بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعَارِيَّةِ الرَّدُّ فَكَذَلِكَ هُنَا وَلَعَلَّ هَذَا أَقْرَبُ فَإِنْ قُلْت: أَطْلَقَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ بِالتَّصَرُّفِ وَظَاهِرُهُ صِحَّةُ تَصَرُّفِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ عَارِيَّةً؟ قُلْت: مُرَادُهُ التَّصَرُّفُ بِغَيْرِ النَّقْلِ عَنْ مِلْكِهِ بِدَلِيلِ مَا نَظَرَ بِهِ مِنْ اسْتِعْمَالِ النَّعْلِ حَتَّى بَلِيَ فَإِنْ قُلْت: مَرَّ فِي مَبْحَثِ الْأَحْجَارِ قَوْلُهُمْ وَهَذَا التَّرْكُ إعْرَاضٌ لَا تَمْلِيكٌ فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِيهَا فَإِذَا عَادَ رَجَعَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي فَهَلْ يَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ هُنَا قُلْت: نَعَمْ.
فَإِذَا أَعْرَضَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي عَمَّا فَسَدَ فِيهِ الْعَقْدُ سَقَطَ خِيَارُهُ وَلَزِمَهُ الْقَبُولُ فَلَهُ حِينَئِذٍ التَّصَرُّفُ فِي ذَلِكَ الْمُعْرَضِ عَنْهُ لَكِنْ بِالِانْتِفَاعِ وَلَوْ بِإِيجَارِهِ لِلْغَيْرِ لَا بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لَهُ ثُمَّ إذَا رَجَعَ الْبَائِعُ فِيهِ عَادَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ مَا دَامَ لَمْ يَرْجِعْ فَسَبَبُ الْخِيَارِ مُنْتَفٍ فَإِذَا رَجَعَ عَادَ سَبَبُ الْخِيَارِ فَإِنْ قُلْت: هَذَا فِيهِ ضَرَرٌ كَبِيرٌ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَصِيرُ كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمُعْرَضِ عَنْهُ إذْ لَيْسَ لَهُ إلَّا الِانْتِفَاعُ بِهِ لَا إخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِ قُلْت: لَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذَا الِانْتِفَاعَ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يَبْذُلْ الْمُشْتَرِي فِي مُقَابَلَتِهِ شَيْئًا فَهُوَ مَحْضُ رِبْحٍ اسْتَفَادَهُ لِأَنَّ مَا بَذَلَهُ مِنْ الثَّمَنِ إنَّمَا هُوَ فِي مُقَابَلَةِ الَّذِي صَحَّ فِيهِ الْبَيْعُ وَهَذَا الَّذِي فَسَدَ فِيهِ الْبَيْعُ إنَّمَا اسْتَفَادَهُ فِي مُقَابَلَةِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهُ وَإِذَا حَصَلَ ذَلِكَ الِانْتِفَاعُ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ كَانَ ذَلِكَ غَايَةً فِي مُرَاعَاةِ جَانِبِهِ وَغَايَتَهُ فِي الرِّبْحِ.
فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بِوَجْهٍ سِيَّمَا وَخِيَارُهُ أَوْ خِيَارُ وَارِثِهِ يَعُودُ بِعَوْدِ الْبَائِعِ أَوْ وَارِثِهِ فِي ذَلِكَ الْمُعْرَضِ عَنْهُ وَعَلَى فَرْضِ الْمُحَالِ وَهُوَ أَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي ذَلِكَ فَلَا نَظَرَ إلَيْهِ لِعَيْنِ مَا قَالُوهُ فِي الْإِعْرَاضِ عَنْ الْأَحْجَارِ مِنْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَمْلِكُهَا بِهِ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفٌ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فَكَمَا لَمْ يَنْظُرُوا هُنَا إلَى تَضَرُّرِهِ إنْ فُرِضَ وَأَسْقَطُوا خِيَارَهُ بِالتَّرْكِ مَعَهُ فَكَذَلِكَ لَوْ فُرِضَ تَضَرُّرُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا لَا يُنْظَرُ إلَيْهِ وَيَسْقُطُ خِيَارُهُ هَذَا آخِرُ مَا يَسَّرَ اللَّهُ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَعَلَّ اللَّهَ يَفْتَحُ فِيهَا بِمَا نُرِيدُهَا إيضَاحًا وَبَيَانًا جَعَلَنَا اللَّهُ مِمَّنْ لَجَأَ فِي مُهِمَّاتِهِ إلَيْهِ وَعَوَّلَ فِيمَا يَرْتَبِكُ فِيهِ مِنْ الْمَضَايِقِ وَيَنُوبُهُ مِنْ الْمَتَاعِبِ عَلَيْهِ وَأَمَدَّنَا بِتَوْفِيقٍ بَدِيعٍ مِنْ عِنْدَهُ لَا يُبْقِي فِينَا ذَرَّةً لِغَيْرِهِ وَأَدَامَ عَلَى قُلُوبِنَا شُهُودَ الْعَامَّةِ وَسَوَابِغَ بِرِّهِ وَخَيْرِهِ وَخَتَمَ لَنَا بِالْحُسْنَى وَبَلَّغْنَا مِنْ فَضْلِهِ الْمَقَامَ الْأَسْنَى فَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
وَإِلَيْهِ مَفْزَعُنَا فِي الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْحَلِيمِ الْكَرِيمِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَوَّلًا وَآخِرًا وَبَاطِنًا وَظَاهِرًا وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْأَتَمَّانِ الْأَكْمَلَانِ الْأَزْكَيَانِ الْأَنْمَيَانِ الْأَطْيَبَانِ عَلَى خُلَاصَةِ سِرِّ الْوُجُودِ وَعَيْنِ التَّعَيُّنَاتِ فِي مَقَامَيْ التَّجَلِّي وَالشُّهُودِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَخُلَفَائِهِ وَوَارِثِيهِ وَأَتْبَاعِهِ وَمُحِبِّيهِ مَا قَامَ لِلَّهِ بِنُصْرَةِ هَذَا الدِّينِ قَائِمٌ فَأَظْهَرَ الْحَقَّ وَنَاضَلَ عَنْهُ بِسِنَانِهِ وَقَلَمِهِ وَلِسَانِهِ وَلَمْ يَخْشَ فِي اللَّه لَوْمَةَ لَائِمٍ وَأَعِذْنَا اللَّهُمَّ مِنْ شُؤْمِ نُفُوسِنَا وَمُنَّ عَلَيْنَا بِطَوَاعِيَّتِهَا لَنَا حَتَّى نَسْتَرِيحَ مِنْ شُرُورِهَا وَارْزُقْنَا الْإِخْلَاصَ حَتَّى نَدْأَبَ فِي تَطْهِيرِهَا مِنْ خَبَائِثِهَا وَتَتَوَالَى عَلَيْهَا بَشَائِرُ سُرُورِهَا وَاصْحَبْ ذَلِكَ كُلَّهُ بِرِضَاكَ عَنَّا إلَى أَنْ نَلْقَاك عَلَى ذَلِكَ فَنُرْفَعَ فِي دَارِ شُهُودِك عَلَى أَعْلَى الْأَرَائِكِ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا. مَعَ مَنْ أَخْبَرْت عَمَّا لَهُمْ عَلَيْك فِي تِلْكَ الدَّارِ بِقَوْلِك {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: ١٠] .
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رَجُلٍ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ ثَوْبًا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَقَبَضَ الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الثَّمَنِ وَتَأَخَّرَ لَهُ بَعْضُ الثَّمَنِ ثُمَّ إنَّ الْبَائِعَ جَاءَ إلَى الْمُشْتَرِي وَطَالَبَهُ بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ فَاخْتَصَمَا ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ سَأَلَ الْبَائِعَ أَنْ يُقِيلَهُ فَقَالَ الْبَائِعُ لَهُ أَقَلْتُكَ ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُ الثَّوْبَ فَظَهَرَ أَنَّ الثَّوْبَ رَهَنَهُ الْمُشْتَرِي الْمَذْكُورُ تَحْتَ يَدِ شَخْصٍ ثَالِثٍ عَلَى دَيْنٍ لَهُ فَهَلْ هَذِهِ الْإِقَالَةُ صَحِيحَةٌ أَمْ لَا لِكَوْنِ الثَّوْبِ مَرْهُونًا تَحْتَ يَدِ شَخْصٍ آخَرَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَلَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ بَعْدَ تَلَفِ الْمَبِيعِ إنْ قُلْنَا بَيْعٌ وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ كَالْفَسْخِ بِالتَّحَالُفِ اهـ وَمِنْهَا يُعْلَمُ جَوَازُهَا وَلَوْ بَعْدَ الرَّهْنِ وَإِنْ قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْمَطْلَبِ وَغَيْرِهِ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute