للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَسْأَلَتُنَا فَإِجْبَارُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْقَبُولِ لَا يَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَا قِيَاسَ بَيْنَ هَذَا وَمَسْأَلَتِنَا وَأَمَّا عَدَمُ سُقُوطِ خِيَارِ الْمُشْتَرِي بِحَطِّ الْبَائِعِ قَدْرَ النَّقْصِ فَسَبَبُهُ أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَنَاوَلْ قَدْرَ النَّقْصِ حَتَّى يَحُطَّ مَا قَابَلَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنَّمَا وَقَعَ الْعَقْدُ مُقَابِلًا فِيهِ الثَّمَنَ جَمِيعَهُ بِهَذَا الْقَدْرِ الْمَوْجُودِ وَهَذَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلِأَنَّهُ خِلَافُ مَا شَرَطَهُ، وَحَطُّ الْبَائِعِ لَهُ مَا ذَكَرَ لَا يُزِيلُ ضَرَرَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ الْحَطُّ لَا فَائِدَةَ فِيهِ. لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا وَقَعَ الْعَقْدُ بِهِ فَلَا يُسَمَّى حَطًّا وَلَا يَزُولُ بِهِ الضَّرَرُ الْمُقْتَضِي لِثُبُوتِ الْخِيَارِ وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَنَاوَلْ قَدْرَ النَّقْصِ قَوْلُهُمْ وَإِذَا أَجَازُوا فَبِالْمُسَمَّى لَا بِقِسْطِهِ لِأَنَّ الْمُتَنَاوَلَ بِالْإِشَارَةِ ذَلِكَ الْمَوْجُودُ لَا غَيْرُ وَإِذَا أَجَازَ الْبَائِعُ فَالْجَمِيعُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يُطَالِبُهُ لِلزِّيَادَةِ بِشَيْءٍ اهـ.

وَبِهَذَا يَزِيدُ اتِّضَاحُ فُرْقَانِ مَا بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَتِنَا لِأَنَّ مَسْأَلَتَنَا لَمْ يَقَعُ انْعِقَادُ الْعَقْدِ فِيهَا مُقَابِلًا فِيهِ الثَّمَنَ جَمِيعَهُ بِالْمُسْتَحَقِّ وَغَيْرِهِ. وَإِنَّمَا وَقَعَ الِانْعِقَادُ فِيهَا مُقَابِلًا فِيهِ غَيْرَ الْمُسْتَحَقِّ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَأَمَّا الْمُسْتَحَقُّ فَلَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ فِيهِ وَلَا فِيمَا قَابَلَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أَجَازَ الْمُشْتَرِي فِيهَا لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا الْقِسْطُ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنْ قُلْت: مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي أُعْطِيك ثَمَنَ الزَّائِدِ لِمَا فِيهِ مِنْ إلْزَامِهِ تَمْلِيكِ مَالِهِ لِغَيْرِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِي مَسْأَلَتِنَا لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِمُسَامَحَةِ الْبَائِعِ لَهُ لِعَيْنِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ. وَمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ أَنَّ ذَاكَ فِيهِ ضَرَرٌ بِخِلَافِ هَذَا فِيهِ خَفَاءٌ قُلْت: وَيَزُولُ هَذَا الْخَفَاءُ بِزِيَادَةِ إيضَاحِ مَا ذَكَرْتُهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ تَقَرَّرَ مِنْ صَرِيحِ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْإِشَارَةَ تَنَاوَلَتْ جَمِيعَ ذَلِكَ الْمَوْجُودِ فِي حَالَتَيْ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ.

وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أَجَازَ الْبَائِعُ كَانَ الْجَمِيعُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يُطَالِبُهُ لِلزِّيَادَةِ بِشَيْءٍ فَالزِّيَادَةُ وَقَعَتْ هِيَ وَالْقَدْرُ الْمَشْرُوطُ مُقَابَلَيْنِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلِذَا ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ لِلُحُوقِ الضَّرَرِ لَهُ بِتَنَاوُلِ الْعَقْدِ أَزْيَدَ مِنْ الْمَشْرُوطِ. وَقَوْلُ الْمُشْتَرِي أُعْطِيك ثَمَنَ الزَّائِدِ لَا يَدْفَعُ الْمُقَابَلَةَ الْمَذْكُورَةَ الَّتِي حَصَلَ الضَّرَرُ الْمُقْتَضِي لِلْخِيَارِ بِسَبَبِهَا فَلَمْ يَكُنْ قَوْلُ الْمُشْتَرِي الْمَذْكُورُ مُسْقِطًا لِخِيَارِهِ لِبَقَاءِ مَا حَصَلَ الضَّرَرُ بِسَبَبِهِ مَعَ قَوْلِهِ ذَلِكَ وَعَدَمِ زَوَالِهِ بِهِ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ وَالْمَآلُ مِنْ عِلَّتِهِمْ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّ الْعَقْدَ إذَا وَقَعَ مُتَنَاوِلًا لِلزِّيَادَةِ مِنْ حَيْثُ الْإِشَارَةِ فِيهِ لِجَمِيعِ الْمَوْجُودِ كَانَ فِي قَوْلِ الْمُشْتَرِي أُعْطِيك ثَمَنَ الزَّائِدِ إلْزَامٌ لِلْبَائِعِ بِتَمَلُّكِ الثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ. مَعَ أَنَّ ذَلِكَ التَّمَلُّكَ لَا يَدْفَعُ السَّبَبَ الْمُقْتَضِي لِاخْتِيَارِهِ لِبَقَائِهِ.

وَإِنْ فَرَضْنَا أَنَّهُ يَمْلِكُ الثَّمَنَ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ سَبَبَ الْخِيَارِ تَنَاوُلُ الْعَقْدِ لِلزِّيَادَةِ أَيْضًا وَهَذَا التَّنَاوُلُ مَوْجُودٌ سَوَاءٌ أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى تَمَلُّكِ الثَّمَنِ أَمْ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ وَإِذْ قَدْ اتَّضَحَ ذَلِكَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ الْمُصَرِّحِ بِهِ كَلَامُهُمْ فَكَيْف يُتَوَهَّمُ مُشَابَهَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِمَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ مَسْأَلَتَنَا سَبَبُ الْخِيَارِ فِيهَا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. وَهَذَا السَّبَبُ يَنْتَفِي بِمُسَامَحَةِ الْبَائِعِ بِمَا وَقَعَ التَّفْرِيقُ بِسَبَبِهِ فَلَزِمَ الْمُشْتَرِيَ قَبُولُهُ وَسَقَطَ بِهِ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ بِوَجْهٍ فَإِنْ قُلْت: مَا ذَكَرْتُهُ فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ هَلْ هُوَ خَاصٌّ بِهَا لِكَوْنِ الْبُقْعَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ مُتَّصِلَةً بِغَيْرِ الْمُسْتَحَقَّةِ أَوْ هُوَ عَامٌّ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا.

قُلْت بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ وَقَعَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ فِيهَا وَثَبَتَ بِسَبَبِ ذَلِكَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ أَوْ عَبْدًا وَأَرْضًا فِي صَفْقَةٍ. فَبَانَ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ حِينَ الْبَيْعِ وَكَانَ عِنْدَ التَّبَيُّنِ مِلْكًا لِلْبَائِعِ أَوْ بَادَرَ الْبَائِعُ وَمَلَكَهُ قَبْلَ أَنْ يَبْطُلَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي فَلَمَّا أَرَادَ الْمُشْتَرِي الْفَسْخَ بِسَبَبِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ بَادَرَ الْبَائِعُ وَسَامَحَهُ بِهِ فَيَلْزَمُهُ الْقَبُولُ وَيَسْقُطُ بِهِ خِيَارُهُ كَمَا تَقَرَّرَ فَإِنَّ جَمِيعَ مَا قَرَّرْته صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْعِلَّةَ فِي سُقُوطِ الْخِيَارِ لَيْسَ هُوَ اتِّصَالُ الْمُسْتَحَقِّ بِغَيْرِهِ حِسًّا وَإِنَّمَا الْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ بِالْمُسَامَحَةِ بِذَلِكَ يَنْتَفِي الضَّرَرُ عَنْ الْمُشْتَرِي.

وَيَزُولُ بِهَا السَّبَبُ الْمُقْتَضِي لِخِيَارِهِ وَهُوَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ مَعَ رُجُوعِ مَا قَابَلَ الْفَاسِدَ مِنْ الثَّمَنِ إلَيْهِ فَإِنَّا وَإِنْ أَلْزَمْنَاهُ قَبُولَ الْمُسَامَحَةِ الْمَذْكُورَةِ لَا نُلْزِمُهُ بِالْإِجَازَةِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ بَلْ بِقِسْطِهِ الصَّحِيحِ مِنْ الثَّمَنِ فَحَصَلَ لَهُ الْمَمْلُوكُ بِقِسْطِهِ وَغَيْرُ الْمَمْلُوكِ بِلَا شَيْءٍ وَبِحُصُولِهِ لَهُ يَزُولُ السَّبَبُ الْمُقْتَضِي لِخِيَارِهِ وَهُوَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ فَلِذَا سَقَطَ بِهِ خِيَارُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>