للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قِيَاسَ مَا قَالَهُ أَبُو عَمْرٍو أَنَّ بَيِّنَةَ الْمَالِ مُقَدَّمَةٌ؛ لِأَنَّهُ تَحَقَّقَ بِهَا شَغْلُ الذِّمَّةِ فَلَا يُتْرَكُ ذَلِكَ بِاحْتِمَالِ تَعْقِيبِ الْمُسْقِطِ وَهُوَ الْإِبْرَاءُ وَإِذَا لَمْ يَنْظُرْ شُرَيْحٌ إلَى ذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِهِ فَلَا يُنْظَرُ إلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ أَبِي عَمْرٍو فَإِنْ قُلْت يُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْهِمَا بِأَنَّ مَسْأَلَةَ أَبِي عَمْرٍو فِيهَا إقْرَارَانِ مُتَعَارِضَانِ لَا يَسْتَدْعِي أَحَدُهُمَا قِدَمَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِعَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا يَسْتَدْعِي وُجُودَ شَيْءٍ مُسْتَحَقٍّ أُقِرَّ بِانْتِفَائِهِ بَلْ كَثِيرًا مَا يَصْدُرُ هَذَا مِمَّنْ لَا دَيْنَ لَهُ وَلَا حَقَّ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ شُرَيْحٍ فَإِنَّ الْإِبْرَاءَ يَسْتَلْزِمُ مُبَرَّأً مِنْهُ فَتَكُونُ الشَّهَادَةُ بِهِ مُتَأَخِّرَةً عَنْ الشَّهَادَةِ بِالْمَالِ فَلِذَا قُدِّمَتْ عِنْدَ الْإِطْلَاق بَيِّنَةُ الْإِبْرَاءِ؛ لِأَنَّهَا مُتَأَخِّرَةٌ فَتَقْدِيمُهَا لِاعْتِضَادِهَا بِمَا ذُكِرَ مُسْتَلْزِمٌ لِتَأَخُّرِهَا عَنْ شَغْلِ الذِّمَّةِ وَرَفْعِهَا لِمَا اشْتَغَلَتْ بِهِ وَلَا كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ أَبِي عَمْرٍو قُلْت يُرَدُّ ذَلِكَ بِأَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ كَثِيرًا مَا يَصْدُرُ ذَلِكَ مِمَّنْ لَا حَقَّ لَهُ وَلَا كَذَلِكَ فِي الْإِبْرَاءِ لَكِنَّ ذَلِكَ لَا يَرْفَعُ احْتِمَالَ تَقَدُّمِ الْإِبْرَاءِ مِنْ دَيْنٍ آخَرَ أَوْ لَا مِنْ دَيْنٍ بِالْكُلِّيَّةِ عَلَى ثُبُوتِ الْمَالِ الشَّاهِدَةُ بِهِ الْبَيِّنَةُ الْمُعَارِضَةُ لِبَيِّنَةِ الْإِبْرَاءِ فَلَيْسَ تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ الْإِبْرَاءِ لِذَلِكَ فَحَسْبُ

وَإِنْ تُوُهِّمَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ شُرَيْحٍ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الْوُجُوبِ بَلْ لِكَوْنِهَا اعْتَضَدَتْ بِأَصْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ تَقْدِيمَ بَيِّنَةِ الْإِبْرَاءِ لَهُ سَبَبَانِ اسْتِلْزَامُهَا أَنَّهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ، وَاعْتِضَادُهَا بِأَصْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ فَيُقَاسُ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ النَّافِيَةُ فِي مَسْأَلَةِ أَبِي عَمْرٍو لِاعْتِضَادِهَا بِذَلِكَ الْأَصْلِ وَإِنْ انْتَفَى عَنْهَا السَّبَبُ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي النَّظَرُ إلَيْهِ مُسْتَقِلًّا؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ اسْتَلْزَمَتْ ذَلِكَ لَكِنَّ هَذَا الِاسْتِلْزَامَ لَا يَقْتَضِي تَقْدِيمَهَا إلَّا إذَا كَانَتْ تَسْتَلْزِمُ أَنَّهَا بَعْدَ وُجُوبِ ذَلِكَ الْمَالِ الَّذِي شَهِدَتْ بِهِ الْأُولَى بِخُصُوصِهِ وَوَاضِحٌ أَنَّهَا لَا تَسْتَلْزِمُ هَذَا الْخَاصَّ فَكَانَ الْأَوْلَى تَعْلِيلُ تَقْدِيمِهَا بِاعْتِضَادِهَا بِأَصْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ فَإِنْ قُلْت بَلْ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ الْخَاصُّ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ غَيْرِهِ وَالْإِبْرَاءُ مِنْهُ قُلْت وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي اسْتِلْزَامَهُ بِخُصُوصِهِ، وَإِنَّمَا يُشِيرُ إلَيْهِ لَكِنْ لَمَّا اعْتَضَدَتْ تِلْكَ الْإِشَارَةُ بِأَصْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ اقْتَضَتْ تَرْجِيحَ بَيِّنَةِ الْإِبْرَاءِ وَكَذَلِكَ الْبَيِّنَةُ النَّافِيَةُ فِي مَسْأَلَةِ أَبِي عَمْرٍو وَاعْتَضَدَتْ بِذَلِكَ الْأَصْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ آخَرُ يُعَضِّدُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْمَلَ بِهِ وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ لَوْ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ غَيْرِهِ فَقَالَ اشْتَرَيْتهَا مِنْ زَيْدٍ وَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِ زَيْدٍ لَهُ بِهَا قَبْلَ الْبَيْعِ وَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِهَا لِزَيْدٍ قَبْلَهُ وَجُهِلَ التَّارِيخُ. أُقِرَّتْ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اهـ.

وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ تَارِيخَ الْبَيِّنَتَيْنِ لَمَّا انْبَهَمَ تَعَارَضَتَا فَتَسَاقَطَتَا وَبَقِيَ الْأَصْلُ الْمُحَقَّقُ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي وَضْعِ الْيَدِ أَنْ يَكُونَ بِحَقٍّ وَأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ حَتَّى يَثْبُتَ مَا يَرْفَعُهُ وَحِينَئِذٍ فَقِيَاسُ هَذَا فِي مَسْأَلَةِ أَبِي عَمْرٍو أَنْ يُقَالَ إنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ لَمَّا انْبَهَمَ تَارِيخُهُمَا تَعَارَضَتَا فَتَسَاقَطَتَا وَبَقِيَ الْأَصْلُ الْمُحَقَّقُ وَهُوَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ هَذَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْأَمْرِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي مِنْ تَقْدِيمِ الْبَيِّنَةِ النَّافِيَةِ إلَّا أَنَّ مَآلَ هَذَا وَذَيْنَك إلَى عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْمُدَّعِي وَبَرَاءَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَانْتَفَتْ الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِنْ حَيْثِيَّةٍ أُخْرَى كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُقَالُ لِأَبِي عَمْرٍو إمَّا أَنْ تَنْظُرَ إلَى أَنَّ لِإِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ مُرَجِّحًا فَهُوَ لِلنَّافِيَةِ فَقَطْ وَإِمَّا أَنْ تَنْظُرَ إلَى أَنْ لَا مُرَجِّحَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ يَقْتَضِي بَرَاءَةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَعَدَمَ ثُبُوتِ شَيْءٍ فِي جِهَتِهِ.

، وَأَمَّا دَعْوَى أَنَّ الْأَصْلَ شَغْلُ ذِمَّتِهِ وَأَنَّ هَذَا مُرَجِّحٌ لِلْبَيِّنَةِ الْمُثْبِتَةِ فَهَذَا مَحَلُّ النَّظَرِ وَالنِّزَاعِ؛ لِأَنَّا إنْ سَلَّمْنَاهُ قُلْنَا عَارَضَهُ أَصْلُ الْبَرَاءَةِ الْمُرَجِّحُ لِلنَّافِيَةِ وَإِنْ مَنَعْنَاهُ نَظَرًا إلَى مُعَارِضِهِ قُلْنَا فَيَتَسَاقَطَانِ وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ يَقْتَضِي بَرَاءَةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا تَقَرَّرَ وَمِنْهَا مَا أَفْتَى بِهِ أَبُو عَمْرٍو وَنَفْسُهُ فِيمَا إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ مَالِكَ هَذِهِ الدَّارِ رَهَنَهَا مِنْ فُلَانٍ وَأَقْبَضَهَا فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِمِائَةٍ مَثَلًا وَأَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِهَا سَنَةَ تِسْعٍ وَلَمْ يَذْكُرُوا شَهْرًا مِنْ أَنَّهُمَا يَتَعَارَضَانِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ صِحَّةَ الرَّهْنِ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ فَيَتَسَاقَطَانِ فَلَا يَثْبُتُ الرَّهْنُ وَلَا الْإِقْرَارُ. اهـ. فَكَمَا حُكِمَ بِالتَّعَارُضِ هُنَا وَلَمْ يُنْظَرْ إلَى أَنَّ الْبَيِّنَةَ الْمُثْبِتَةِ لِلرَّهْنِ تَحَقَّقَ بِهَا شُغْلُ الْعَيْنِ وَشَكَكْنَا فِي تَقَدُّمِ الْإِقْرَارِ الشَّاهِدِ بِهِ الْبَيِّنَةُ الْأُخْرَى وَتَأَخُّرِهِ عَنْهُ فَلَا يَسْقُطُ أَعْنِي الرَّهْنَ بِالِاحْتِمَالِ فَكَانَ قِيَاسُ

<<  <  ج: ص:  >  >>