يَبْلُغَهُ الْخَبَرُ مَلَّكَهُ وَرَثَتَهُ إنْ لَمْ تُكَذِّبْ الْمُقَرَّ لَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا كَانَ لِشَخْصٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ شَرْعِيٌّ بِمُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ ثَابِتٍ مَحْكُومٍ بِهِ فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ وَلَهُ عَقَارَاتٌ فَمَرِضَ مَرَضًا مَاتَ بِهِ فَأَقَرَّ فِي الْمَرَضِ الْمَذْكُورِ أَنَّ وَلَدَهُ فُلَانًا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْعَقَارَاتِ كَذَا وَابْنَتَهُ تَسْتَحِقُّ كَذَا وَفُلَانًا كَذَا إلَى أَنْ تَصَرَّفَ فِي جَمِيعِ الْعَقَارَاتِ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا يُوَفَّى بِهِ دَيْنُهُ وَمَاتَ فَهَلْ إقْرَارُ الْمَرِيضِ لِوَلَدِهِ بِعَقَارٍ هُوَ مَعْرُوفٌ بِهِ وَعَلَيْهِ الدَّيْنُ مَانِعٌ لِرَبِّ الدَّيْنِ مِنْ الْمُطَالَبَةِ عَلَى الْوَلَدِ إلَّا كَانَ حَيًّا أَمْ يُحْمَلُ عَلَى تَبَرُّعِ الْمَرِيضِ فِي الْمَرَضِ وَيَكُونُ وَصِيَّةً وَلَا يَسْرِي إلَّا فِي الثُّلُثِ وَلَا يُمْنَعُ رَبُّ الدَّيْنِ مِنْ الْمُطَالَبَةِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَنَّهُ مَلَّكَ وَارِثَهُ كَذَا وَقَالَ فِي عَيْنٍ عُرِفَ أَنَّهَا كَانَتْ لِلْمَرِيضِ هَذِهِ مِلْكٌ لِوَارِثِي فَلْيُنْزَلْ ذَلِكَ عَلَى حَالَةِ الْمَرَضِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى إقْرَارِ الْمُفْلِسِ بِدَيْنٍ مُطْلَقٍ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمَرِيضَةَ لَوْ أَقَرَّتْ بِإِبْرَاءِ زَوْجِهَا مِنْ الصَّدَاقِ يُنَزَّلُ عَلَى الْإِبْرَاءِ فِي الْمَرَضِ وَلَهُ نَظِيرٌ فِي إقْرَارِ الْوَالِدِ بِمِلْكٍ لِلِابْنِ إذَا لَمْ يُفَسِّرْهُ بِالْهِبَةِ وَالْكَلَامُ فِيهِ مَعْرُوفٌ. اهـ.
وَقَدْ اخْتَصَرَ الْبُلْقِينِيُّ كَلَامَ الْقَاضِي وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ فِي الْمَرَضِ أَنَّهَا أَبْرَأَتْ زَوْجَهَا مِنْ صَدَاقِهَا فَفِيهِ الْخِلَافُ فِيمَنْ أَقَرَّ فِي الْمَرَضِ بِأَنَّهُ وَهَبَ لِوَارِثِهِ فِي الصِّحَّةِ أَيْ وَالْأَصَحُّ مِنْهُ الْقَبُولُ ثَمَّ فَكَذَا هُنَا قَالَ وَلَوْ أَطْلَقَ الْمَرِيضُ الْإِقْرَارَ بِالْعِتْقِ حُمِلَ عَلَى عِتْقِهِ فِي الْمَرَضِ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِهِبَةِ عَيْنٍ مُطْلَقًا حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ وَهَبَهَا فِي الْمَرَضِ وَيُحْسَبُ مِنْ ثُلُثِهِ وَلَوْ أَطْلَقَتْ الْمَرِيضَةُ أَنَّهَا أَبْرَأَتْ زَوْجَهَا مِنْ صَدَاقِهَا حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ فِي الْمَرَضِ فَلَا يَصِحُّ أَيْ إنْ لَمْ يُجِزْهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ. اهـ. وَالرَّاجِحُ فِي النَّظِيرِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ عِنْدَ النَّوَوِيِّ وَغَيْرِهِ كَابْنِ الصَّلَاحِ وَالْهَرَوِيِّ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ أَيْ: تَنْزِيلًا عَلَى أَضْعَفِ الْمِلْكَيْنِ وَأَدْنَى السَّبَبَيْنِ وَهُوَ أَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا مَلَكَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ أَنَّ الْأَبَ وَهَبَهُ لَهُ فَكَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا يُنَزَّلُ الْإِقْرَارُ عَلَى الْأَضْعَفِ وَهُوَ وُقُوعُ التَّمْلِيكِ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ حَتَّى يَكُونَ تَبَرُّعًا وَلِلدَّائِنِ رَدُّ التَّبَرُّعِ مَحْسُوبًا مِنْ الثُّلُثِ إنْ كَانَ لِغَيْرِ وَارِثٍ وَإِلَّا وُقِفَ عَلَى إجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى مَا ذُكِرَ عَنْ الْقَاضِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّهُ رَجَّحَ فِي النَّظِيرِ الْمَذْكُورِ مُقَابِلَ مَا مَرَّ عَنْ النَّوَوِيِّ وَغَيْرِهِ فِيهِ فَقَالَ فِي تَعْلِيقِهِ لَوْ أَقَرَّ بِأَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ مِلْكُ ابْنِي وَهِيَ فِي يَدِي أَمَانَةٌ مَثَلًا ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ كَانَ لَهُ مَثَلًا ثُمَّ وَهَبَهُ لَهُ مَثَلًا ثُمَّ رَجَعَ فِيهِ وَكَذَّبَهُ الْوَلَدُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلَدِ. اهـ.
وَرَجَّحَ هَذَا فِي فَتَاوِيهِ فَقَالَ إنَّهُ الظَّاهِرُ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ يُتَوَهَّمُ بَيْنَ كَلَامَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ تَنَافٍ وَلَا تَنَافِيَ لِظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأُولَى تَأَخُّرُ الْإِقْرَارِ إلَى حَالَةِ الْمَرَضِ فَاعْتَضَدَتْ دَعْوَى وُقُوعِهِ فِيهِ بِذَلِكَ الْأَصْلِ فَقُبِلَتْ وَالْأَصْلُ فِي النَّظِيرِ الْمَذْكُورِ بَقَاءُ مِلْكِ الِابْنِ فَاعْتَضَدَتْ دَعْوَاهُ تَكْذِيبَ الْوَالِدِ بِذَلِكَ الْأَصْلِ فَصُدِّقَ دُونَ الْوَالِدِ؛ لِأَنَّا تَحَقَّقْنَا مِلْكَهُ وَشَكَكْنَا فِي السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لِرَفْعِهِ وَهُوَ الْهِبَةُ فَلَمْ يُصَدَّقْ مُدَّعِيهَا وَهَذَا وَإِنْ دَفَعَ التَّنَاقُضَ عَنْ الْقَاضِي إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي اعْتِمَادَ مَا قَالَهُ فِي النَّظِيرِ الْمَذْكُورِ لِمَا مَرَّ مِنْ رَدِّهِ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ يُنَزَّلُ عَلَى أَقَلِّ السَّبَبَيْنِ وَأَضْعَفِهِمَا وَمِنْ ثَمَّ لَمَّا نَقَلَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ الْعَبَّادِيِّ مُوَافَقَةَ الْقَاضِي هُنَا مُتَمَسِّكًا بِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمِلْكِ رَدَّهُ بِأَنَّا نَتَمَسَّكُ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ الْمُطْلَقَ مُنَزَّلٌ عَلَى أَقَلِّ السَّبَبَيْنِ وَأَضْعَفِهِمَا كَمَا يُنَزَّلُ عَلَى أَقَلِّ الْمِقْدَارَيْنِ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ الْقَدِيمِ وَهَذَا الْأَصْلُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي تَمَسَّكَ بِهِ الْعَبَّادِيُّ فَكَانَ الْأَخْذُ بِهِ أَوْلَى وَلَا يَرُدُّ هَذَا أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ مُطْلَقًا، ثُمَّ فَسَّرَ بِثَمَنٍ مَبِيعٍ لَمْ يَقْبِضْهُ أَوْ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ الْمُطَالَبَةَ وَالْإِلْزَامَ فِي الْحَالِ فَهُوَ مُنَاقِضٌ لِمُوجِبِ قَوْلِهِ عَلَيَّ نَعَمْ يُشْكِلُ عَلَى مَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَوْلُ النَّوَوِيِّ لَوْ وَهَبَ وَأَقْبَضَ وَمَاتَ وَادَّعَى الْوَارِثُ كَوْنَ ذَلِكَ فِي الْمَرَضِ وَادَّعَى الْمُتَّهَبُ كَوْنَهُ فِي الصِّحَّةِ فَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُتَّهَبِ. اهـ.
وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْهِبَةِ مَعَ الْقَبْضِ أَنْ تَكُونَ مُسْتَلْزِمَةً لِمِلْكِ الْمُتَّهَبِ فَادِّعَاءُ الْوَارِثِ وُقُوعَهَا فِي الْمَرَضِ فِيهِ مُعَارَضَةٌ لِهَذَا الْأَصْلِ وَرَفْعٌ لَهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ رَفْعِهِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute