للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا ظَهَرَ الْآنَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَعَلَّنَا نَظْفَرُ لَهُ بِصَرِيحٍ فِي كَلَامِهِمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(وَسُئِلَ) لَوْ وَجَدْنَا نَخْلَةً لِرَجُلٍ وَأَوْلَادَهَا لِآخَرَ فَتَنَازَعَا فِي مَغْرِسِهَا فَهَلْ يَخْتَصُّ بِهَا مَالِكُ الْأَمِّ أَمْ الْيَدُ فِيهِ لَهُمَا فَلَوْ كَانَتْ النَّخْلَةُ فِي أَرْضٍ تُزْرَعُ فَادَّعَى الزَّارِعُ الْمِلْكَ فِيمَا يَزْرَعُهُ مَا عَدَا مَحَلَّ الْغَرْسِ وَعَاكَسَهُ صَاحِبُ النَّخْلَةِ فَهَلْ الْيَدُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَوْ لِصَاحِبِ النَّخْلَةِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْيَدَ فِي الْمَغْرِسِ إنَّمَا هِيَ لِمَالِكِ الْأُمِّ لِمَا مَرَّ فِي الْجَوَابِ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ أَنَّ الْأُمَّ هِيَ الْأَصْلُ وَأَنَّ الْأَوْلَادَ كَأَغْصَانِهَا فَهِيَ تَابِعَةٌ لَهَا وَالتَّابِعُ لَا يُفْرَدُ بِحُكْمٍ عَنْ مَتْبُوعِهِ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي اقْتَضَتْ تَبَعِيَّتَهُ لَهُ وَأَيْضًا فَيَدُ مَالِكِ الْأُمِّ عَلَى مَغْرِسِهَا مُتَيَقَّنَةٌ وَمَالِكُ الْأَوْلَادِ يُحْتَمَلُ أَنَّ لَهُ يَدًا وَأَنْ لَا يَدَ لَهُ فَعَلِمْنَا بِالْمُتَيَقَّنِ وَأَلْغَيْنَا الْمَشْكُوكَ فِيهِ.

وَأَيْضًا فَمِلْكُ الْأَوْلَادِ لَا يَقْتَضِي مِلْكَ الْمَغْرِسِ لِأَنَّهَا لَا مَغْرِسَ لَهَا حَتَّى يَدْخُلَ فِي بَيْعِهَا مَثَلًا تَبَعًا وَبِهَذَا يَتَّضِحُ انْدِفَاعُ مَا يُتَخَيَّلُ مِنْ أَنَّ الْمِلْكَ لَهُمَا كَسَائِقٍ وَقَائِدٍ لِدَابَّةٍ وَوَجْهُ انْدِفَاعِهِ وُضُوحُ الْفَرْقِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ فَإِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْيَدُ مُتَعَدِّدٌ وَلِأَحَدِهِمَا مُرَجِّحٌ وَهُوَ مَالِكُ الْأُمِّ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ تَيَقُّنِ مِلْكِهِ لِلْمَغْرِسِ وَمِنْ أَنَّ مِلْكَ الْأُمِّ يَسْتَلْزِمُ اسْتِحْقَاقَهُ وَمِلْكَ الْأَوْلَادِ لَا يَسْتَلْزِمُهُ وَلَا يَقْتَضِيه لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ أَغْصَانِ الشَّجَرَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَمِلْكُ بَعْضِ أَغْصَانِ الشَّجَرَةِ لَا يَثْبُتُ اسْتِحْقَاقًا فِي مَغْرِسِهَا بِوَجْهٍ فَكَذَلِكَ مِلْكُ مَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ أَغْصَانِهَا وَهُوَ أَوْلَادُهَا لَا يُثْبِتُ اسْتِحْقَاقًا فِي مَغْرِسِهَا فَكَانَتْ الْيَدُ عَلَيْهِ لِمَالِك الْأُمِّ فَقَطْ كَمَا بَانَ لَك اتِّضَاحُهُ مِمَّا قَرَّرْته هَذَا فِي أَوْلَادٍ مُتَّصِلَةٍ بِأَصْلِ الْأُمِّ ظَاهِرًا أَمَّا الْمُتَمَيِّزَةُ بِمَغْرِسٍ ظَاهِرٍ.

فَإِنَّ يَدَ مَالِكِهَا عَلَى مَغْرِسِهَا لِاسْتِقْلَالِهِ حِينَئِذٍ وَإِنْ اتَّحَدَتْ مَعَ غَيْرِهَا فِي الْعُرُوقِ الَّتِي بِبَاطِنِ الْأَرْضِ كَمَا مَرَّ وَإِذَا اخْتَلَفَ مَالِكُ الْأُمِّ وَالْأَوْلَادِ الَّتِي تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَوُجِدَتْ أَوْلَادٌ أُخَرُ فَإِنْ الْتَصَقَتْ ظَاهِرًا بِالْأُمِّ فَلِمَالِكِهَا أَوْ بِهِمَا فَلَهُمَا وَالِالْتِصَاقُ فِي بَاطِنِ الْأَرْضِ مَعَ التَّمَيُّزِ بِمَغْرِسٍ لَا يُعْتَبَرُ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ وَسَبَبُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالدُّخُولِ فِي بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ إنَّمَا هُوَ بَابُ الْعُرْفِ الْمُطَّرِدِ غَالِبًا وَلَا شَكَّ أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يُعِدُّونَ الْمُسْتَقِلَّ بِمَغْرِسٍ تَابِعًا لِغَيْرِهِ وَإِنْ اتَّصَلَتْ عُرُوقُهُ بِعُرُوقِهِ فِي بَاطِنِ الْأَرْضِ بَلْ كَثِيرٌ مِنْ الْأَشْجَارِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا تَمَايُزٌ ظَاهِرٌ وَمَسَافَةٌ طَوِيلَةٌ فِي ظَاهِرِ الْأَرْضِ مَعَ الِاتِّحَادِ فِي الْعُرُوقِ فِي بَاطِنِهَا فَلَوْ اعْتَبِرْنَا ذَلِكَ لَخَرَجْنَا عَنْ قَاعِدَتِهِمْ وَقَوْلُ السَّائِلِ فَلَوْ كَانَتْ النَّخْلَةُ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّ الْيَدَ عَلَى الْمَغْرِسِ لِصَاحِبِ النَّخْلَةِ.

وَعَلَى مَا عَدَاهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ لِصَاحِبِ الزَّرْعِ كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُمْ وَالْحَمْلُ فِي الْحَيَوَانِ وَالْمَتَاعِ فِي الدَّارِ وَنَحْو الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ كُلٌّ مِنْهَا يُثْبِتُ الْيَدَ لِمَالِكِهِ نَظَرًا لِلْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الظَّرْفَ تَابِعٌ لِلْمَظْرُوفِ وَمَحَلّه إنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا يَدٌ عَلَى الْمُتَنَازَعِ فِيهِ حَتَّى لَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ آخِرَ الصُّلْحِ لَا يَكْفِي تَرَجُّحٌ بِكَوْنِ أَمْتِعَةِ أَحَدِهِمَا فِي الدَّارِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ كَانَتْ أَرْضُ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْإِشَاعَةِ وَلِأَجْنَبِيٍّ فِيهَا شَجَرٌ فَأَرَادَ أَنْ يَحْفِرَ تَحْتَ شَجَرِهِ إجَّانَةً لِحِفْظِ الْمَاءِ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى أُصُولِهِ شَيْئًا مِنْ التُّرَابِ لِاسْتِمْسَاكِ الشَّجَرِ أَوْ لِأَجْلِ نَمَاءِ الثَّمَرِ أَوْ أَرَادَ وَضْعَ زِبْلٍ لِذَلِكَ هَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا وَلَوْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ فِيهَا شَجَرٌ فَأَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَجْعَلَ تَحْتَ شَجَرِهِ مَا ذُكِرَ فَهَلْ يُجَابُ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ الَّذِي لَهُ الشَّجَرُ فِي الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَعِيرًا أَوْ مُسْتَأْجِرًا وَحُكْمُهُمَا وَاضِحٌ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْإِعَارَةُ أَوْ الْإِجَارَةُ لِلْمَغْرِسِ وَمَا حَوْلَهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَا حَوْلَهُ انْتِفَاعًا يَعُودُ عَلَى شَجَرِهِ بِنَفْعٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْصُلَ بِهِ ضَرَرٌ فِي الْأَرْضِ نَعَمْ إنْ نَصَّ عَلَى نَوْعٍ فِي عَقْدِ الْعَارِيَّةِ أَوْ الْإِجَارَةِ جَازَ لَهُ فِعْلُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ وَإِنْ كَانَتْ لِلْمَغْرِسِ وَحْدَهُ أَوْ كَانَ اسْتِحْقَاقُهُ لِبَقَاءِ الشَّجَرِ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ مِنْ جِهَةِ بَيْعٍ وَنَحْوِهِ كَوَصِيَّةٍ وَوَقْفٍ وَنَذْرٍ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا حَوْلَ الْمَغْرِسِ بِشَيْءٍ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَضَرَّ الْأَرْضَ أَمْ لَا لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ فِي الْإِجَارَةِ إلَّا مَنْفَعَةَ الْمَغْرِسِ فَقَطْ وَفِي الْعَارِيَّةِ وَنَحْوِ الْبَيْعِ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا الِانْتِفَاعَ بِهِ بِبَقَاءِ الشَّجَرِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ أُجْرَةٍ عَلَيْهِ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ الْإِبْقَاءِ فَلَا حَقَّ لَهُ حَوْلَ الْمَغْرِسِ بِوَجْهٍ.

وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ لَمْ يَجُزْ لَهُ الِانْتِفَاعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>