مِنْ نَفْسِهِ وَمُقْبِضًا لَهُ عَنْ الْمَالِكِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ أَدَّى وَقَعَ الْمَوْقِعَ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِأَنَّ الْوَكَالَةَ الْفَاسِدَةَ إذَا عَمِلَ الْوَكِيلُ فِيهَا بِعُمُومِ الْإِذْنِ الضِّمْنِيّ صَحَّ تَصَرُّفُهُ وَبِأَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لِلْمُسْتَأْجِرِ خَارِج الْعَقْدِ فِي صَرْفِ مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ عَلَى الْعِمَارَةِ صَحَّ وَبِقَوْلِ الْغَزِّيِّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لَوْ قَالَ لِلْمَدْيُونِ إذَا مِتّ فَفَرِّقْ مَا لِي عَلَيْك مِنْ الدَّيْنِ وَهُوَ كَذَا إلَى الْفُقَرَاءِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ صِحَّةُ هَذَا وَهُوَ إيصَاءٌ وَبِقَوْلِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ لَوْ كَانَ لَهُ فِي ذِمَّةِ إنْسَانٍ دِرْهَمٌ فَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِهِ طَعَامًا فَاشْتَرَى كَمَا أُمِرَ وَدَفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ وَقَبَضَ الطَّعَامَ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ فَذِمَّتُهُ بَرِيئَةٌ مِنْ الدِّرْهَمِ وَيَصِيرُ فِي التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ وَكَّلَ الْبَائِعَ بِقَبْضِ ذَلِكَ الدِّرْهَمِ مِنْ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا كَمَا لَوْ اجْتَمَعَ لَهَا عَلَيْهِ النَّفَقَةُ فَأَمَرَتْهُ أَنْ يَكِيلَ فَيَدْفَعَ إلَى الطَّحَّانِ كَذَا فَيَطْحَنَهُ فَفَعَلَهُ فَالطَّحَّانُ يَكُونُ مِنْ جِهَتِهَا كَالْوَكِيلِ وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُ كَمَا لَوْ قَالَتْ أَطْعِمْ عَنْ كَفَّارَتِي عَشَرَةَ مَسَاكِينَ عَشَرَةَ أَمْدَادٍ مِنْ طَعَامٍ كَذَا يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْمَسَاكِينُ مُتَعَيِّنِينَ. اهـ.
وَيُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَحَلَّ النَّظَرِ لِعُمُومِ الْإِذْنِ فِي الْوَكَالَةِ الْفَاسِدَةِ حَتَّى يَصِحَّ التَّصَرُّفُ مَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِمَانِعٍ وَقَدْ اقْتَرَنَ هُنَا بِمَانِعٍ وَهُوَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَدْخُلُ الدَّيْنُ فِي مِلْكِهِ إلَّا بِقَبْضٍ صَحِيحٍ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَمْ يُؤَدِّ مِنْ دَيْنِهِ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَمْ يَشْمَلْهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي الْأَدَاءِ مِنْ دَيْنِهِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِقَبْضٍ صَحِيحٍ وَلَمْ يُوجَدْ وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعِمَارَةِ فَخَارِجٌ عَنْ الْقَاعِدَةِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ عَلَى اتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ لِوُقُوعِهِ ضِمْنًا أَيْ لَا مَقْصُودًا وَسَبَبُهُ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ بَعْدَ انْبِرَامِ الْعَقْدِ فَلَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا بِهِ فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْقَاعِدَةِ وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَتِنَا أَنَّ تِلْكَ الْإِذْنُ فِيهَا وَقَعَ بَعْدَ انْبِرَامِ الْعَقْدِ فَلَمْ يُقْصَدْ بِالْعَقْدِ وَأَيْضًا فَالْمُسْتَأْجِرُ يَعُودُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ فِي بَقَاءِ الْعَيْنِ فَسُومِحَ لَهُ فِي ذَلِكَ رِعَايَةً لِبَقَاءِ الْعَقْدِ مَا أَمْكَنَ فَإِنَّ الْمُؤَجِّر قَدْ لَا يُعْمِرُ فَيَفْسَخُ وَأَمَّا هُنَا فَعَقْدُ الْوَكَالَةِ وَقَعَ التَّصْرِيحُ فِيهِ بِالْأَدَاءِ مِنْ الدَّيْنِ فَلَمْ يَقَعْ ضِمْنًا بَلْ مَقْصُودًا وَلَا يَعُودُ عَلَيْهِ مَنْفَعَةٌ كَالْمَنْفَعَةِ فِي تِلْكَ فَافْتَرَقَا وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْغَزِّيِّ فَالْمُتَّجَهُ فِيهَا أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ تَوَقَّفَتْ صِحَّةُ التَّفْرِقَةِ عَلَى قَبْضِهِمْ مِنْهُ ثُمَّ إقْبَاضِهِمْ لَهُ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْغَزِّيِّ مَا يُنَافِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي صِحَّةُ هَذَا وَهُوَ إيصَاءٌ أَيْ صِحَّةُ قَوْلِ الْمُوصَى لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إيصَاءٌ لَهُ وَأَمَّا صِحَّةُ التَّفْرِقَةِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا فَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ قَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ وَأَمَّا كَلَامُ الْقَاضِي فَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ سِلْعَةٍ وَصَفَهَا بِثَمَنٍ مِنْ جُمْلَةِ دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ فَاشْتَرَاهَا لِمُوَكِّلِهِ بِثَمَنِ وَأَدَّاهُ مِنْ جُمْلَةِ دَيْنِهِ صَحَّ وَبَرِئَ الْوَكِيلُ مِنْ ذَلِكَ. اهـ. لَكِنْ صَرَّحَ ابْنُ كَجٍّ بِالْبُطْلَانِ وَبِهِ يُعْلَم أَنَّ الْقَاضِيَ وَالْمَاوَرْدِيَّ مَاشِيَانِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَضُرُّ اتِّحَاد الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ وَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخَانِ بِخِلَافِهِ وَأَمَّا مَسْأَلَة السَّلَمِ الْمَذْكُورَة فِي السُّؤَالِ فَقَالَ ابْن سُرَيْجٍ فِيهَا بِالصِّحَّةِ فَإِذَا قَبَضَ الْأَلْفَ بَرِئْت ذِمَّتُهُ وَوَافَقَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَيُوَافِقهُ كَلَامُ الْقَاضِي وَالْمَاوَرْدِيِّ السَّابِقُ لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَطَرِيقُهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِي إسْلَام الَّذِي لِي عَلَيْك إلَيْهِ فَإِذَا فَعَلَ صَحَّ أَيْ لِأَنَّهُ صَارَ حَوَالَة قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَلَوْ قَالَ أَسْلِمْ لِي فِي كَذَا وَأَدِّ رَأْسَ الْمَالِ مِنْ مَالِك وَارْجِعْ عَلَيَّ فَفَعَلَ صَحَّ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ كَذَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ زَادَ النَّوَوِيُّ الْأَصَحُّ عِنْد صَاحِبِ الْعِدَّةِ وَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَالَ أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ سَهْوٌ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَبِهِ يُعْلَمُ ضَعْفُ مَا مَرَّ عَنْ الْقَاضِي وَالْمَاوَرْدِيِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَطَرِيقُهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِي إسْلَامِ الْأَلْفِ فِي كَذَا فَإِذَا فَعَلَ الْوَكِيلُ قَالَ لَهُ الْمُوَكِّلُ حَصَلَ عَلَيَّ أَلْفٌ لِهَذَا وَلِي عَلَيْكَ أَلْفٌ فَادْفَعْ الْأَلْفَ الَّذِي لِي عَلَيْكَ إلَيْهِ فَإِذَا فَعَلَ صَحَّ أَيْ لِأَنَّهُ صَارَ حَوَالَةً قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَلَوْ قَالَ أَسْلِمْ لِي فِي كَذَا وَأَدِّ رَأْسَ الْمَالِ مِنْ مَالِكَ وَارْجِعْ عَلَيَّ فَفَعَلَ صَحَّ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ كَذَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ زَادَ النَّوَوِيُّ الْأَصَحُّ عِنْدَ صَاحِبِ الْعُدَّةِ وَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَالَ أَبُو حَامِدٍ مَا قَالَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ سَهْو مُخَالِفٌ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَالَ فَطَرِيقُهُ أَنْ يَقُولَ أَسْلِمْ أَلْفًا فِي كَذَا فَإِذَا عَقَدَ الْعَقْدَ قَالَ اقْضِ عَنِّي أَلْفًا لِأَدْفَعَ إلَيْك عِوَضَهَا وَعَلَيْهِ فَيُفَارِقُ اشْتَرِ لِي عَبْدَ فُلَانٍ بِثَوْبِك هَذَا حَيْثُ يَصِحُّ وَيَقَعُ عَنْ الْآمِرِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ فِي الْبَاب الثَّالِث مِنْ الْوَكَالَةِ بِأَنَّ السَّلَمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute