للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ التَّأْجِيلُ بَعْدَ لُزُومِهِ حَالًّا شَيْءٌ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ اسْتَثْنَى الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ مَسْأَلَتَيْنِ:

إحْدَاهُمَا إذَا قَالَ الدَّائِنُ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا أُطَالِبَ الْمَدِينَ بِهِ إلَّا بَعْد شَهْرٍ مَثَلًا لَزِمَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ اعْتِمَادُهُ الثَّانِيَةَ إذَا أَوْصَى أَنْ لَا يُطَالَبَ بِهِ إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ فَإِنَّهُ تَنْفَدُ وَصِيَّتُهُ وَزَادَ ابْنُ الرِّفْعَةِ ثَالِثَةً وَهُوَ مَا لَوْ بَاعَ بِثَمَنٍ حَالٍّ ثُمَّ أَلْحَقَ الْأَجَلَ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَالزَّرْكَشِيُّ رَابِعَةً وَهِيَ إذَا ثَبَتَ الْإِفْلَاسُ عَلَى الْمَدِينِ فَلَمْ يُطَالِبهُ حَتَّى أَيْسَر وَارْتَفَعَ الْحَجْرُ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَعُودُ مُؤَجَّلًا ذَكَرَهَا الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ وَخَامِسَةً وَهِيَ مَا إذَا أَسْلَمَ إلَيْهِ فِي شَيْءٍ وَأَطْلَقَ الْعَقْدَ حَالًّا.

وَلَنَا خِلَافٌ هَلْ السَّلَمُ أَصْلُهُ الْحُلُولُ أَوْ التَّأْجِيلُ إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَأَجَّلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ صَارَ مُؤَجِّلًا وَالْكَلَام عَلَى ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ وَمَزِيد بَسْطٍ فَنَقُول أَمَّا مَسْأَلَةُ النَّذْرِ فَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي قَوَاعِده مُسْتَشْكِلًا لَهَا إنْ كَانَتْ الصُّورَة فِي مُعْسِرٍ فَإِنْظَارُهُ وَاجِب وَالْوَاجِب لَا يَصِحُّ نَذْره وَإِنْ كَانَتْ فِي مُوسِرٍ مُؤَدٍّ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ أَخْذه مِنْهُ وَاجِبٌ وَلَا يَصِحُّ إبْطَالُ الْوَاجِب بِالنَّذْرِ وَيُؤَيِّدهُ قَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ إنْ كَانَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مَيِّتًا فَلَا أَثَرَ لِنَذْرِ تَأْخِيرِ الْمُطَالَبَة؛ لِأَنَّ الْمُبَادَرَةَ إلَى بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ وَاجِبَةٌ فَلَا يُؤَثِّرُ النَّذْرُ حَتَّى وَلَوْ رَضِيَ رَبُّ الدَّيْنِ وَالْوَارِث بِذَلِكَ وَيُجَاب بِأَنَّهُ قَدْ يُتَصَوَّرُ كَوْنُ الْإِنْظَارِ مَنْدُوبًا لَا وَاجِبًا فَيَصِحُّ نَذْرُهُ وَيَصِير وَاجِبًا بِالنَّذْرِ وَذَلِكَ فِي مُوسِر بِغَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ لَوْ طَالَبَهُ بِالْوَفَاءِ وَجَبَ عَلَيْهِ بَيْعُ أَمْتِعَتِهِ حِينَئِذٍ وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ فَوَاتُ رِبْحٍ يُؤَمِّلُهُ فِيهَا فَإِذَا عَلِمَ الدَّائِنُ ذَلِكَ مِنْ حَالِهِ نَدَبَ لَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَنْ يُنْظِرَهُ إلَى أَنْ يَحْصُلَ لَهُ مَا يُؤَمِّلُهُ فِي أَمْتِعَتِهِ مِنْ الرِّبْحِ فَإِذَا نَذَرَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَدَمَ مُطَالَبَتِهِ إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ لَزِمَ النَّذْرُ؛ لِأَنَّهُ نَذْرُ قُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ غَيْرِ وَاجِبَةٍ فَهَذَا هُوَ مَحْمَلُ كَلَامِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِ.

وَأَمَّا مَسْأَلَة الْمُعْسِرِ وَالْمُوسِرِ بِجِنْسِ الدَّيْنِ الْبَاذِل لَهُ وَالْمَيِّت فَمَعْلُومٌ مِنْ كَلَامهمْ فِي بَاب النَّذْرِ عَدَمُ صِحَّة النَّذْرِ فِيهَا فَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ وَاحِدَةً مِنْهَا مُرَادَة لِلْمُتَوَلِّيَّ فَاتَّضَحَ بِذَلِكَ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّ التَّحْقِيقَ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَرَجَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ لَا اسْتِثْنَاءَ بَلْ الْحُلُولُ مُسْتَمِرٌّ وَلَكِنْ مُنِعَ الطَّلَبُ لِعَارِضٍ كَالْإِعْسَارِ لِلْعِلْمِ بِحَالِهِ أَوْ لِقِيَمِ الرِّقّ فِيمَا يَتْبَعُ بِهِ الْعَبْد إذَا عَتَقَ وَقَوْل الْمُتَوَلِّي لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا أُطَالِبَهُ إلَّا بَعْد شَهْر لَزِمَ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِلُزُومِ الْأَجَلِ بَلْ كَلَامٌ مُحْتَمَلٌ لَأَنْ يُرِيدَ لُزُومَ الْأَجَلِ أَوْ لُزُومَ النَّذْرِ وَإِطْبَاقهمْ عَلَى أَنَّ الْحَالَّ لَا يُؤَجَّلُ يُومِئُ إلَى أَنَّ مُرَادَهُ الثَّانِي وَيَكُونُ سَمَّاهُ تَأْجِيلًا مَجَازًا لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ عَلَاقَةِ مَنْعِ الْمُطَالَبَةِ وَفَاءً بِالنَّذْرِ وَلَا بِدْعَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ حَالًّا وَتَمْتَنِعَ الْمُطَالَبَةُ بِهِ لِعَارِضٍ كَالْمُعْسِرِ فَإِنَّهُ إذَا حُجِرَ عَلَيْهِ بِدَيْنِهِ الْحَالِّ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ تَأْجِيلٌ وَإِنَّمَا صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يُطَالِبُ مَعَ أَنَّ مَسْأَلَته هِيَ الْأَصْلُ فِي الْكَلَام عَلَى تَأْخِير الْحَالِّ وَحُلُول الْمُؤَجَّلِ عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوف فِي بَابِهِ فَإِنْ قُلْت هَلْ يَظْهَرُ لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُ مُؤَجَّلٌ أَوْ حَالٌّ امْتَنَعَ طَلَبُهُ لِعَارِضٍ أَثَرٌ.

قُلْت: نَعَمْ يَظْهَر لِذَلِكَ أَثَرٌ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا إذَا عَجَّلَهُ الْمَدْيُونُ قَبْلَ الْمُدَّةِ لِغَرَضِ الْبَرَاءَة هَلْ يُجْبَرُ رَبُّ الدَّيْن جَزْمًا عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الْإِبْرَاءِ أَوْ الْقَبُولِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْحَالَّةِ لَا سِيَّمَا أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّة لَمْ تَقَعْ بِرِضَا الْمَدْيُونِ أَوْ لَا يُجْبَرُ؛ لِأَنَّهُ مُؤَجَّلٌ وَمِنْهَا الْحِنْثُ إذَا حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ وَقُلْنَا بِالتَّفْصِيلِ بَيْن الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ وَمِنْهَا مَسْأَلَةُ الزَّكَاة وَتَحْرِيرُهَا أَنَّ النَّذْرَ إمَّا أَنْ يَكُون بَعْد تَمَام الْحَوْل فَلَا إشْكَال فِي إخْرَاجِ الزَّكَاة غَيْرَ أَنَّهُ هَلْ يُسْتَثْنَى ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ وُجُوب الْإِنْظَار فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لِغَيْرِهِ بِنَاءً عَلَى الصَّحِيح وَهُوَ أَنَّ الْفُقَرَاءَ شُرَكَاءُ رَبّ الْمَالِ أَوْ يَجِبُ الْإِنْظَار فِيهِ وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِكَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى تَمَامِ نَذْرِهِ لِجَوَازِ الْإِخْرَاجِ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا قُلْنَا بِهِ فِيمَا إذَا رَهَنَ مَالًا زَكَوِيًّا وَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ قَالَ بَلْ مَسْأَلَتنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ سَابِق عَلَى الْوُجُوبِ بِخِلَافِ النَّذْرِ وَأَمَّا أَنْ يَكُون قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ احْتِمَالٌ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَصَرُّفٌ مِنْهُ قَبْل تَعَلُّقِ حَقِّ الْفُقَرَاءِ وَقِيَاسُ مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وُجُوبُ الْإِخْرَاجِ مِنْ غَيْره عِنْد الْقُدْرَةِ وَمِنْهُ عِنْد عَدَمِهَا وَمِنْهَا مَا لَوْ مَاتَ النَّاذِرُ فَإِنْ قُلْنَا بِالتَّأْجِيلِ لَمْ يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ الْمُطَالَبَةُ وَإِنْ قُلْنَا بِبَقَائِهِ عَلَى صِفَةِ الْحُلُولِ فَهَلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>