فِي أَرْضٍ صَالِحَةٍ لِلزَّرْعِ وَالْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ أَجَرْتُك لِتَزْرَعَ أَوْ تَغْرِسَ لَمْ يَصِحَّ مَا وَجْهُهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ وَجْهُهُ أَنَّ أَوْ لِلتَّرْدِيدِ فَلَيْسَ فِيهِ الْإِذْنُ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ نَعَمْ إنْ نَوَى بِهَا التَّخْيِيرَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ إلَّا شِئْت فَازْرَعْ وَإِنْ شِئْت فَاغْرِسْ صَحَّ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ مَا شَاءَ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْمَنْفَعَتَيْنِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّرْدِيدِ بِأَنَّ التَّرْدِيدَ فِيهِ إبْهَامٌ مُطْلَقٌ لَا يُرْجَى تَعْيِينُهُ مِنْ غَيْرِ الْمُؤَجِّرِ بِخِلَافِ التَّخْيِيرِ فَإِنَّ الْأَمْرَ مُعَلَّقٌ بِمَا يَخْتَارُهُ الْمُسْتَأْجِرُ وَمَا يَخْتَارُهُ مُعَيَّنٌ فَلَوْ أَطْلَقَ فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى التَّرْدِيدِ فَتَبْطُلُ أَوْ عَلَى التَّخْيِيرِ فَتَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ الصِّحَّةُ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَلَعَلَّ الْأَقْرَبَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ وَضْعَ أَوْ فِي مِثْلِ ذَلِكَ إلَى التَّرْدِيدِ أَمَيْلُ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْأَصْلُ فِي الْعُقُودِ الصِّحَّةَ حَيْثُ لَمْ يَقْوَ ظُهُورُ وَجْهِ الْمُبْطِلِ، ثُمَّ رَأَيْت عَنْ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَفْعَلُ أَيَّهُمَا شَاءَ صَحَّ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته وَلَوْ قَالَ لِتَغْرِسَ أَوْ لِتَبْنِيَ وَأَطْلَقَ صَحَّ وَغَرَسَ وَبَنَى مَا شَاءَ لِتَقَارُبِ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ نَعَمْ إنْ أَجَرَ عَنْ غَيْرِهِ بِوِلَايَةٍ أَوْ نِيَابَةٍ لَمْ يَكْفِ الْإِطْلَاقُ لِوُجُوبِ الِاحْتِيَاطِ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَجَرَ عَبْدَهُ مُدَّةً مَثَلًا ثُمَّ أَعْتَقَهُ فِي أَثْنَائِهَا مَثَلًا ثُمَّ رَأَى الْمُسْتَأْجِرُ فِيهِ عَيْبًا وَفَسَخَ بِهِ فَهَلْ تَرْجِعُ الْمَنَافِعُ لِلْعَبْدِ أَوْ لِسَيِّدِهِ وَهَلْ قِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ أَجَرَ دَارِهِ، ثُمَّ وَقَفَهَا، ثُمَّ رَأَى الْمُسْتَأْجِرُ بِهَا عَيْبًا وَفَسَخَ بِهِ أَنْ تَرْجِعَ مَنَافِعُهَا لِلْوَاقِفِ أَوْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْمَنَافِعَ تَرْجِعُ لِلْعَبْدِ لَا لِسَيِّدِهِ وَعَلَيْهِ فَهَلْ يَرْجِعُ الْمُسْتَأْجِرُ بِحِصَّةِ مَا يَخُصُّ بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ عَلَى الْعَبْدِ لِرُجُوعِ الْمَنَافِعِ لَهُ أَوْ عَلَى السَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ الْمُؤَجِّرُ الْقَابِضُ لِلْمُسَمَّى كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَلَعَلَّ الْأَقْرَبَ الثَّانِي وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَنَافِعَ تَرْجِعُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لَا لِلْوَاقِفِ لِخُرُوجِ الدَّارِ بِوَقْفِهِ عَنْ رُجُوعِ مَنَافِعِهَا إلَيْهِ بِوَجْهٍ وَأَنَّ حِصَّةَ بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ يَرْجِعُ بِهَا الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْوَاقِفِ دُونَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُؤَجِّرُ الَّذِي قَبَضَ الْمُسَمَّى.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَجَرَ دَارًا فِيهَا صِهْرِيجٌ لِمُدَّةِ سَنَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الصِّهْرِيجَ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ فَهَلْ يَدْخُلُ الصِّهْرِيجُ فِي الدَّارِ فَيَنْتَفِعُ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ تَبَعًا لِلدَّارِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ جَرَتْ الْعَادَةُ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ بِإِفْرَادِ الصِّهْرِيجِ عَنْ الدَّارِ بِالْإِجَارَةِ لِكَثْرَةِ مَنَافِعِهِ لَمْ يَدْخُلْ وَإِلَّا دَخَلَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ يَدْخُلُ الشُّرْبُ فِي اسْتِئْجَارِهِ الْأَرْضَ إنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِاسْتِئْجَارِهَا مَعَهُ وَمَا أَفْتَى بِهِ الْإِمَامُ الْأَصْبَحِيُّ مِنْ أَنَّهُ إذَا اكْتَرَى دَارًا وَفِيهَا مَدَافِنُ لِلْحَبِّ وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ فِي بِلَادِ مِصْرَ بِالْمَطَامِيرِ.
فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي بَلَدٍ يُتَعَارَفُ فِيهَا أَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ الدَّارَ لِلسُّكْنَى تَرَكَ الْحَبَّ فِي الْمَدَافِنِ دَخَلَتْ فِيهِ إذْ هُوَ الْمُتَعَارَفُ وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ الْعُرْفُ إفْرَادُهَا بِالْإِجَارَةِ لِكَثْرَةِ مَنْفَعَتِهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي ذَلِكَ. اهـ. فَإِنْ قُلْت قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ دُخُولُ الْبِئْرِ فِي الدَّارِ مُطْلَقًا قُلْت إنَّمَا أَطْلَقُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا بَلْ الْمُطَّرِدَ أَنَّهَا لَا تُفْرَدُ عَنْ الدَّارِ بِإِجَارَةٍ فَإِنْ فُرِضَ ذَلِكَ وَاعْتِيدَ فِي بَلَدٍ لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يُقَالَ فِيهَا بِعَدَمِ الدُّخُولِ فَإِنْ قُلْت صَرَّحُوا فِي بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ أَنَّ نَحْوَ بَيْعِ الْأَرْضِ وَالسَّاحَةِ وَالْبُقْعَةِ وَنَحْوِهَا يَتَنَاوَلُ مَا فِيهَا مِنْ شَجَرٍ وَبِنَاءٍ بِخِلَافِ نَحْوِ رَهْنِهَا وَفَرَّقُوا بِأَنَّ نَحْوَ الْبَيْعِ قَوِيٌّ يَسْتَتْبِعُ الْمِلْكَ بِخِلَافِ نَحْوِ الرَّهْنِ وَأَخَذَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُ عَدَمَ دُخُولِهِمَا فِي الْإِجَارَةِ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ عَدَمُ دُخُولِ الصِّهْرِيجِ الْمَذْكُورِ مُطْلَقًا قُلْت الْفَرْقُ بَيْنَ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ وَالصِّهْرِيجِ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ فِي مُسَمَّى الِانْتِفَاعِ بِالدَّارِ يَدْخُلُ حَيْثُ لَمْ تَطَّرِدْ الْعَادَةُ بِعَدَمِ دُخُولِهِ فِيهَا بِخِلَافِهِمَا فَإِنَّهُمَا غَيْرُ دَاخِلَيْنِ فِي مُسَمَّى الِانْتِفَاعِ بِهَا فَلَمْ يَدْخُلَا وَهَلْ مَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ مِنْ حَجَرِ الرَّحَى الْأَسْفَلِ وَالْأَعْلَى وَالرُّفُوفِ وَالسَّلَالِمِ وَغَيْرِهَا يَدْخُلُ فِي إجَارَتِهَا أَوْ لَا قَضِيَّةٌ أَخَذَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمَذْكُورُ عَدَمَ الدُّخُولِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّ كُلَّ مَا دَخَلَ فِي بَيْعِهَا وَكَانَ مِنْ مُتَمِّمَاتِ السُّكْنَى وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِإِفْرَادِهِ عَنْهَا بِإِجَارَةٍ خَاصَّةٍ يَدْخُلُ فِي إجَارَتِهَا وَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَدْخُلُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا قَالَ الْوَاقِفُ فُلَانٌ نَاظِرٌ عَلَى وَقْفِي هَذَا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ أَوْ قَالَ نَاظِرٌ مُدَّةَ حَيَاتِهِ فَقَطْ وَلَمْ يَذْكُرْ عَلَى حِصَّتِهِ إذَا كَانَ مُسْتَحِقًّا هَلْ يَكُونُ قَوْلُهُ هَذَا نَظَرٌ عَامٌّ مُنْسَحِبٌ عَلَى سَائِرِ الْبُطُونِ حَتَّى لَوْ أَجَرَ الْوَقْفَ مُدَّةً بِشَرْطِهِ لَمْ تَنْفَسِخْ بَعْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute