للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إحْسَانَ قِنِّهِ لِحِرْفَةٍ فَأَتَتْ فِي يَدِهِ فَلَزِمَهُ قِيمَتُهَا وَالْغَاصِبُ يَدَّعِي بَقَاءَ تِلْكَ الْحِرْفَةِ أَوْ عَدَمَهَا مِنْ أَصْلِهَا فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِمَّا يَدَّعِيهِ عَلَيْهِ الْمَالِكُ حَتَّى يَثْبُتُ مُوجِبُهُ وَأَيْضًا فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى وُجُودِ تِلْكَ الْحِرْفَةِ وَاخْتَلَفَا فِي النِّسْيَانِ فَالْأَصْلُ دَوَامُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى وُجُودِهَا بِأَنْ اخْتَلَفَا فِيهِ فَالْأَصْلُ عَدَمُهَا وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ مُسَاعِدٌ لِأَصْلِ بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْغَاصِبِ فَقَوِيَ جَانِبُهُ بِاعْتِضَادِ دَعْوَانَا أَصْلُ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مَعَ أَصْلِ الدَّوَامِ فِي الْأُولَى أَوْ أَصْلُ الْعَدَمِ فِي الثَّانِيَةِ وَمِمَّا يَشْهَدُ لِتَصْدِيقِهِ قَوْلُهُمْ لَوْ اخْتَلَفَا فِي كَوْنِ الْمَغْصُوبِ كَاتِبًا أَوْ مُحْتَرِفًا صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ وَعَدَمُ مَا ادَّعَاهُ الْمَالِكُ.

وَقَوْلُهُمْ لَوْ رَدَّ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ أَعْمَى مَثَلًا وَقَالَ هَكَذَا غَصَبْته وَقَالَ الْمَالِكُ بَلْ حَدَثَ عِنْدَهُ صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ عَمَّا يَزِيدُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ فَتَأَمَّلْ هَذَا كَاَلَّذِي قَبْلَهُ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِي تَصْدِيقِ الْغَاصِبِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ وَالْمُعْتَمَدُ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ تَعَلُّمَ الصَّنْعَةِ كَتَذَكُّرِهَا وَعَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا الَّذِي ذَكَرَهُ السَّائِلُ فَالْمُصَدَّقُ فِيمَا ذَكَرَهُ الْغَاصِبُ أَيْضًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْته عَلَى الْأَصَحِّ فِي صُورَةِ اخْتِلَافِهِمَا فِي النِّسْيَانِ.

(وَسُئِلَ) عَنْ مَغْصُوبٍ تَحَقَّقَ جَهْلُ مَالِكِهِ هَلْ هُوَ حَرَامٌ مَحْضٌ أَوْ شُبْهَةٌ وَهَلْ يَحِلُّ التَّصَرُّفُ فِيهِ كَاللُّقَطَةِ أَوْ كَغَيْرِهَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَحِلُّ التَّصَرُّفُ فِيهِ مَا دَامَ مَالِكُهُ مَرْجُوَّ الْوُجُودِ بَلْ يُوضَعُ عِنْدَ قَاضٍ أَمِينٍ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا فَعَالِمٌ كَذَلِكَ فَإِنْ أَيِسَ مِنْ مَعْرِفَةِ مَالِكِهِ صَارَ مِنْ جُمْلَةِ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَإِنَّهُ قَالَ مَا مُلَخَّصُهُ مَنْ مَعَهُ مَالٌ حَرَامٌ وَأَيِسَ مِنْ مَعْرِفَةِ مَالِكِهِ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصْرِفَهُ فِي الْمُصَالَحِ الْعَامَّةِ كَالْقَنَاطِرِ وَالْمَسَاجِدِ وَإِلَّا فَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى فَقِيرٍ أَوْ فُقَرَاءَ.

وَيَتَوَلَّى صَرْفَهُ الْقَاضِي إنْ كَانَ عَفِيفًا وَإِلَّا حَرُمَ التَّسْلِيمُ إلَيْهِ وَضَمِنَهُ الْمُسْلِمُ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُحَكِّمَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ دَيِّنًا عَالِمًا فَإِنْ فَقَدْ تَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ وَأَخْذُ الْفَقِيرِ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ حَلَالٌ طَيِّبٌ وَلَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ إنْ كَانُوا فُقَرَاءَ وَالْوَصْفُ مَوْجُودٌ فِيهِمْ بَلْ هُمْ أَوْلَى مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِمْ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ قَدْرَ حَاجَتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَيْضًا فَقِيرٌ كَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَنُقِلَ عَنْ مُعَاوِيَةَ وَأَحْمَدَ وَالْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْل الْوَرَعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إتْلَافُ الْمَالِ وَلَا رَمْيُهُ فِي الْبَحْرِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مَصَالِحَ الْمُسْلِمِينَ. اهـ.

وَقَدْ سَبَقَهُ إلَيْهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَغَيْرِهِ هَذَا فِي الْحَرَامِ الْمَحْضِ كَمَا تَقَرَّرَ أَمَّا مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهِ ذَلِكَ فَهُوَ شُبْهَةٌ وَالِاشْتِرَاءُ مِنْهُ مَكْرُوهٌ وَإِنْ غَلَبَ الْحَرَامُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ حَرَامٌ قِيلَ وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْأَوَّلِ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدَّيْنِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ اخْتَلَطَ ثَوْبٌ مُبَاحٌ بِنَحْوِ أَلْفِ ثَوْبٍ مَغْصُوبٍ فَيَجِبُ الْجَزْمُ بِتَحْرِيمِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ مَغْمُورٌ تَافِهٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَرَامِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ فِي بَابِ الصَّيْدِ لَوْ اخْتَلَطَ حَمَامٌ مَمْلُوكٌ غَيْرُ مَحْصُورٍ بِحَمَامٍ مُبَاح مَحْصُورٍ حَرُمَ الِاصْطِيَادُ مِنْهُ. اهـ.

وَمَا مَرَّ مِنْ وَضْعِ مَا لَمْ يَيْأَسْ مِنْ مَالِكه فِي يَدِ مَنْ مَرَّ هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ وَقَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ فِي كُتِبَ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي بِيَدِ الْفِرِنْجِ هَلْ يَحِلُّ شِرَاؤُهَا أَنَّ اسْتِنْقَاذَهَا حَسَنٌ ثُمَّ لَا يَجُوزُ الْقِرَاءَةُ وَالِانْتِفَاعُ بِهَا حَالًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا إذَا عَرَّفَهَا سَنَةً جَازَ تَمَلُّكُهَا كَاللُّقَطَةِ مَرْدُودٌ وَمِمَّنْ رَدَّهُ الْأَذْرَعِيُّ فَقَالَ فِي تَوَسُّطِهِ الْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِاللُّقَطَةِ بَلْ يَحْفَظُ إلَى الْيَأْسِ مِنْ الْعُثُورِ عَلَى مَالِكِهِ ثُمَّ يَصْنَعُ بِهِ مَا يَصْنَعُ بِالْمَالِ الضَّائِعِ أَيْ يَصْرِفُهُ فِي الْمَصَالِحِ عِنْدَ الْيَأْسِ مِنْ مَعْرِفَةِ مَالِكِهِ.

(وَسُئِلَ) عَنْ أَرْضٍ لَا تُؤَجَّرُ قَطُّ فَمَاذَا يَلْزَمُ غَاصِبَهَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ تَجِبُ أُجْرَةُ أَقْرَبِ الْأَرَاضِي إلَيْهَا وَهُوَ مُحْتَمَلٌ مُنْقَاسٌ وَيُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ.

(وَسُئِلَ) عَنْ دَارٍ مُشْتَرِكَةٍ بَيْنَ أَخَوَيْنِ فَسَكَنَا فِيهَا وَلَمْ يَسْتَأْجِرْ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ وَلَا اسْتَعَارَ وَلَا اسْتَبَاحَ لَكِنْ أَحَدُهُمَا وَحْدَهُ وَالْآخَرُ لَهُ عِيَالٌ فَهَلْ لِكُلٍّ الرُّجُوعُ عَلَى الْآخَرِ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مُطَالَبَةُ الْآخَرِ بِأُجْرَةِ سُكْنَاهُ فِي نَصِيبِهِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ بِقِسْطِهِ عَلَى قَدْرِ السُّكَّانِ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا إذَا اخْتَلَطَ الْمَغْصُوبُ أَوْ الْمَنْهُوبُ بِغَيْرِهِ مِنْ الْمَمْلُوكِ اخْتِلَاطَ امْتِزَاجٍ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ كَزَيْتٍ وَحِنْطَةٍ بَيْضَاءَ بِمِثْلِهَا فَهَلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>