هُنَاكَ حَاجَةٌ كَنَفَقَةٍ أَوْ كِسْوَةٍ لَمْ تَفِ غَلَّةُ الْعَقَارِ بِهَا وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُقْرِضُهُ أَمْ لَمْ يَرَ فِي الْقَرْضِ مَصْلَحَةً أَوْ غِبْطَةً كَأَنْ طَلَبَ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ وَوَجَدَ مِثْلَهُ بِبَعْضِ ذَلِكَ وَمَتَى انْتَفَى شَرْطٌ مِمَّا ذُكِرَ بَطَلَ الْبَيْعُ وَشَرْطُ شِرَائِهِ أَنْ لَا تَنْتَفِيَ الْمَصْلَحَةُ عَنْهُ كَإِشْرَافِهِ عَلَى الْخَرَابِ فَإِنْ انْتَفَتْ كَمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ لَمْ يَصِحَّ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُوَرِّقُ مِنْ الْمُسَوِّغِ غَيْرُ كَافٍ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي تَفَاصِيلِهِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ لِوُجُودِ الْمُسَوِّغِ الشَّرْعِيِّ إلَخْ يَحْتَمِلُ احْتِمَالًا ظَاهِرًا أَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِإِذْنِ الْحَاكِمِ لِلْقَيِّمِ الْمَذْكُورِ فِي التَّكَلُّمِ عَلَى الْأَيْتَامِ لَا لِشِرَائِهِ لَهُمْ فَلَا يَكُونُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حِينَئِذٍ شَهَادَةٌ بِمُسَوِّغِ الشِّرَاءِ لَا مُجْمَلَةً وَلَا مُفَصَّلَةً وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَيْضًا قَوْلُ الْمُوَرِّقُ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَثَبَتَ لَدَى الْحَاكِمِ الشَّافِعِيِّ الْآذِنِ مَضْمُونُ التَّبَايُعِ وَالْمُقَاصَصَةُ إلَخْ فَإِنَّ هَذَا فِيهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّ الْحَاكِمَ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ الْمُسَوِّغُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي ذَكَرْته لِلْبَيْعِ وَلَا لِلشِّرَاءِ فَنَتَجَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمَا بَاطِلَانِ وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ رُفِعَ إلَيْهِ ذَلِكَ وَثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ إظْهَارُ بُطْلَانِ ذَلِكَ وَالْإِلْزَامُ بِالْعَمَلِ بِهِ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّاهِدُ مِنْ تَعْرِيفِ الْخَرِبَةِ مُقْتَضٍ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ إنْ كَانَتْ صِيغَةُ الْبَيْعِ بِعْتُك الْخَرِبَةَ الْمُلَاصِقَةَ لِكَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الْخَرِبَةَ الْمُلَاصِقَةَ لِكَذَا أَوْ خَرِبَتِي الْمُلَاصِقَةَ لِكَذَا وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا فَإِنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ وَلَا يُؤَثِّرُ الْغَلَطُ حِينَئِذٍ وَالْحُكْمُ بِمُوجِبِ الشَّيْءِ لَا يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِصِحَّتِهِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى ثُبُوتِ وِلَايَةِ الْعَاقِدِ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ فَيَجُوزُ لِلْحَاكِمِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ حُكْمِهِ بِالْمُوجِبِ إنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ مَا يَقْتَضِي رُجُوعَهُ عَنْهُ لِعَدَمِ تَوَقُّفِهِ عَلَى ثُبُوتِ مِلْكِ الْعَاقِدِ أَوْ وِلَايَتِهِ فَوُجُودُهُ لَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ أَحَدِ هَذَيْنِ فَإِذَا ثَبَتَ انْتِفَاؤُهُمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ عَنْ حُكْمِهِ بِالْمُوجِبِ.
وَعَلَى غَيْرِهِ إلْغَاءُ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَعَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِهِ وَلَا يُنَافِي مَا ذُكِرَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ تَنَاوُلُ كُلٍّ مِنْ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ جَمِيعَ الْآثَارِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْحُكْمِ لِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ مَا إذَا كَانَ الْحُكْمُ بِالْمُوجِبِ صَحِيحًا بِأَنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ مَا يُنَاقِضُهُ أَمَّا حَيْثُ تَبَيَّنَ مَا يُنَاقِضُهُ فَلَا يَعْتَدُّ بِهِ كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهَا بِالْمُوجِبِ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ يَعُمُّ جَمِيعَ مَا فِي الْمُسْتَنِدِ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَغَيْرِهِمَا وَمَا يَتَوَقَّفَانِ عَلَيْهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ إلَّا إنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ مَعَ ذَلِكَ وُجُودُ الْمُسَوِّغِ الْمُقْتَضِي لِصِحَّةِ بَيْعِ الْقَيِّمِ وَشِرَائِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ فَوَجَبَ السَّعْيُ فِي نَقْضِهِمَا وَرَدُّ أَعْيَانِ الْأَيْتَامِ الْمَبِيعَةِ إلَيْهِمْ وَالْمُشْتَرَاةِ إلَى أَرْبَابِهَا وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ وَيُجَازِي مَنْ عَمِلَ سُوءًا بِعَدْلِهِ آمِينَ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا إذَا أَخْرَجَ حَنَفِيٌّ مَثَلًا الْقِيمَةَ عَنْ مَالِهِ الزَّكَوِيِّ أَوْ اشْتَرَى مَالِكِيٌّ بِالْمُعَاطَاةِ فَهَلْ لِلشَّافِعِيِّ الشِّرَاءُ مِنْ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ وَمِنْ الْمَالِ الْمَأْخُوذِ بِالْمُعَاطَاةِ اعْتِبَارًا بِعَقِيدَةِ الْبَائِعِ أَوْ لَا اعْتِبَارًا بِعَقِيدَةِ الْمُشْتَرِي؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ إنْ حَكَمَ بِهِ مَنْ يَرَاهُ جَازَ الشِّرَاءُ مِنْهُ سَوَاءٌ أَقَلَّدَ الشَّافِعِيُّ بِهِ أَمْ لَا لِأَنَّ الْحُكْمَ يُحِلُّهُ بَاطِنًا أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ أَحَدٌ لَمْ يَجُزْ لِلشَّافِعِيِّ الشِّرَاءُ مِنْهُ مَا دَامَ مُقَلِّدًا لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَعْتَقِدُ تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ بِهِ فِي الْأُولَى وَبَقَاءَهُ عَلَى مِلْكِ بَائِعِهِ فِي الثَّانِيَةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ وَلَوْ بِعَقْدٍ إلَّا إنْ قَلَّدَ الْقَائِلَ بِهِ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ بَحَثَ الْجَوَازَ مُطْلَقًا قَالَ لِاعْتِقَادِنَا تَكْلِيفَ الْمُخَالِفِ بِحَسَبِ عَقِيدَتِهِ حَتَّى قُلْنَا بِاسْتِعْمَالِ مَا تَوَضَّأَ بِهِ حَنَفِيٌّ لَمْ يَنْوِ ثُمَّ قَالَ إنَّهُ رَأَى كَلَامَ السُّبْكِيّ دَالًا عَلَى تَحْرِيمِ الشِّرَاءِ وَأَنَّ عِنْدَهُ فِيهِ نَظَرًا وَأَنَّهُ لَا يَجْرِي فِي الزَّكَاةِ لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْعِبَادَاتِ وَيَرُدُّ مَا عَلَّلَ بِهِ بِأَنَّا وَإِنْ اعْتَقَدْنَا تَكْلِيفَهُ بِحَسَبِ عَقِيدَتِهِ.
لَكِنْ نَعْتَقِدُ تَكْلِيفَنَا أَيْضًا بِحَسَبِ عَقِيدَتِنَا فَنُقِرُّهُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ لَنَا التَّصَرُّفُ فِيهِ عَمَلًا بِالْعَقِيدَتَيْنِ وَإِنَّمَا حَكَمْنَا بِاسْتِعْمَالِ مَاءِ الْحَنَفِيِّ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِي الِاسْتِعْمَالِ عَلَى مَا أَزَالَ مَانِعًا وَلَا شَكَّ أَنَّ مَاءَهُ كَذَلِكَ لِأَنَّا نَعْتَقِدُ فِيهِ ذَلِكَ بِحَسَبِ ظَنِّ الْمُسْتَعْمَلِ وَيَرُدُّ قَوْلَهُ لَا يَجْرِي فِي الزَّكَاةِ لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْعِبَادَاتِ بِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَكِنْ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ فِي تَخْصِيصِ الْحُكْمِ بِالْمُعَامَلَاتِ عَلَى أَنَّ كَوْنَهَا مِنْ قَبِيلِ الْعِبَادَاتِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ وَإِلَّا فَعِنْدَ إرَادَةِ بَيْعِ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ بَعْدَ إخْرَاجِ الْقِيمَةِ هِيَ الْآنَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute