصِّحَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَاظِرًا إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءَانِ إنْ أَرَادَ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ مِنْ الْمَاءِ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ الْمَجَازِ فَمَرْدُودٌ لِأَنَّ السَّاعَةَ قِطْعَةٌ مِنْ الزَّمَانِ وَجُزْءٌ مِنْهُ أَيْضًا فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ السَّاعَةَ لَا تَنْصَرِفُ إلَى غَيْرِ الزَّمَانِ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يَسْتَعْمِلْ السَّاعَةَ فِي جُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا الْمَاءِ لَا ابْتِدَاءً وَلَا بِوَضْعٍ ثَانٍ فَلَوْ جَوَّزْنَا اسْتِعْمَالَ لَفْظٍ ثَانٍ لَلَزِمَ مِنْهُ ثُبُوتُ عِلَاقَةٍ بَيْنَ مَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا وَمَا وُضِعَ لَهُ ثَانِيًا وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى بَيْعِ صَاعَيْنِ مِنْ صُبْرَةٍ مَجْهُولَةِ الصِّيعَانِ فَلَا وَجْهَ لَهُ لِاجْتِمَاعِ شُرُوطِ الْبَيْعِ فِي الصَّاعَيْنِ مِنْ الْمِلْكِ وَالْعِلْمِ بِقَدْرِ الْمَبِيعِ مَعَ تَسَاوِي الْأَجْزَاءِ وَالرُّؤْيَةِ وَإِنْ كَانَ لِلْبَائِعِ تَسْلِيمُهَا مِنْ أَسْفَلِ الصُّبْرَةِ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَرْئِيًّا لِأَنَّ رُؤْيَةَ ظَاهِرِهَا كَرُؤْيَةِ كُلِّهَا وَلَا كَذَلِكَ الْقَرَارُ الْمَذْكُورُ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ لِانْتِفَاءِ بَعْضِ الشُّرُوطِ فِيهِ مِنْ الرُّؤْيَةِ وَغَيْرِهَا وَمَتَى فُقِدَ الشَّرْطُ فَقَدْ فُقِدَ الْمَشْرُوطُ اهـ فَتَأَمَّلْ هَذَا الْجَوَابَ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ السَّفْسَافِ الَّذِي لَا مَعْنَى لَهُ وَمِنْ فَهْمِ كَلَامِهِمْ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ وَمِنْ الْكَذِبِ الصُّرَاحِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ لَا يَصِحُّ إلَخْ خَطَأٌ بَلْ فِيهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ فِي الْأَبْوَابِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْقَرَارَ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِكَوْنِهِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ كَذِبٌ قَبِيحٌ وَكَيْفَ سَاغَ لَهُ ذَلِكَ مَعَ مَا قَدَّمْتُهُ فِي الْبَابِ مِنْ كَلَامِهِمْ مَبْسُوطًا مُحَرَّرًا فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ أَقْسَامَ الْمَسْأَلَةِ وَتَفْصِيلَهَا وَأَنَّى لَهُ ذَلِكَ وَأَنْ يَهْتَدِيَ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَا إلَى حَالَةٍ تَصَوَّرَهَا فِي ذِهْنِهِ فَأَفْتَى عَلَيْهَا دُونَ الْحَالَةِ الْخَارِجِيَّةِ وَهِيَ عُيُونُ أَوْدِيَةِ مَكَّةَ وَقَوْلُهُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ أَيْضًا لِلتَّأْقِيتِ إلَخْ مِمَّا فَضَحَ بِهِ نَفْسَهُ وَنَادَى عَلَيْهَا بِغَايَةِ الْغَبَاوَةِ وَالْجَهْلِ وَالْمُجَازَفَةِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَكَيْفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute