للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَا قَالَهُ هُنَا مِنْ التَّعَارُضِ أَنْ يَقُولَ بِهِ فِي مَسْأَلَتِهِ السَّابِقَةِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ يَقُولُ فِي الْأُولَى بِتَقْدِيمِ الْمُثْبِتَةِ وَيَقُولُ هُنَا بِالتَّعَارُضِ فَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ أَيْ نَظَرٌ لِاسْتِوَاءِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَمَجِيءِ نَظِيرِ مَا عَلَّلَ بِهِ تِلْكَ فِي هَذِهِ حَرْفًا بِحَرْفٍ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مُتَأَمِّلٍ وَيَلْزَمُ مِنْ مَجِيءِ عِلَّتِهِ الَّتِي قَالَهَا، ثُمَّ هُنَا اسْتِوَاؤُهُمَا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ.

فَعُدُولُهُ عَنْهُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ مَعَ اتِّحَادِهِمَا فِي الْعِلَّةِ يَقْدَحُ فِيمَا قَالَهُ فِي تِلْكَ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْوَجْهَ نَظِيرُ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ مِنْ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ، ثُمَّ أَيْضًا وَبَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) (- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَنْ امْرَأَةٍ سَاكِنَةٍ فِي بَيْتٍ اسْتَأْجَرَهُ زَوْجُهَا قَالَ لَهَا الْمَالِكُ إنَّك وَجَدْت فِي الدَّارِ كِيسًا لِمُوَرِّثِنَا ضِمْنُهُ عَشْرَةُ آلَافِ دِينَارٍ فَأَجَابَتْ بِأَنَّهَا لَمْ تَجِدْ إلَّا أَلْفَ دِينَارٍ فَهَلْ هَذَا الْإِقْرَارُ مُعْتَبَرٌ فَيَلْزَمُهَا مَا أَقَرَّتْ بِهِ لِمَالِك الدَّارِ وَهَلْ يُقْبَلُ تَفْسِيرُهَا لِلدِّينَارِ بِغَيْرِ مَفْهُومِهِ الشَّرْعِيِّ وَهَلْ الْيَدُ عَلَى الدَّارِ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَمْ لِلْمَالِكِ وَهَلْ فِي ذَلِكَ إقْرَارٌ بِمَجْهُولٍ وَعَلَى تَقْدِيرِهِ فَمَا الَّذِي يَلْزَمُهَا وَهَلْ عَدَمُ تَعْيِينِهَا بِمَحَلٍّ مَخْصُوصٍ فِي الدَّارِ يُوجِبُ عَدَمَ اعْتِبَارِ مُؤَاخَذَتِهَا بِالْإِقْرَارِ.

وَهَلْ إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِصُورَةِ مَا أَقَرَّتْ بِهِ هَلْ الشَّهَادَةُ صَحِيحَةٌ أَمْ لَا وَإِذَا لَمْ يَسْتَفْسِرْهَا الْحَاكِمُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، ثُمَّ اسْتَفْسَرَهَا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ يُقْبَلُ تَفْسِيرُهَا أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِمَا صُورَتُهُ إنْ كَانَتْ صِيغَةُ إقْرَارِهَا لَمْ أَجِدْ لَهُ إلَّا أَلْفَ دِينَارٍ كَانَ إقْرَارًا مُعْتَبَرًا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَقُلْ لَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَغْوًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ قَالَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ فِي جَوَابِهِ خُذْهُ أَوْ لَسْت مُنْكِرًا أَوْ لَا أُنْكِرُ أَوْ قَالَ أَظُنُّ أَوْ أَحَسَب أَوْ أُقَدِّرُ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا لِاحْتِمَالِهِ غَيْرَ الْإِقْرَارِ أَيْضًا وَالْأَصْلُ فِي الْإِقْرَارِ الْعَمَلُ بِالْيَقِينِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.

قَالُوا وَلَوْ قَالَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ غَيْرَ عَشْرَةِ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا أَيْضًا وَلَوْ قَالَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ مَعَ مِائَةِ لَمْ تَجِبْ الْأَلْفُ وَلَا الْمِائَةُ فَهَذَا كُلُّهُ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته وَإِذَا قُلْنَا الْإِقْرَارُ صَحِيحٌ لَمْ يُقْبَلْ تَفْسِيرُهَا لِلدِّينَارِ بِغَيْرِ مَفْهُومِهِ الشَّرْعِيِّ إلَّا إنْ وَصَلْته بِهِ فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إقْرَارٌ بِمَجْهُولٍ وَالْيَدُ عَلَى الدَّفِينِ الَّذِي فِي الدَّارِ لِلْمُسْتَأْجِرِ بِاتِّفَاقِ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ إلَّا الْمُزَنِيَّ وَغَلَّطُوهُ بِأَنَّ الدَّارَ وَمَا فِيهَا فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ قَالُوا لَكِنَّ مَحَلَّ تَصْدِيقِ الْمُسْتَأْجِرِ إنْ اُحْتُمِلَ صِدْقُهُ وَلَوْ عَلَى بُعْدٍ فَأَمَّا إذَا لَمْ يُحْتَمَلْ لِكَوْنِ مِثْلِهِ لَا يُحْتَمَلُ دَفْنُهُ فِي مُدَّةِ يَدِهِ فَالْمُصَدَّقُ الْمَالِكُ بِلَا خِلَافٍ هَذَا كُلُّهُ إذَا وُجِدَ الدَّفِينُ وَالدَّارُ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ أَمَّا لَوْ وُجِدَ بَعْدَ عَوْدِهَا إلَى الْمَالِكِ فَإِنْ قَالَ الْمَالِكُ أَنَا دَفَنْته بَعْدَ عَوْدِ الدَّارِ إلَيَّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ بِشَرْطِ الْإِمْكَانِ وَإِنْ قَالَ كَانَ مَدْفُونًا قَبْلَ وَضْعِ الْمُسْتَأْجِرِ يَدَهُ صُدِّقَ الْمُسْتَأْجِرُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ اعْتَرَفَ بِحُصُولِ الْكَنْزِ فِي يَدِهِ فَيَدُهُ تَفْسَخُ الْيَدَ السَّابِقَةَ وَلِهَذَا لَوْ تَنَازَعَا قَبْلَ الرُّجُوعِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ أَيْ: الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا مَرَّ بِتَفْصِيلِهِ ذَكَرَ ذَلِكَ جَمِيعَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَكَذَا هُوَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَغَيْرِهِمَا وَإِذَا صَحَّ الْإِقْرَارُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ لَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يُعَيِّنَ مَحَلًّا مَخْصُوصًا مِنْ الدَّارِ وَعَلَى الْحَاكِمِ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَسَدَّدَهُ أَنْ يَنْظُرَ فِي اللَّفْظِ الَّذِي شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ وَيُحَرِّرَهُ وَيَحْكُمَ بِمُوجِبِهِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَغَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّرْ عِنْدَهُ لَفْظُ الشُّهُودِ بِالْإِقْرَارِ اسْتَعَادَ شَهَادَتَهُمْ وَرَتَّبَ عَلَيْهَا مُقْتَضَاهَا وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَيِّنَةِ حِينَئِذٍ ثَانِيًا كَمَا يُعْلَمُ بِالْأَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْغَزِّيِّ لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ تَعْلِيمُ الشَّاهِدِ كَيْفِيَّةَ الشَّهَادَةِ فَلَوْ فَعَلَ وَأَدَّى الشَّاهِدُ بِتَعْلِيمِهِ اُعْتُدَّ بِذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) هَلْ يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِقْرَارِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَمَّا تَعْلِيقُ الْإِقْرَارِ فَلَا يَصِحُّ كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ مَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّأْجِيلَ وَالْأَصَحُّ وَلَوْ قَالَ مُعْسِرٌ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ أَيْسَرْت فَإِنْ قَصَدَ التَّعْلِيقَ بَطَلَ أَوْ التَّأْجِيلَ صَحَّ وَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتِفْسَارُهُ صَحَّ عَلَى نِزَاعٍ فِيهِ.

(وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَمَّا إذَا أَقَرَّ شَخْصٌ لِآخَرَ فِي غَيْبَةِ الْمُقَرِّ لَهُ فَهَلْ يَمْلِكُهُ الْمُقَرُّ لَهُ أَمْ لَا بُدَّ أَنْ يَسْمَعَ مَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَنْ أَقَرَّ لِشَخْصٍ بِشَيْءٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ حَتَّى يَبْلُغَ الْخَبَرُ الْمُقَرَّ لَهُ وَيَرُدُّ الْإِقْرَارَ فَإِنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ عَدَمُ تَكْذِيبِ الْمُقَرِّ لَهُ فَإِنْ كَذَبَ بَطَلَ الْإِقْرَارُ وَإِلَّا صَحَّ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي مِلْكِهِ أَنْ يَسْمَعَ حَتَّى لَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>