للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنَّمَا أَجَابَ عَنْ حُكْمِهِ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَهَذَا وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ قَدْ يُؤَدِّي إلَى كُفْرٍ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَيْعِ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقُ بِالْبَيْعِ.

وَمَنْ حَكَمَ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَلَا شَكَّ فِي كُفْرِهِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ الرِّدَّةِ فِي إنْكَارِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ الْمَعْلُومِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَتَأَمَّلْ الْمُجَازَفَةَ كَيْفَ تُؤَدِّي بِصَاحِبِهَا إلَى الْكُفْرِ وَقَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ كَذِبٌ فَإِنَّهُمَا لَمْ يَتَكَلَّمَا عَلَى هَذَا الَّذِي أَخْبَرَ عَنْهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ حَاشَاهُمَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ حُكْمَهُ لَغْوٌ وَإِنَّ قَصْدَهُ الْحُكْمُ عَلَى بَيْعِ الْمَاءِ وَحْدَهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَهُوَ مُخْطِئٌ وَكَاذِبٌ عَنْ الشَّيْخَيْنِ أَيْضًا فَإِنَّهُمَا لَمْ يُطْلِقَا مَا أَطْلَقَ بَلْ فَصَّلَا كَمَا قَدَّمْتُهُ عَنْهُمَا وَعَنْ غَيْرِهِمَا فِي الْبَابِ الرَّابِعِ وَاضِحًا مَبْسُوطًا وَقَوْلُهُ لَا حَاجَةَ بِنَا إلَى ذِكْرِهِ يُقَالُ عَلَيْهِ نَعَمْ لَا حَاجَةَ بِكَ إلَى ذَلِكَ بَلْ لَا يَجُوزُ لَك الْكَلَامُ فِيهِ لِأَنَّك لَا تَتَصَوَّرُ وَلَا تَتَأَهَّلُ لِفَهْمِهِ عَلَى أَنَّك أَسَأْتَ الْأَدَبَ وَجَهِلْتَ أَدَبَ الْفَتْوَى وَكَأَنَّكَ لَمْ تَطَّلِعْ عَلَى قَوْلِهِمْ يُكْرَهُ لِلْمُفْتِي أَنْ يَقْتَصِرَ فِي الْجَوَابِ عَلَى قَوْلِهِ فِيهِ قَوْلَانِ أَوْ وَجْهَانِ أَوْ خِلَافٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِجَوَابٍ صَحِيحٍ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَجْزِمَ بِالرَّاجِحِ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ انْتَظَرَ ظُهُورَهُ أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِفْتَاءِ كَمَا فَعَلَهُ كَثِيرُونَ.

وَقَوْلُهُ وَلَيْسَ مِنْ مَقَامِنَا إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ وَأَنَّى لَك بِذَلِكَ وَأَنْتَ لَا تُحْسِنُ التَّعْبِيرَ عَنْ مُرَادِكَ بَلْ عَبَّرْتَ عَنْهُ بِمَا قَدْ يُؤَدِّي إلَى الْكُفْرِ فَلَوْ لَمْ تَجِبْ لَكَانَ خَيْرًا لَكَ وَلَسَلِمْتَ مِنْ هَذِهِ الْوَرْطَةِ الَّتِي وَقَعْتَ فِيهَا عَلَى أَنَّ كَلَامَكَ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُعْتَرَضُ عَلَى كَبِيرٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَا مُحَابَاةَ فِي الدِّينِ وَمِنْ الْقَوَاعِدِ اعْرِفْ الرِّجَالَ بِالْحَقِّ وَلَا تَعْرِفْ الْحَقَّ بِالرِّجَالِ وَقَدْ يُفْتَحُ عَلَى الصَّغِيرِ بِمَا لَمْ يُفْتَحْ بِهِ عَلَى الْكَبِيرِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ وَإِذَا كَانَتْ الْعُلُومُ مِنَحًا إلَهِيَّةً وَمَوَاهِبَ اخْتِصَاصِيَّةً فَلَيْسَ بِبَعِيدٍ أَنْ يُدَّخَرَ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مَا خَفَى عَلَى كَثِير مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَوْلُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ إلَخْ بُهْتَانٌ قَبِيحٌ فَقَدْ مَرَّتْ لَكَ عِبَارَتُهُ فِي الْبَابِ السَّادِسِ فَرَاجِعْهَا وَقَوْلُهُ وَلَعَلَّهُ لِسُوءِ فَهْمِي يُقَالُ عَلَيْهِ إنْ أَرَدْتَ بِذَلِكَ حَقِيقَتَهُ فَهُوَ الْوَاقِعُ كَمَا أَنْبَأَ عَنْكَ جَوَابُكَ هَذَا أَوْ التَّوَاضُعَ وَأَنْتَ لَسْتَ كَذَلِكَ فَقَدْ كَذَبْتَ وَمِنْ تِلْكَ الْأَجْوِبَةِ أَيْضًا قَوْلُ بَعْضِهِمْ مَا لَفْظُهُ إفْرَادُ الْمَاءِ الْجَارِي مِنْ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ عَيْنٍ بِالْبَيْعِ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَئِمَّتُنَا لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْع الْمَاءِ وَلِلْجَهْلِ بِقَدْرِهِ وَالْحِيلَةُ فِيمَنْ أَرَادَ شِرَاءَ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْقَرَارَ مَثَلًا أَوْ سَهْمًا مِنْهُ فَإِذَا مَلَكَ ذَلِكَ كَانَ أَحَقَّ بِالْمَاءِ وَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ فِي مَسْأَلَتِنَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِلْجَهْلِ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ لِاخْتِلَاطِ الْمَوْجُودِ بِالْحَادِثِ وَلِعَدَمِ إمْكَانِ تَسْلِيمِهِ شَرْعًا.

وَقَوْلُهُمْ مَثَلًا اشْتَرَى فُلَانٌ سَاعَةً أَوْ سَاعَتَيْنِ مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا لَا يُرَادُ مِنْهُ فِيمَا أَعْلَمُ فِي الْعَادَةِ بِمَكَّةَ إلَّا بَيْعُ الْمَاءِ مُقَدَّرًا بِزَمَنٍ وَلِهَذَا أَفْتَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْبُلْقِينِيُّ فِي صُورَتِهِ الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا بِعَدَمِ الصِّحَّةِ وَلَا يُنَافِي عَدَمَ الصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَتِنَا قَوْلُهُ مِنْ قَرَارٍ لِأَنَّهُ بَيَانٌ لِمَحَلِّ الْمَبِيعِ فَهُوَ صِفَةٌ لِمَا قَبْلَهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وَأَمَّا احْتِمَالُ أَنْ يُرَادَ بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءَانِ مِنْ الْقَرَارِ وَكَوْنِ مِنْ قَرَارِ ظَرْفًا لَغْوًا وَمِنْ لِلتَّبْعِيضِ فَهُوَ وَإِنْ أَمْكَنَ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ جَعْلَ الزَّمَانِ الَّذِي هُوَ عَرَضٌ غَيْرُ قَارٍّ جُزْءًا مِنْ الْقَرَارِ الَّذِي هُوَ جِسْمٌ قَارٌّ مَعَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّنَافِي بَعِيدٌ جِدًّا يَنْبُو عَنْهُ اللَّفْظُ لَا سِيَّمَا وَصْفُ الْحِصَّةِ بِالسَّقِيَّةِ إذْ السَّقِيَّةُ هِيَ الْمَاءُ لَا الْجُزْءَانِ مِنْ الْقَرَارِ بَلْ الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ عِنْدَ مَنْ لَهُ أَدْنَى تَأَمُّلٍ فِي أَنَّ الْمَبِيعَ هُوَ الْمَاءُ الْمُقَدَّرُ بِسَاعَتَيْنِ وَعَلَى تَسْلِيمِ إرَادَةِ ذَلِكَ وَقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِيمَا يُرَادُ مِنْهُ عَادَةً فَالْبَيْعُ غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا لِكَوْنِ الْقَرَارِ غَيْرَ مَرْئِيٍّ بَلْ وَلَا مَمْلُوكٍ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ.

كَمَا ذَكَرَهُ عَالِمُ الْحِجَازِ فِي زَمَنِهِ فِي سُؤَالِهِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ الْبُلْقِينِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيْتِ أَدْرَى بِاَلَّذِي فِيهِ وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى بَيْعِ الصُّبْرَةِ فَلَا وَجْهَ لَهُ فِيمَا ظَهَرَ لِي اهـ وَفِيهِ وُجُوهٌ مِنْ التَّنَاقُضِ وَالْفَسَادِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ وَالْحِيلَةُ إلَخْ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ الْآتِي إنَّ الْقَرَارَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ إذْ بَيْنَهُمَا تَنَاقُضٌ صَرِيحٌ فَإِنَّهُ حَكَمَ عَلَى الْقَرَارِ هُنَا بِأَنَّهُ يُشْتَرَى وَفِيمَا يَأْتِي زَعَمَ أَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَفَسَادُ هَذَا لَا يَخْفَى عَلَى أَصَاغِرِ الْمُتَعَلِّمِينَ فَعَجِيبٌ كَيْف خَفَى عَلَى هَذَا الَّذِي يُنَصِّبَ نَفْسَهُ لِلْإِفْتَاءِ لَكِنَّهُ كَسَابِقِيهِ أَظْهَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>