لَمْ يَدْخُلْ وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِلَّ ثُمَّ سَاقَ كَلَامَهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ السَّابِقَ فِي الْحُجْرَةِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا مَا صَحَّحَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونَ مِنْ أَوْجُهٍ ثَلَاثَةٍ فِي السَّابَاطِ الَّذِي عَلَى حَائِطِ الدَّارِ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَلَى حَائِطَيْهِ دَخَلَ أَوْ عَلَى حَائِطٍ لَمْ يَدْخُلْ.
فَإِذَا كَانَ عَلَى حَائِطٍ فَقَطْ فَهُوَ مُتَّصِلٌ بِهَا كَالْمَخَازِنِ الْمَذْكُورَةِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فَكَذَلِكَ تِلْكَ الْمَخَازِنُ فَإِنْ قُلْت: قَالَ فِي الْعِدَّةِ تَدْخُلُ الْمِظَلَّةُ كَرَوَاشِنِ الدَّارِ وَهِيَ تَدْخُلُ فِيهَا وَإِنْ فُرِضَ أَنَّ لَهَا بَابًا أَيْضًا مِنْ خَارِجِهَا لِأَنَّهَا مِنْهَا وَإِنَّمَا تَنْقَطِعُ نِسْبَتُهَا عَنْهَا إنْ كَانَ لَهَا بَابٌ مِنْ خَارِجٍ وَلَيْسَ لَهَا بَابٌ مِنْ دَاخِلِهَا فَإِنْ قُلْتَ مَسْأَلَةُ السُّؤَالِ وَنَظَائِرُهَا مُشْكِلَةٌ تَصْوِيرًا لِأَنَّ الدَّارَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا إلَّا إنْ ذُكِرَتْ حُدُودُهَا الْأَرْبَعَةُ وَكَذَا مَا دُونَهَا إنْ تَمَيَّزَتْ بِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَحِينَئِذٍ فَإِذَا حَدَّدَ الدَّارَ فَإِنْ دَخَلَتْ تِلْكَ الْمَخَازِنُ أَوْ الْحُجْرَةُ فِي الْحُدُودِ كَانَتْ مَبِيعَةً قَطْعًا فَأَيُّ مَحَلٍّ يَتَحَقَّقُ فِيهِ خِلَافُ الْأَصْحَابِ وَالسُّبْكِيِّ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ نَازَعَ فِي الِاحْتِيَاجِ لِلتَّحْدِيدِ بِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ مَرْئِيَّةً كَفَى عَنْ ذِكْرِ الْحُدُودِ وَإِلَّا لَمْ يَكْفِ عَنْ ذِكْرِهَا.
وَعَلَى هَذَا فَالْإِشْكَالُ بَاقٍ أَيْضًا لِأَنَّهُمَا إذَا رَأَيَا وَأَشَارَا إلَى الْمَبِيعِ دَخَلَتْ الْمَخَازِنُ أَوْ الْحُجْرَةُ إنْ تَنَاوَلَ ذَلِكَ إشَارَتَهُمَا وَإِلَّا لَمْ يَدْخُلَا فَأَيُّ مَسَاغٍ لِذَلِكَ الْخِلَافِ أَيْضًا قُلْت: أَمَّا الْأَوَّلُ فَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ صُورَتَهُ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي يَعْرِفُ الدَّارَ وَمَا بِجَانِبِهَا فَيَقُول لَهُ بِعْتُك دَارِي الَّتِي بِمَحَلَّةِ كَذَا فَحِينَئِذٍ قَوْلُهُ دَارِي إلَخْ هَلْ يَتَنَاوَلُ مَا اتَّصَلَ بِهَا أَوْ لَا فَالْأَصْحَابُ يَقُولُونَ لَا يَتَنَاوَلُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا انْفَرَدَ عَنْ الدَّارِ بِمَدْخَلٍ مُسْتَقِلٍّ مَعَ عَدَمِ نُفُوذِهِ إلَيْهَا كَانَ مُسْتَقِلًّا عَنْهَا غَيْرَ تَابِعٍ لَهَا فَلَمْ يَشْمَلْهُ لَفْظُهُ وَضْعًا وَلَا عُرْفًا وَالسُّبْكِيُّ يَقُولُ بَلْ يَشْمَلُهُ عُرْفًا لِاتِّصَالِهِ وَقَدْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ عَقِبَ كَلَامِ السُّبْكِيّ فِيهِ شَيْءٌ إذْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَعْلُومًا مُشَاهَدًا مُشَاهَدَةً تَنْفِي الْجَهَالَةَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ بَيَّنَ لَهُ الْبَائِعُ الدَّارَ وَمَا اتَّصَلَ بِهَا وَأَوْرَدَ الْعَقْدَ عَلَى الْجَمِيعِ فَلَا شَكَّ فِي دُخُولِ الْجَمِيعِ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى اسْمِ الدَّارِ فَقَطْ وَعَلِمَ الْمُشْتَرِي حُدُودَهَا لَمْ يَدْخُلْ غَيْرُهَا إلَّا بِالتَّنْصِيصِ.
وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ حُدُودَهَا لِاخْتِلَاطِهَا بِالدُّورِ حَوْلَهَا بِحَيْثُ لَا تُمَيِّزُهَا الرُّؤْيَةُ إلَّا بِالتَّوْقِيفِ عَلَى الْمَحْدُودِ فَهَذَا مَحَلُّ قَوْلِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرِهِ لَا تَدْخُلُ الْحُجْرَةُ وَالسَّاحَةُ وَالرَّحْبَةُ الْمُتَّصِلَةُ بِالدَّارِ لِخُرُوجِهَا عَنْ حُدُودِهَا الَّتِي لَا تَتَمَيَّزُ إلَّا بِهَا وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ إلَّا بِذِكْرِهَا فَإِنْ ذَكَرَا حَدَّيْنِ وَتَمَيَّزَتْ بِهِمَا صَحَّ اهـ وَأَمَّا الثَّانِي فَيُجَابُ عَنْهُ أَيْضًا بِأَنَّ الرُّؤْيَةَ لَا تُغْنِي عَنْ ذِكْرِ الْحُدُودِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ قَدْ يَرَى دُورًا مُتَلَاصِقَةً ثُمَّ يَشْتَرِي بَعْضَهَا فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْحُدُودِ أَوْ بَعْضِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُمَيِّزُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ الْأَرْشِ الْمُتَعَلِّقِ بِرَقَبَةِ الرَّقِيقِ إذَا اخْتَارَ سَيِّدُهُ فِدَاءَهُ بِاَلَّذِي لَهُ فِي ذِمَّةِ صَاحِبِ الْأَرْشِ مِنْ الدَّيْنِ وَكَانَ الدَّيْنُ قَدْرَ الْأَرْشِ وَعَلَى صِفَتِهِ فَهَلْ يَصِحُّ اخْتِيَارُهُ بِذَلِكَ وَيَكُونُ مِثْلَ تَقَاصِّ الدَّيْنَيْنِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ اخْتِيَارُ السَّيِّدِ الْفِدَاءَ لَا يَلْزَمُهُ بَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ فَحِينَئِذٍ إذَا اخْتَارَ فِدَاءَهُ بِمَالِهِ مِنْ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَا يَقْتَضِي تَقَاصًّا وَإِلَّا لَزِمَ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَهُوَ حَرَامٌ بَاطِلٌ إجْمَاعًا
(وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ عَجَّانٍ خَبَّازٍ يَجْعَلُ الْخُبْزَ لِلْبَيْعِ وَيَبِيعُهُ عَلَى النَّاسِ وَهُوَ أَبْرَصُ أَجْذَمُ ذُو حَكَّةٍ وَسَوْدَاءَ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُبَاشِرَ الْخُبْزَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ مَا بَاشَرَ نَحْو عَجْنِهِ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ لِلْمُشْتَرِي حَقِيقَةَ الْحَالِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي لَوْ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَشْتَرِهِ مِنْهُ فِي الْغَالِبِ وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ يَكُونُ كَتْمُهُ مِنْ الْغِشِّ الْمُحَرَّمِ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ غَشَّ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ» وَقَدْ نَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ أَنْ يُخْرِجَ مَنْ بِهِ نَحْوَ جُذَامٍ أَوْ بَرَصٍ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِ النَّاسِ وَيُفْرِدَ لَهُمْ مَحَلًّا خَارِجَ الْبَلَدِ وَيُنْفِقُ عَلَى فُقَرَائِهِمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ إنْسَانٍ يَشْتَرِي وَيَكْتَالُ أَوْ يَزِنُ بِأَوْفَى ثُمَّ يَبِيعُ بِمُعْتَدِلٍ مُعْتَادٍ فَهَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ مُطْلَقًا أَوْ يُفْصَلُ بَيْنَ عِلْمِ بَائِعِهِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ إذَا اتَّفَقَ هُوَ وَبَائِعُهُ عَلَى أَنَّهُ يَشْتَرِي مِنْهُ بِهَذَا الْكَيْلِ أَوْ الْمِيزَانِ ثُمَّ اتَّفَقَ هُوَ وَالْمُشْتَرِي مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ يَبِيعُهُ بِكَيْلٍ أَوْ مِيزَانٍ آخَرَ عَيَّنَاهُ جَازَ ذَلِكَ إذْ لَا غِشَّ مِنْهُ فِي حَالِ شِرَائِهِ وَلَا فِي حَالِ بَيْعِهِ لِأَنَّهُ