وَالشَّرْطُ وَكَذَا إنْ شَرَطَ رَهْنَ الْكُلِّ أَوْ رَهْنَ الزَّرْعِ أَوْ نِصْفِهِ أَوْ أَطْلَقَ وَإِنْ كَانَ النِّصْفُ غَيْرَ الْمَبِيعِ صَحَّا وَلِلْبَائِعِ حِينَئِذٍ حَبْسُ جَمِيعِ الزَّرْعِ حَتَّى يَأْخُذَ ثَمَنَ النِّصْفِ وَلَا يَجُوزُ حَيْثُ خِيفَتْ فِتْنَةٌ أَنْ يَسْتَقِلَّ الْمُسْتَحِقُّ بِالْأَخْذِ بَلْ يَلْزَمُهُ الرَّفْعُ إلَى حَاكِمِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ أَوْ مَحَلٍّ قَرِيبٍ مِنْهُ إنْ نَفَذَ حُكْمُهُ فِيهِ فَإِنْ فُرِضَ الْخُلُوُّ عَنْ الْحَاكِمِ فَأَمْرٌ نَادِرٌ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا إذَا كَانَ لِزَيْدٍ عَبْدٌ مَثَلًا وَلِعَمْرٍو عَبْدٌ فَبَاعَ زَيْدٌ عَبْدَهُ مِنْ عَمْرٍو بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ ذَهَبًا فَرْنَسَةً ثُمَّ بَاعَ عَمْرٌو عَبْدَهُ مِنْ زَيْدٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ ثُمَّ أَبْرَأَ كُلٌّ مِنْهُمَا ذِمَّةَ صَاحِبِهِ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ الْمَعْلُومِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَبَقَ عَبْدُ عَمْرٍو الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ زَيْدٍ وَثَبَتَ عَبْدُ زَيْدٍ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ عَمْرٍو مُسْتَحَقًّا بِبَيِّنَةٍ بَيْنَ يَدَيْ حَاكِمٍ وَهُوَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَهَلْ يَنْفُذُ حُكْمُهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَإِذَا أَرَادَ كُلٌّ مِنْهُمَا الرُّجُوعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِالثَّمَنِ الْمَعْلُومِ فَهَلْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ عَلَى صَاحِبِهِ بَعْدَ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي عُقِدَ بِهِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَعَ بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ لَا يَنْفُذُ حُكْمُ الْحَاكِمِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَإِبْرَاءُ ذِمَّةِ مُشْتَرِي الْعَبْدِ الَّذِي خَرَجَ مُسْتَحَقًّا لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا فَإِنَّ ذِمَّتَهُ لَمْ تَشْتَغِلْ لِلْبَائِعِ بِشَيْءٍ وَأَمَّا الْعَبْدُ الَّذِي أَبَقَ فَإِنْ كَانَ الْإِبَاقُ عَيْبًا بِأَنْ أَبَقَ عِنْدَ الْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ أَوْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْبَيْعُ مَعَ ذَلِكَ صَحِيحٌ وَإِبْرَاءُ الْبَائِعِ ذِمَّةَ الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ صَحِيحٌ أَيْضًا فَإِذَا رَدَّ عَلَيْهِ الْآبِقَ بَعْد عَوْدِهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - هَلْ يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا الَّذِي لَمْ يُمَيِّزْ وَكَذَا الْبَهِيمَةُ قَبْلَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ اللَّبَنِ بِالنَّذْرِ الْمُنَجَّزِ وَالْمُعَلَّقِ بِمَوْتِ مَالِكِهَا فَقَدْ نَصَّ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ تَعَالَى عَهْدَهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ عَلَى جَوَازِ التَّفْرِيقِ بِالْوَصِيَّةِ وَالنَّذْرِ الْمُعَلَّقِ مُطْلَقًا أَوْ بِالْمَوْتِ وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ التَّفْرِيقِ بِالنَّذْرِ لِجِهَةِ تَحْرِيرِهِ وَغَيْرِهِ؟
(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَتَرَتَّبُ عَلَى مَسْأَلَةِ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا بِالْوَقْفِ وَقَدْ جَزَمَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ بِجَوَازِ التَّفْرِيقِ بِهِ كَالْعِتْقِ وَسَنَدُهُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي خَادِمِهِ سَكَتُوا عَنْ أُمُورٍ مِنْهَا الْوَقْفُ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا وَيُشْبِهَ إنْ قُلْنَا الْمِلْكُ فِيهِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَكَالْعِتْقِ وَإِلَّا فَكَالْهِبَةِ وَيُخَالِفُ الْعِتْقَ بِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ زَوَالٍ الرِّقِّ وَاسْتِقْلَالِ الْعَبْدِ بِنَفْسِهِ.
وَلَيْسَ هَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودًا فِي الْوَقْفِ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِشَرْطِ إعْتَاقِهِ صَحَّ وَلَوْ بَاعَهُ بِشَرْطِ الْوَقْفِ لَمْ يَصِحَّ اهـ فَافْهَمْ قَوْلَهُ إنْ قُلْنَا الْمِلْكُ فِيهِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَكَالْعِتْقِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَهُ جَوَازُ التَّفْرِيقِ بِالْوَقْفِ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمَوْقُوفِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَاَلَّذِي جَرَيْتُ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ خِلَافُهُ وَعِبَارَتُهُ وَالْأَوْجُهُ خِلَافًا لِمَا جَزَمَ بِهِ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْخَادِمِ أَنَّ الْوَقْفَ لَيْسَ كَالْعِتْقِ لِأَنَّ مَنْ وُقِفَ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ فِيهِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِخِلَافِ مَنْ عَتَقَ وَلِأَنَّ الْمَوْقُوفَ لَا يَسْتَبِدُّ بِنَفْسِهِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى مُلَازَمَةِ الْآخَرِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ صَوَّبَ ذَلِكَ انْتَهَتْ وَأَشَرْتُ بِقَوْلِي ثُمَّ رَأَيْتُ إلَخْ إلَى قَوْلِ الْكَمَالِ الرَّدَّادِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الْإِيضَاحِ وَفِي جَوَازِ التَّفْرِيقِ بِالْوَقْفِ ثَلَاثُ طُرُقٍ:
أَحَدُهَا يَجُوزُ كَالْعِتْقِ وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ كَالْهِبَةِ وَالثَّالِثُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَقْوَالِ الْمِلْكِ فَإِنْ قُلْنَا يَنْتَقِلُ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَازَ وَإِلَّا فَلَا اهـ وَهُوَ غَرِيبٌ لَمْ أَجِدْهُ فِي كِتَابٍ وَالصَّوَابُ الثَّانِي لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ مُلَازَمَةِ الْآخَرِ اهـ وَعَلَى مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ امْتِنَاعِ الْوَقْفِ فِيهَا فَيُفَارِقُ الْوَصِيَّةَ بِمَا يَأْتِي فِيهَا مِنْ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهَا وَلَا مِلْكَ حَالًّا مَعَ احْتِمَالِ أَنَّ الْمَوْتَ قَدْ يَتَأَخَّرُ عَنْ زَمَنِ التَّحْرِيمِ بِخِلَافِ الْوَقْفُ فَإِنَّ فِيهِ الضَّرَرَ فِي الْحَالِ كَمَا مَرَّ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فِي الْوَقْفِ عُلِمَ أَنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ فِي النَّذْرِ بِالْوَلَدِ أَوْ الْأُمِّ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُعَلَّقًا بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ انْعَقَدَ قِيَاسًا عَلَى مَا ذَكَرُوهُ مِنْ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ بِأَحَدِهِمَا لِعَدَمِ الضَّرَرِ فِيهِ فِي الْحَال وَلَعَلَّ مَوْتَ الْمُوصِي يَكُونُ بَعْدَ زَمَنِ التَّحْرِيمِ فَكَذَلِكَ النَّذْرُ الْمُعَلَّقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute