للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَا يُتَصَوَّرُ مَعَ عِلْمِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَرِضَاهُمَا وَأَمَّا إذَا بَاعَ بِغَيْرِ مَا اشْتَرَى بِهِ مُوهِمًا الْمُشْتَرِيَ مِنْهُ أَنَّهُ إنَّمَا بَاعَهُ بِنَظِيرِ مَا اشْتَرَى بِهِ فَهُوَ غِشٌّ ظَاهِرٌ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ غَشَّ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ» وَضَابِطُ الْغِشِّ الْمُحَرَّمِ أَنْ يَشْتَمِلَ الْمَبِيعُ عَلَى وَصْفِ نَقْصٍ لَوْ عَلِمَ بِهِ الْمُشْتَرِي امْتَنَعَ مِنْ شِرَائِهِ فَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ يَكُونُ غِشًّا مُحَرَّمًا وَكُلُّ مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ غِشًّا مُحَرَّمًا.

(وَسُئِلَ) بِمَا صُورَتُهُ مَا الْحُكْمُ فِي بَيْعِ نَحْوِ الْمِسْكِ لِكَافِرٍ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَشْتَرِيه لِيُطَيِّبَ بِهِ صَنَمَهُ وَبَيْعِ حَيَوَانٍ لِحَرْبِيٍّ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ بِلَا ذَبْحٍ لِيَأْكُلَهُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَحْرُمُ الْبَيْعُ فِي الصُّورَتَيْنِ كَمَا شَمَلَهُ قَوْلُهُمْ كُلُّ مَا يَعْلَمُ الْبَائِعُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَعْصِي بِهِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بَيْعُهُ لَهُ وَتَطْيِيبُ الصَّنَمِ وَقَتْلُ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ بِغَيْرِ ذَبْحٍ مَعْصِيَتَانِ عَظِيمَتَانِ وَلَوْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ كَالْمُسْلِمِينَ فَلَا تَجُوزُ الْإِعَانَةُ عَلَيْهِمَا بِبَيْعِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِفِعْلِهِمَا وَكَالْعِلْمِ هُنَا غَلَبَةُ الظَّنِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الصُّلْحِ لَوْ قَالَ بِعْتُك الْمَبِيعَ الَّذِي أَعْرِفُهُ أَنَا وَأَنْتَ صَحَّ هَلْ هَذَا يَصِحُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ لَوْ جَرَى هَذَا الْمَقَالُ لَدَى الْحَاكِمِ جَازَ لَهُ التَّسْجِيلُ عَلَيْهِ وَالْحُكْمُ بِمُجَرَّدِ هَذِهِ الصِّيغَةِ أَمْ لَا لِأَنَّ لِلْحُكْمِ طَرِيقًا آخَرَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَقِيسًا عَلَيْهَا فَرْعٌ آخَرَ يُعْلَمُ مِنْهُ الْمُرَادُ مِنْهَا وَهُوَ وَلَوْ أَقَرَّ لَآخِرَ بِمَحْمَلٍ فَصَالَحَهُ عَنْهُ وَهُمَا يَعْرِفَانِهِ صَحَّ الصُّلْحُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُك الشَّيْءَ الَّذِي أَعْرِفُهُ أَنَا وَأَنْتَ فَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ شَيْئًا مَعْهُودًا لَهُمَا وَهُمَا يَعْرِفَانِهِ وَهُوَ مِمَّا يَكْفِي فِيهِ تَقَدُّمُ الرُّؤْيَةِ عَلَى الْعَقْدِ إنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا بِمَجْلِسِهِ فَإِذَا قَالَ مَالِكُهُ لِلْآخَرِ بِعْتُك الشَّيْءَ أَيْ الْمَعْهُودَ بَيْنَنَا الَّذِي أَعْرِفُهُ أَنَا وَأَنْتَ صَحَّ الْبَيْعُ.

وَإِنْ لَمْ يُسَمِّيَاهُ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ عَلَى وُجُودِ شُرُوطِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِذَا كَانَا صَادِقَيْنِ فِي مَعْرِفَتِهِمَا وَإِرَادَتِهِمَا لِذَلِكَ الشَّيْءِ الْمَعْهُودِ صَحَّ الْبَيْعُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَإِنْ لَمْ يَكُونَا كَذَلِكَ صَحَّ ظَاهِرًا بِاعْتِرَافِهِمَا لَا بَاطِنًا لِفَقْدِ بَعْضِ شُرُوطِهِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَلَوْ صَدَرَ ذَلِكَ بَيْنَ يَدَيْ حَاكِمٍ فَلَهُ أَنْ يُسَجِّلَ بِهِ وَلَهُ بَعْدَ جَرَيَانِ مُسَوِّغِ الْحُكْمِ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ مُعْتَمِدًا عَلَى جَرَيَانِ عَقْدِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاعْتِرَافِهِمَا بِتَوْفِيرِ شُرُوطِهِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْلِهِمَا الَّذِي أَعْرِفُهُ أَنَا وَأَنْتَ وَكَمَا أَنَّ لَهُ الْحُكْمَ بِالْإِقْرَارِ بِجَرَيَانِ عَقْدِ الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمُقِرُّ شُرُوطَهُ فَكَذَلِكَ لَهُ الْحُكْمُ بِمَا ذُكِرَ بِالْأَوْلَى لِجَرَيَانِ الْعَقْدِ بِحَضْرَتِهِ وَاعْتِرَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِأَنَّهُ وَقَعَ مُسْتَوْفِيًا لِشُرُوطِهِ.

(وَسُئِلَ) عَنْ الْمُشْتَرِي إذَا أَقَالَهُ الْبَائِعُ فِي أَرْضٍ بَاعَهُ إيَّاهَا وَقَدْ زَرَعَ الْمُشْتَرِي الْأَرْضَ هَلْ عَلَيْهِ أُجْرَةٌ فِي الْمُدَّةِ بَعْدَ الْفَسْخِ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ أُجْرَةُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي نَظِيرِهِ فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ فَإِنْ قُلْت: الْأَرْضُ حَالُ زَرْعِ الْمُشْتَرِي كَانَتْ مِلْكَهُ فَهُوَ لَمْ يَزْرَعْ إلَّا مِلْكَ نَفْسِهِ فَكَيْفَ لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ وَقِيَاسُ قَوْلِهِمْ لَوْ بَاعَ أَرْضًا مَزْرُوعَةً فَرَضِيَ الْمُشْتَرِي بِهَا لَزِمَهُ إبْقَاءُ زَرْعِ الْبَائِعِ مِنْ غَيْرِ أُجْرَةٍ لِأَنَّهُ زَرَعَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَلَا يُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ قَبْلَ أَوَانِهِ عَدَمُ الْأُجْرَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا قُلْت: يُفَرَّقُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ بِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي حَالَ الزَّرْعِ كَانَ غَيْرَ مُسْتَقَرٍّ فَلَمَّا زَالَ رَاعَيْنَا كَوْنَهُ وَضَعَ زَرْعَهُ بِحَقٍّ لِكَوْنِهِ زَرَعَ مِلْكَهُ فَلَمْ يُمَكَّنْ الْبَائِعُ مِنْ الْقَلْعِ.

وَكَوْنُ الْمِلْكِ زَالَ عَنْهُ وَصَارَتْ الْأَرْضُ مِلْكًا لِلْبَائِعِ فَلَمْ يُفَوِّتْ عَلَيْهِ أُجْرَتَهَا مُدَّةَ بَقَاءِ الزَّرْعِ فِيهَا فَكَانَ فِي إبْقَائِهِ بِالْأُجْرَةِ جَمْعٌ بَيْنَ مَصْلَحَتَيْ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعِ لِوُجُودِ مُسَوِّغِ كُلٍّ كَمَا تَقَرَّرَ وَأَمَّا زَرْعُ الْبَائِعِ فَقَدْ وَقَعَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ الْمُسْتَقَرِّ ثُمَّ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي خَيَّرْنَاهُ وَلَمَّا خَيَّرْنَاهُ كَانَ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ يَفْسَخَ وَيَرْجِعَ إلَى ثَمَنِهِ فَإِذَا اخْتَارَ الْإِجَازَةَ كَانَ مَوْطِنًا لِنَفْسِهِ عَلَى الرِّضَا بِهِ مِنْ غَيْرِ أُجْرَةٍ فَهَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْمُشْتَرِي لِلْأُجْرَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهُوَ لَا يُوجَدُ نَظِيرُهُ بَلْ ضِدُّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَاتَّضَحَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَأَنَّ إحْدَاهُمَا لَا تَلْتَبِسُ بِالْأُخْرَى فَتَأَمَّلْهُ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ أَرْضٍ فِيهَا بَذْرُ شَجَرٍ بَاعَهَا وَبَذْرَهَا هَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ أَوْ لَا كَحَامِلٍ وَحَمْلِهَا؟

(فَأَجَابَ) لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهَا حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْبَذْرُ بِفَرْدٍ بِالْبَيْعِ وَلَمْ يَدْخُلْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَلَا يُقَالُ يَصِحُّ فِي الْأَرْضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>