للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَجْرُورِ عَلَى الْعِشْرِينَ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ فِي نَحْوِ أَخَذْتُ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ تُصَرِّحَ وَتَقُولَ أَخَذْتُ مِنْ الثَّلَاثِينَ عِشْرِينَ وَمِنْ الْعَشَرَةِ تِسْعَةً.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ كَوْنُهَا لِلتَّبْيِينِ رَاجِعٌ إلَى مَعْنَى الِابْتِدَاءِ وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ هِيَ الْعِشْرُونَ فِي قَوْلِكَ عِشْرُونَ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ مَبْدَأَ نَفْسِهِ وَكَذَلِكَ الْأَوْثَانُ نَفْسُ الرِّجْسِ فَلَا تَكُونُ مَبْدَأً لَهُ وَإِنَّمَا جَازَ تَقْدِيمُ مِنْ الْمُبَيِّنَةِ عَلَى الْمُبْهَمِ فِي نَحْوِ قَوْلِكَ أَنَا مِنْ حَظِّهِ فِي رَوْضَةٍ وَمِنْ رِعَايَتِهِ فِي حَرَمٍ وَعِنْدِي مِنْ الْمَالِ مَا يَكْفِي وَمِنْ الْخَيْلِ عِشْرُونَ لِأَنَّ الْمُبْهَمَ الَّذِي فُسِّرَ بِمِنْ التَّبْيِينِيَّةِ مُقَدَّمٌ تَقْدِيرًا كَأَنَّكَ قُلْتَ أَنَا فِي شَيْءٍ مِنْ حَظِّهِ فِي رَوْضٍ وَعِنْدِي شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ مَا يَكْفِي وَكَذَا قَوْلُكَ يُعْجِبُنِي مِنْ زَيْدٍ كَرَمُهُ أَيْ مِنْ خِصَالِ زَيْدٍ كَأَنَّكَ قُلْتَ يُعْجِبُنِي شَيْءٌ مِنْ خِصَالِ زَيْدٍ كَرَمُهُ وَمِثْلُهُ كُسِرَتْ مِنْ زَيْدٍ يَدُهُ أَيْ شَيْءٌ مِنْ أَعْضَاءِ زَيْدٍ يَدُهُ فَفِي جَمِيعِ هَذَا مَا هُوَ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ مَعْطُوفٌ وَاَلَّذِي بَعْدَ (مِنْ) عَطْفُ بَيَانٍ لَهُ كُلُّ ذَلِكَ لِيَحْصُلَ الْبَيَانُ بَعْد الْإِبْهَامِ لِأَنَّ مَعْنَى يُعْجِبُنِي مِنْ زَيْدٍ شَيْءٌ أَيْ شَيْءٌ مِنْ أَشْيَائِهِ بِلَا رَيْبٍ فَإِذَا قُلْتَ وَجْهُهُ أَوْ كَرَمُهُ فَقَدْ بَيَّنْتَ ذَلِكَ الشَّيْءَ اهـ فَتَأَمَّلْهُ تَعْلَمُ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِمِنْ هُنَا أَنَّهَا بَيَانٌ لِمَا قَبْلَهَا كَانَ فَاسِدًا كَمَا مَرَّ.

وَكَذَا إنْ أَرَادَ بِهَا أَنَّهَا بَيَانٌ لِمَحَلِّ الْبَيْعِ لِمَا عَلِمْتَ مِنْ تَعْرِيفِ مِنْ الْبَيَانِيَّةِ لِأَنَّ مَحَلَّ الَّذِي أَرَادَ بَيَانَهُ هُنَا لَيْسَ مَذْكُورًا بَعْدَ مِنْ مَعَ مَجْرُورِهَا وَلَا قَبْلَهَا فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَيَانًا لَهُ وَدَعْوَى أَنَّهُ بَيَانٌ لَهُ يُنْبِئُ عَنْ جَهْلِ مُدَّعِيهَا وَتَأَمَّلْ رَدَّ الرَّضِيِّ لِكَلَامِ الزَّمَخْشَرِيِّ تَعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي مِنْ هُنَا أَنْ تَكُونَ لِلِابْتِدَاءِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ وَإِيضَاحُ مَا فِي الرَّضِيِّ أَيْضًا مَا حَاصِلُهُ مَعَ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ أَنَّ مَعْنَى الِابْتِدَاءِ فِي مِنْ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الْمُتَعَدِّي بِمِنْ الِابْتِدَائِيَّةِ شَيْئًا مُمْتَدًّا كَالسَّيْرِ وَالْمَشْيِ وَيَكُونُ الْمَجْرُورُ بِمِنْ الشَّيْءَ الَّذِي مِنْهُ ابْتِدَاءُ ذَلِكَ الْفِعْلِ نَحْو سِرْتُ مِنْ الْبَصْرَةِ أَوْ يَكُونَ الْفِعْلُ الْمُتَعَدِّي بِهَا أَصْلًا لِلشَّيْءِ الْمُمْتَدِّ نَحْوَ تَبَرَّأْتُ مِنْ فُلَانٍ إلَى فُلَانٍ وَخَرَجْتُ مِنْ الدَّارِ لِأَنَّ الْخُرُوجَ الِانْفِصَالُ وَلَوْ بِأَقَلَّ مِنْ خُطْوَةٍ فَالتَّبَرُّؤُ وَالْخُرُوجُ أَصْلَانِ لِلِانْفِصَالِ الْمُمْتَدِّ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ تَكُنْ لِلِابْتِدَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى {أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} [التوبة: ١٠٨] {نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: ٩] لِأَنَّ التَّأْسِيسَ وَالنِّدَاءَ لَيْسَا حَدَثَيْنِ مُمْتَدَّيْنِ وَلَا أَصْلَيْنِ لِلْمَعْنَى الْمُمْتَدِّ بَلْ هُمَا حَدَثَانِ وَاقِعَانِ فِيمَا بَعْدَ مِنْ.

وَهَذَا مَعْنَى فِي فَمِنْ فِي الْآيَتَيْنِ بِمَعْنَاهَا وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَمِنْ فِي مَسْأَلَتِنَا لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ لِلِابْتِدَاءِ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُتَعَدِّي بِهَا وَهُوَ اشْتَرَى لَيْسَ حَدَثًا مُمْتَدًّا وَلَا أَصْلًا لِمَعْنًى مُمْتَدٍّ فَهُوَ كَالتَّأْسِيسِ وَالنِّدَاءِ فِي الْآيَتَيْنِ.

نَعَمْ قَالَ الْمُبَرِّدُ وَعَبْدُ الْقَاهِرِ وَالزَّمَخْشَرِيُّ إنَّ أَصْلَ مِنْ الْمُبَعِّضَةِ ابْتِدَاءُ الْغَايَةِ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ فِي قَوْلِكَ أَخَذْتُ مِنْ الدَّرَاهِمِ مَبْدَأُ الْأَخْذِ فَعَلَيْهِ يَصِحُّ إرَادَةُ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا وَلَيْتَ هَذَا الْمُجِيبَ تَعَسَّفَ وَجَعَلَ مِنْ بِمَعْنَى فِي فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ هَذَا الْفَسَادُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَزِمَهُ لَمَّا جَعَلَهَا لِلْبَيَانِ وَإِذَا بَطَلَ مَا زَعَمَهُ مِنْ أَنَّهَا لِلْبَيَانِ وَمَا زَعَمَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَنَّهَا لِمَحْضِ الِابْتِدَاءِ تَعَيَّنَ أَنَّهَا لِلتَّبْعِيضِ كَمَا قَدَّمْتُهُ أَوَائِلَ الْكِتَابِ لِصِدْقِ حَدِّ مِنْ التَّبْعِيضِيَّةِ عَلَى مِنْ هَذِهِ بِاعْتِبَارِ التَّجَوُّزِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ (فَائِدَةٌ) قَالَ فِي الْبَحْرِ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ إنَّ مِنْ لِبَيَانِ الْجِنْسِ وَتُقَدَّرُ بِالْمَوْصُولِ عِنْدَهُمْ أَيْ الرِّجْسِ الَّذِي هُوَ الْأَوْثَانُ وَمَنْ أَنْكَرَ كَوْنَهَا لِبَيَانِ الْجِنْسِ جَعَلَهَا لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ فَكَأَنَّهُ نَهَاهُمْ عَنْ الرِّجْسِ عَامًّا ثُمَّ بَيَّنَ لَهُمْ مَبْدَأَهُ إذْ عِبَادَةُ الْوَثَنِ جَامِعَةٌ لِكُلِّ فَسَادٍ وَرِجْسٍ وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَكُونُ النَّهْيُ عَنْ سَائِرِ الْأَرْجَاسِ مِنْ مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ.

وَمَنْ قَالَ أَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ قَبْلَ مَعْنَى الْآيَةِ فَأَفْسَدَهُ وَقَدْ يُمْكِنُ التَّبْعِيضُ فِيهَا بِأَنَّ مَعْنَى الرِّجْسِ عِبَادَةُ الْوَثَنِ كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ فَاجْتَنِبُوا مِنْ الْأَوْثَانِ الرِّجْسَ وَهُوَ الْعِبَادَةُ إذْ هِيَ الْمُحَرَّمَةُ مِنْهَا وَقَوْلُهُ فَهُوَ صِفَةٌ لِمَا قَبْلَهُ يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا مِمَّا يُصَرِّحُ بِأَنَّهُ بَيَانٌ لِمَا قَبْلَهُ وَأَنَّهُ لَيْسَ بَيَانًا لِمَحَلِّ الْمَبِيعِ فَوَقَعَ فِي التَّنَاقُضِ وَالْفَسَادِ ثُمَّ إنَّهُ إنْ أَرَادَ بِأَنَّهُ حَالٌ لَا صِفَةٌ وَلَا يُقَالُ الْحَالُ وَصْفٌ فِي الْمَعْنَى لِأَنَّ هَذَا اعْتِنَاءٌ لَا يُقَالُ فِيمَنْ هُوَ فِي مَقَامِ الْإِفْصَاحِ عَنْ مَعْرِفَتِهِ بِالنَّحْوِ وَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا فَلَقَدْ أَفْصَحَ

<<  <  ج: ص:  >  >>