مَزِيدُ التَّعَصُّبِ لِصَدِيقِهِ الْقَائِلِ هُوَ عَنْهُ إنَّهُ أَلْزَمَهُ بِالْكِتَابَةِ عَلَى هَذَا السُّؤَالِ فَلَمْ يَسَعْهُ التَّخَلُّفُ وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ قَطُّ كِتَابَةٌ عَلَى سُؤَالٍ وَبِحَمْدِ اللَّهِ أَئِمَّةُ الدِّينِ مُتَوَفِّرُونَ قَائِمُونَ بِحِفْظِهِ وَرَدْعِ مَنْ عَانَدَ أَوْ تَعَصَّبَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ لَهُ تَسْلِيمُ مَا زَعَمَهُ فَالِاحْتِجَاجُ هُنَا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالْعَادَةِ وَقْتَ كِتَابَتِهِ وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ بِالْعُرْفِ الْمُطَّرِدِ حَالَ وُقُوعِ الْبَيْعِ الْمَذْكُورِ فَإِنْ قَالَ يُسْتَدَلُّ بِوُجُودِهَا الْآنَ عَلَى وُجُودِهَا فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ قُلْنَا لَهُ هَذَا مِنْ الِاسْتِصْحَابِ الْمَقْلُوبِ وَفِيهِ مِنْ الْمَبَاحِثِ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَإِلَّا لَزِمَهُ أَنْ يُبَيِّنَ وَجْهَ تَخْرِيجِ مَا زَعَمَهُ عَلَى تِلْكَ الْقَاعِدَةِ وَيَنْظُرَ هَلْ يُنْتَجُ لَهُ مَا ذَكَرَهُ أَوْ لَا وَعَلَى تَسْلِيمِ وُجُودِ تِلْكَ الْعَادَةِ وَأَنَّ الِاسْتِصْحَابَ الْمَقْلُوبَ حُجَّةٌ فَفِي أَيِّ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ لَفْظَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إذَا تَرَدَّدَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ وَهُوَ لَا يُرَادُ مِنْهُ فِي الْعَادَةِ إلَّا فِي أَحَدِهِمَا وَنَوَيَا الْمَعْنَى الْآخَرَ قُدِّمَ مَا يُرَادُ مِنْهُ عَادَةً عَلَى مَا نَوَيَاهُ سَوَاءٌ كَانَ مُصَحَّحًا أَوْ مُبْطَلًا.
فَإِنْ أَتَى هَذَا الْمُجِيبُ بِذَلِكَ مِنْ كِتَابٍ فَهُوَ مُتَشَبِّثٌ فِيمَا قَالَهُ هُنَا وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ مِنْ كِتَابٍ فَهُوَ مُجَازِفٌ مُتَهَوِّرٌ وَلَا يَدْرِي مَا يَقُولُ وَلَا يَعْلَمُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ قَدَّمْتُ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ مَا فِيهِ مَقْنَعٌ فِي مَبْحَثِ الْعُرْفِ فِي الْعُقُودِ فَرَاجِعْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ عَلَى أَنَّ مَا زَعَمَهُ مِنْ الْعَادَةِ الْمَذْكُورَةِ بَاطِلٌ إذْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ عُيُونِ مَكَّةَ يَمْلِكُ مَاءً مُجَرَّدًا عَنْ الْقَرَارِ قَطُّ بَلْ كُلُّ مَنْ مَلَكَ الْمَاءَ مَلَكَ قَرَارَهُ بِحَيْثُ إنَّ ذَيْلَ الْعَيْنِ وَمَجْرَاهَا وَمَنْبَعَهَا إذَا خَرِبَ وَتَنَازَعَ الشُّرَكَاءُ فِي عِمَارَتِهَا عَمَرُوهَا عَلَى حَسَبِ مِلْكِهِمْ لِلْمَاءِ وَلَوْ رَفَعُوا الْأَمْرَ إلَى قَاضٍ أَوْ أَمِيرٍ بِمَكَّةَ لَحَكَمَ بَيْنَهُمْ بِذَلِكَ وَأَيْضًا بَعْضُ عُيُونِ أَوْدِيَةِ مَكَّةَ الْآنَ خَرَابٌ لَا يَجْرِي فِيهَا مَاءٌ مِنْ مُنْذُ سِنِينَ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ الثِّقَاتِ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ هَذِهِ الْعَيْنِ أَجْزَاءً وَأَنَّ صُورَةَ مُشْتَرَاهَا اشْتَرَى فُلَانٌ سَاعَةً مَثَلًا مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا فَانْظُرْ إلَى إيقَاعِهِمْ لَفْظَ السَّاعَةِ مِنْ الْقَرَارِ عَلَى عَيْنٍ لَا مَاءَ فِيهَا وَهَذَا أَدُلُّ دَلِيلٍ وَأَعْدَلُ شَاهِدٍ عَلَى بُطْلَانِ مَا زَعَمَهُ هَذَا الْمُجِيبُ أَنَّ الْعَادَةَ أَنَّهُ لَا يُرَادُ إلَّا الْمَاءُ الْمُقَدَّرُ بِزَمَنٍ.
وَقَوْلُهُ وَلِهَذَا أَفْتَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ مَا أَفْتَى بِهِ عَلَى بَعْضِ الْأَحْوَالِ الثَّمَانِيَةِ الَّتِي قَرَّرْتُهَا لَكَ فِي الْأَبْوَابِ الْأَرْبَعَةِ الْأَوَّلِ السَّابِقَةِ مُبَيَّنَةٌ مُفَصَّلَةٌ بِدَلَائِلِهَا مِنْ كَلَامِهِمْ فَرَاجِعْ ذَلِكَ وَزِدْ مِنْ تَأَمُّلِهِ حَتَّى يَظْهَرَ لَكَ فَسَادُ مَا جَمُدَ عَلَيْهِ هَذَا الْمُجِيبُ وَأَضْرَابُهُ مِنْ الْأَخْذِ بِظَاهِرِ إفْتَاءِ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ فِيهِ وَلَا إحَاطَةٍ بِشَيْءٍ مِنْ أَحْوَالِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّى لَهُمْ بِذَلِكَ وَلَمْ يَتَأَهَّلُوا لِفَهْمِ الظَّوَاهِرِ فَضْلًا عَنْ هَذِهِ الْمَضَايِقِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ بَيَانٌ لِمَحَلِّ النَّبْعِ إلَخْ يُقَال عَلَيْهِ لَيْتَكَ لَمْ تَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ لِأَنَّكَ إذَا خَلَطْتَ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ النَّحْوِ الَّذِي لَكَ فِيهِ نَوْعُ تَمْيِيزٍ كُنْتَ بِالتَّخْلِيطِ فِي غَيْرِهِ أَحَقَّ وَأَوْلَى وَبَيَانُ التَّخْلِيطِ فِي ذَلِكَ أَنَّ عِبَارَتَهُ فِي أَنَّ مِنْ هُنَا لِلْبَيَانِ وَهَذَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ فَسَادٌ أَيَّ فَسَادٍ وَهُوَ أَنَّ مَا بَعْدَ مِنْ عَيْنُ مَا قَبْلَهَا فَيَكُونُ الْمَاءُ عَيْنَ الْقَرَارِ وَهَذَا لَا يَتَوَهَّمُهُ عَاقِلٌ فَكَيْفَ يُحْمَلُ كَلَامُ الْعُقَلَاءِ وَمِنْ جُمْلَتِهِمْ الْمُتَعَاقِدَانِ عَلَيْهِ فَإِنْ قَالَ لَا يُرَدُّ عَلَى هَذَا الِاعْتِرَاضِ إلَّا لَوْ قُلْتُ إنَّهَا بَيَانٌ لِلْمَبِيعِ.
وَلَمْ أُعَبِّرْ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا عَبَّرْتُ بِأَنَّهَا بَيَانٌ لِمَحَلِّ الْمَبِيعِ فَلَا يُرَدُّ عَلَى ذَلِكَ قُلْنَا لَهُ إنَّمَا أَخْرَجْنَا عِبَارَتَكَ عَنْ ظَاهِرِهَا حَتَّى يَصِحَّ تَعْبِيرُكَ بِأَنَّ مِنْ لِلْبَيَانِ وَأَمَّا إذَا أَبْقَيْنَا عِبَارَتَكَ عَلَى ظَاهِرِهَا فَجَعْلُكَ مِنْ لِلْبَيَانِ فِيهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّكَ لَمْ تَسْتَحْضِرْ مَعْنَى مِنْ الْبَيَانِيَّةِ وَإِلَّا لَمْ تَجْعَلْهَا بَيَانًا لِلْمَحَلِّ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ هُنَا عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَفِي الرِّضَا عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلِلتَّبْيِينِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [الحج: ٣٠] وَتَعْرِفُهَا بِأَنْ يَكُونَ قَبْلَ مِنْ أَوْ بَعْدَهَا مُبْهَمٌ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْمَجْرُورُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْمُبْهَمِ كَمَا يُقَالُ مَثَلًا لِلرِّجْسِ إنَّهُ الْأَوْثَانُ وَلِعِشْرِينَ أَنَّهَا الدَّرَاهِمُ وَلِلضَّمِيرِ فِي قَوْلِكَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ أَنَّهُ الْقَائِلُ بِخِلَافِ التَّبْعِيضِيَّةِ فَإِنَّ الْمَجْرُورَ بِهَا لَا يُطْلَقُ عَلَى مَا هُوَ مَذْكُورٌ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَذْكُورَ بَعْضُ الْمَجْرُورِ وَاسْمُ الْكُلِّ لَا يَقَعُ عَلَى الْبَعْضِ فَإِذَا قُلْتَ عِشْرُونَ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَإِنْ أَشَرْتَ بِالدَّرَاهِمِ إلَى دَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ فَمِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ لِأَنَّ الْعِشْرِينَ بَعْضُهَا وَإِنْ قَصَدْتَ بِالدَّرَاهِمِ جِنْسَ الدَّرَاهِمِ فَمِنْ مُبَيِّنَةٌ لِصِحَّةِ إطْلَاقِ اسْمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute