للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَإِنْ قُلْت: مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ أَنَّهُ هَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي الْمُبَادَرَةُ بِالْفَسْخِ إلَّا أَنْ يُبَادِرَ الْبَائِعُ وَيَسْمَحُ لَهُ فَيَسْقُطُ خِيَارُهُ أَوْ لَيْسَ لَهُ الْمُبَادَرَةُ بِذَلِكَ إلَّا بِمُشَاوِرَةِ الْبَائِعِ، فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ الْأَوَّلُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ التَّنْبِيهِ الثَّانِي وَهُوَ مَا حَكَاهُ فِي الْمَطْلَبِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيّ فَهَلْ يَأْتِي ذَلِكَ هُنَا قُلْت: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يَأْتِي ذَلِكَ هُنَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ الرَّاجِحُ هُنَا الْأَوَّلُ.

وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الرَّاجِحَ الثَّانِي وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ مِلْكَ الْبَائِعِ ثُمَّ الْمُخْتَلَطَ مُتَحَقِّقٌ فَوَجَبَتْ مُشَاوَرَتُهُ لِيَنْظُرَ هَلْ يَسْمَحُ أَوْ لَا وَأَمَّا هُنَا فَمِلْكُ الْبَائِعِ لَمَّا فَسَدَ فِيهِ الْبَيْعُ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ بَلْ الْأَصْلُ أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ فَلَمْ يَلْزَمْ الْمُشْتَرِيَ الْبَحْثُ لِأَنَّ فِيهِ مَشَقَّةً عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْت: قَدْ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ مَشَقَّةٌ وَصُورَتُهُ أَنْ يُعْرَضَ لَهُ أَمْرٌ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ خِيَارَهُ بِأَنْ عَرَضَ مَا لَا يُنَافِي الْفَوْرِيَّةَ كَأَكْلٍ أَوْ حَمَامٍ وَعُلِمَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنَّ الْبَائِعَ مَلَكَ الْمُسْتَحَقَّ فَهَلْ يَتَّجِهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُشَاوَرَةُ الْبَائِعِ؟ قُلْت: لَا يَتَّجِهُ وُجُوبُ مُشَاوَرَتِهِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِبَيْعِ مَا لَا يَمْلِكُ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ خِيَارٌ وَإِنْ تَفَرَّقَتْ الصَّفْقَةُ عَلَيْهِ وَكَانَ مَعْذُورًا فِي ذَلِكَ فَسَاغَ لِلْمُشْتَرِي الْمُبَادَرَةُ بِالْفَسْخِ مَا لَمْ يُبَادِرْ بِالْمُسَامَحَةِ هُوَ وَيَسْمَحُ قَبْلَ فَسْخِ الْمُشْتَرِي فَحِينَئِذٍ يَسْقُطُ خِيَارُهُ.

فَإِنْ قُلْت مَرَّ ثُمَّ كَلَامُ الْمُهِمَّاتِ فِي مَعْنَى التَّخْيِيرِ وَإِنَّهُ مَرْدُودٌ فَهَلْ يَجْرِي نَظِيرُهُ هُنَا؟ قُلْت: نَعَمْ يَجْرِي ذَلِكَ جَمِيعُهُ هُنَا بِجَامِعِ أَنَّ مُوجِبَ الْخِيَارِ هُنَا وَثَمَّ الْعَيْبُ كَمَا مَرَّ وَلَا دَخَلَ لِلْحَاكِمِ فِي الرَّدِّ بِهِ فَإِنْ قُلْت: قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي ثَمَّ وَتَمَلَّكَ الثَّمَرَةَ هُنَا بِالْإِعْرَاضِ كَالْإِعْرَاضِ عَنْ السَّنَابِلِ وَإِنَّمَا لَمْ يَمْلِكْ النَّعْلَ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا لِأَنَّ عَوْدَهَا إلَى الْبَائِعِ مُتَوَقَّعٌ وَلَا سَبِيلَ هُنَا إلَى تَمْيِيزِ حَقِّ الْبَائِعِ. اهـ فَهَلْ يُقَالُ بِذَلِكَ هُنَا أَيْضًا، قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ مَا يَأْتِي مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِعْرَاضِ عَنْ النَّعْلِ وَعَنْ نَحْوِ كِسْرَةِ الْخُبْزِ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا أَنَّ الْإِعْرَاضَ هُنَا وَعَنْ النَّعْلِ سَوَاءٌ وَيُرَدُّ فَرْقُهُ بِأَنَّ التَّمْيِيزَ هُنَا مُتَوَقَّعٌ أَيْضًا فَهُوَ كَعَوْدِ النَّعْلِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ وَعَلَى قِيَاسِ النَّعْلِ لَوْ اطَّلَعَ عَلَى ثَمَرَةِ الْمُشْتَرِي مِنْ ثَمَرَةِ الْبَائِعِ وَعَلِمَ بِتَمْيِيزِهَا بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ بِإِخْبَارِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ أَوْ بِخَبَرِ نَبِيٍّ مَثَلًا وَجَبَ رَدُّهَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَحْ بِهَا مُطْلَقًا بَلْ لِلْخَوْفِ مِنْ الْفَسْخِ عِنْدَ التَّعَذُّرِ عَلَى الْوُقُوفِ عَلَى الْحَقِيقَةِ.

فَإِذَا عُلِمَتْ بِطَرِيقِهَا فَلْيَرُدَّهَا عَلَيْهِ وَلَوْ أَكَلَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّبَيُّنِ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهَا فَلَا ضَمَانَ كَمَا لَوْ اسْتَعْمَلَ النَّعْلَ فِي رِجْلِ الدَّابَّةِ حَتَّى بَلِيَ وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ لَكِنَّهُ فِقْهٌ ظَاهِرٌ وَالْقَوَاعِدُ تَشْهَدُ لَهُ اهـ لَا يُقَالُ تَوَقُّعُ عَوْدِ النَّعْلِ أَقْرَبُ مِنْ تَوَقُّعِ التَّمْيِيزِ كَمَا لَا يَخْفَى لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ لَا يَقْتَضِي صِحَّةَ مَا قَالَهُ عَلَى أَنَّ نَفْيَ السَّبِيلِ إلَى التَّمْيِيزِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ السَّبِيلَ إلَيْهِ مُمْكِنٌ سِيَّمَا وَكَلَامُهُمْ كَالْمُصَرِّحِ أَوْ مُصَرِّحٌ بِاسْتِوَائِهِمَا فِي عَدَمِ مِلْكِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْإِعْرَاضِ ثُمَّ لَوْ فُرِضَ اعْتِمَادُ مَا قَالَهُ فَلَا يَأْتِي نَظِيرُهُ هُنَا لِأَنَّ عِلَّتَهُ لَا تَجْرِي هُنَا لِتَمَيُّزِ الْمُعْرَضِ عَنْهُ هُنَا فَالْوَجْهُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَا فَسَدَ فِيهِ الْبَيْعُ إذَا أَعْرَضَ الْبَائِعُ عَنْهُ لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَهَبَهُ لَهُ وَقَبِلَهُ بِشَرْطِهِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ فَإِنْ قُلْت: هَلْ يَأْتِي فِيهِ مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَصَرَّفَ فِي نَحْوِ الثِّمَارِ لَا يَضْمَنُهَا.

وَقَاسَهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي النَّعْلِ قُلْت: نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ الَّذِي فَسَدَ الْعَقْدُ فِيهِ تَفُوتُ عَيْنُهُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ لِأَنَّهُ الَّذِي يُشْبِهُ مَا فَرَضَ الزَّرْكَشِيُّ الْكَلَامَ فِيهِ مِنْ الثِّمَارِ وَنَحْوِهَا أَمَّا فِي نَحْوِ الْأَرَاضِي فَلَا يَأْتِي فِيهِ ذَلِكَ نَعَمْ لَوْ عَادَ فِيهِ الْبَائِعُ فَلَا أُجْرَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِلْمُدَّةِ الَّتِي انْتَفَعَ بِهِ فِيهَا لِأَنَّ الْمُعْرَضَ عَنْهُ غَايَتُهُ أَنَّهُ كَالْمُعَارِ كَمَا يُفْهَمُ مِمَّا ذَكَرْته فِي حَاشِيَةِ الْعُبَابِ وَعِبَارَتُهَا وَالْمُرَادُ بِالْإِعْرَاضِ هُنَا خِلَافُ مَا قَالُوهُ فِي الْإِعْرَاضِ عَنْ نَحْوِ كِسْرَةِ خُبْزٍ لِأَنَّ الْإِعْرَاضَ إمَّا مُطْلَقٌ بِأَنْ يَحْصُلَ بِالِاخْتِيَارِ بِلَا ضَرُورَةٍ فَإِذَا أَخَذَهُ الْغَيْرُ مَلَكَهُ وَلَيْسَ لِمَالِكِهِ الرُّجُوعُ فِيهِ وَإِمَّا مُقَيَّدٌ كَمَا هُنَا فَإِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِحَالَةِ اتِّصَالِهِ بِالدَّابَّةِ.

فَإِذَا انْفَصَلَ عَنْهَا عَادَ إلَى مَالِكِهِ وَوَجَبَ رَدُّهُ عَلَيْهِ عَقِبَ السُّقُوطِ فَوْرًا وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ التَّخْلِيَةُ وَهِيَ الْمُرَادَةُ بِالرَّدِّ فِي كَلَامِهِمْ وَأَنْ يُقَالَ بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ حَقِيقَةً كَالْعَارِيَّةِ بِجَامِعِ أَنَّهُ أُبِيحَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَكَمَا لَزِمَهُ ثَمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>