يَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ وَكَيْفَ يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِذَلِكَ مَعَ تَعَدِّيهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَمْ تَزَلْ مَعْرُوفَةً بِالْإِشْكَالِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا وَلَكِنَّ الَّذِي صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ أَنَّ الْمَغْصُوبَ كَالْهَالِكِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ الْغَاصِبُ مِنْ إعْطَائِهِ قَدْرَ حَقّه مِنْ غَيْرِ الْمُخْتَلِطِ وَلَنَا قَوْلُ أَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ وَنَصَرَهُ جَمْعٌ فَيَرْجِعُ فِي قَدْرِ حَقِّهِ مِنْ نَفْسِ الْمَخْلُوطِ نَفْسه وَوُجِّهَ بِأَنْ خُلِطَ بِالْمِثْلِ اشْتَرَكَا أَوْ بِالْأَجْوَدِ أَوْ الْأَرْدَإِ فَكَالْهَالِكِ.
وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ كَالْهَالِكِ مُطْلَقًا وَانْتَصَرَ جَمَاعَةٌ لِلْقَوْلِ بِالِاشْتِرَاكِ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا لَوْ سَالَتْ صُبْرَةُ أَحَدِهِمَا عَلَى صُبْرَةِ الْآخَرِ وَفَرَّقَ السُّبْكِيّ بِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ تَصَرُّفُ مُكَلَّفٍ بِحَالِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ هُنَا فَالضَّرُورَةُ هُنَا لَمْ تَدْعُ إلَى الِاشْتِرَاكِ.
وَأَجَابَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ عَنْ أَشْكَالِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا حَاصِلُهُ مَعَ الْإِيضَاحِ أَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ وُصُولُ الْمَالِكِ لِعَيْنِ حَقِّهِ بِسَبَبِ خَلْطِ الْغَاصِبِ الْمُقْتَضِي لِضَمَانِهِ جَعَلَ الْمَخْلُوطَ كَالتَّالِفِ وَجَعَلَ شَغْلَ ذِمَّتِهِ بِالْغُرْمِ وَتَمْكِينِ الْمَالِكِ مِنْ أَخْذِهِ حَالًا مُقْتَضِيًا لَمِلْكِ الْغَاصِبِ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ إذْ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِي مِلْكِ الْغَاصِبِ حَتَّى يَضْمَنَهُ فَيَدْخُلَ فِي مِلْكِهِ بِالتَّعَذُّرِ الْمَذْكُورِ وَتَعَدِّي الْغَاصِبِ لَا يَقْتَضِي جَعْلَ عَيْن مَالِهِ مَمْلُوكًا لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ مَجَّانًا إذْ الظَّالِمُ لَا يَظْلِمُ بَلْ يُنْتَصَفُ مِنْهُ وَالْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ إذَا أَبَقَ مَرْجُوُّ الْعَوْدِ فَلَمْ يَتَعَذَّرْ رَدُّهُ بِإِبَاقِهِ فَتَوَجَّهَ فِيهِ ضَمَانُ الْقِيمَةِ لِلْحَيْلُولَةِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ مُطْلَقًا فَالْوَاجِبُ فِيهِ يَكُونُ لِلْفَيْصُولَةِ وَقَدْ قَالَ جَمْعٌ وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافَهُ إنْ اخْتَلَطَ تَمْرُ الْبَائِعِ بِتَمْرِ الْمُشْتَرِي يُفْسَخُ الْبَيْعُ لِتَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ الْمُسْتَحَقِّ فَإِذَا جَعَلُوا الْمِلْكَ فِي الْمَبِيعِ مُنْتَقِلًا لِلْبَائِعِ بِسَبَبِ تَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْخَلْطُ مِنْ فِعْلِهِ فَكَذَلِكَ هُنَا وَعَلَى الرَّاجِحِ لَوْ أَرَادَ الْقِسْمَةَ بِحَسَبِ الْقِيمَتَيْنِ امْتَنَعَ لِلرِّبَا وَرَجَّحَ السُّبْكِيّ قَوْل الشَّرِكَةِ وَفَرَّعَ عَلَيْهِ مَا مَرَّ وَأَطَالَ فِي الِانْتِصَارِ لَهُ وَأَنَّ قَوْلَ الْهَلَاكِ بَاطِلٌ لَكِنْ أَطَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ نَاقَضَ نَفْسَهُ وَكَيْفَ يَكُونُ بَاطِلًا وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَخْلُو قَوْلٌ مِنْ الْأَقْوَالِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ مَحْذُورٍ وَأَنَّ الْقَوْلَ بِالْهَلَاكِ يَنْدَفِعُ مَحْذُورُهُ بِمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَابْنُ الْمُقْرِي فِي تَمْشِيَتِهِ مِنْ أَنَّا وَإِنْ قُلْنَا بِمِلْكِ الْغَاصِبِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ حَتَّى يُعْطِيَ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ مَا وَجَبَ لَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ فِيمَا مَلَّكَهُ إيَّاهُ بِعِوَضٍ وَرَضِيَ فَكَيْفَ إذَا مَلَّكَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ قِيلَ وَهُوَ حَسَنٌ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ خِلَافَهُ وَيَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا كَانَ مُوسِرًا قَالَ السُّبْكِيّ وَقَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِي الزَّيْتِ وَالْحِنْطَةِ اخْتِصَاصَهَا بِالْمِثْلِيِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ خَلْطُ الْمُتَقَوِّم كَذَلِكَ ثُمَّ حَكَى عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ جَزَمُوا بِأَنَّ قَوْلَ الْهَلَاكِ لَا يَأْتِي فِي خَلْطِ الدَّرَاهِمِ بِمِثْلِهَا وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ كُلَّ دِرْهَمٍ مُتَمَيِّزٌ فِي نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ لَنَا وَلَيْسَ كَالزَّيْتِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ بِالِاخْتِلَاطِ حَقِيقَةٌ أُخْرَى وَرُدَّ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ لَا يَأْتِي فِي خَلْطِ الْقَمْحِ بِمِثْلِهِ لِتَمَيُّزِ كُلِّ حَبَّةٍ فِي نَفْسِهَا وَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ كَالْحِنْطَةِ فِيمَا مَرَّ فَيَأْتِي فِيهَا مَا تَقَدَّمَ أَيْضًا مِنْ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ وَابْنِ الْمُقْرِي وَلَوْ غَصَبَ مِنْ اثْنَيْنِ زَيْتًا ثُمَّ خَلَطَهُ قَالَ السِّرَاجُ الْبُلْقِينِيُّ فَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّة أَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ كَالْهَالِكِ لَكِنْ حَكَى صَاحِب الْبَحْر وَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا غَصَبَ دَرَاهِمَ مِنْ اثْنَيْنِ وَخَلَطَهَا أَحَدُهُمَا تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا وَالثَّانِي يَتَخَيَّرَانِ بَيْنَ الْقِسْمَةَ وَالْمُطَالَبَةَ بِالْمِثْلِ. اهـ.
وَفِي فَتَاوَى النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَضِيَ عَنْهُ إذَا أَخَذَ الْمَكَّاسُ مِنْ إنْسَانٍ دَرَاهِمَ فَخَلَطَهَا بِدَرَاهِمِ الْمَكْس ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ قَدْرَ دَرَاهِمِهِ مِنْ ذَلِكَ الْمُخْتَلِطِ لَا يَحِلُّ لَهُ إلَّا أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الَّذِي أُخِذَتْ مِنْهُ وَهُوَ يُرَجِّحُ الْوَجْهَ الْأَوَّل مِنْ وَجْهَيْ الْبَحْرِ وَرَجَّحَ الشَّيْخَانِ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الْمَغْصُوبِ مَا يَسْرِي لِلتَّلَفِ كَبَلِّ الْحِنْطَةِ وَتَعَفُّنِهَا وَجَعْلِهَا هَرِيسَةً وَغَصْبِ تَمْرٍ وَدَقِيقٍ وَسَمْنٍ وَجَعْلِهِ عَصِيدَةً فَهُوَ كَالْهَالِكِ وَيَغْرَمُ بَدَلَ كُلِّ مَغْصُوبٍ مِمَّا ذُكِرَ مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ وَقِيلَ يَرُدُّهُ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ مُوجِبِ الْقَوْلَيْنِ وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيّ وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ الْغَاصِبُ بَيْنَ إمْسَاكِهِ وَغُرْم بَدَلِهِ وَرَدِّهِ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهَلْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute