وَالْأَذْرَعِيِّ كَمَا عَلِمْت، الثَّانِي: أَنَّ نَصَّ الْوَاقِفِ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لِلسُّكْنَى أَوْ الزَّرْعِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ تَرْجِيحُ السُّبْكِيّ وَالْأَوَّلُ إنْ أَطْلَقَ أَوْ ذَكَرَ أَنَّهُ يَعْمَلُ فِيهَا بِالْمَصْلَحَةِ أَوْ يَنْتَفِعُ بِهَا بِجَمِيعِ الِانْتِفَاعَاتِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ تَرْجِيحُ الْأَذْرَعِيِّ وَفِي الْخَادِمِ قَالَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي: لَا يَجُوزُ جَعْلُ الْأَرْضِ الْقَرَاحِ دَارًا وَلَا بُسْتَانًا، فَإِنْ فَعَلَ وَجَبَ رَدُّهُ إلَى مَا كَانَ قَالَ الْقَاضِي: وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَعَدَّى ذَلِكَ إلَى مَا لَوْ خَرِبَ وَعَمَّرَهُ وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْأَرْضَ الْمُحْكَرَةَ إذَا خَرِبَ بِنَاؤُهَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَبْنِي عَلَيْهَا إلَّا نَظِيرَ مَا كَانَ اهـ. إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ كُلُّهُ عُلِمَ أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ الْمَذْكُورِ فِي السُّؤَالِ مِنْ زِيَادَةِ مَرَافِقَ وَمَسَاكِنَ لَيْسَ فِيهِ تَغْيِيرٌ مُمْتَنِعٌ فَلَا مَحْذُورَ عَلَيْهِ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَحْذُورٌ مِنْ جِهَاتٍ أُخْرَى كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي. الثَّانِي: مَا أَشَارَ إلَيْهِ السَّائِلُ مِنْ هَدْمِ الْمُسْتَأْجِرِ وَبِنَائِهِ وَأَنَّهُ هَلْ يَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ؟ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَا يَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ أَوْ النَّاظِرِ، وَأَمَّا بِغَيْرِ إذْنِهِمَا فَهُوَ مُتَعَدٍّ فَيَلْزَمُهُ التَّعْزِيرُ وَأَرْشُ مَا هَدَمَهُ بِأَنْ يَقُومَ قَائِمًا مَبْنِيًّا ثُمَّ مُنْهَدِمًا وَيَنْظُرَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّفَاوُتِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ لِيُصْرَفَ فِي جِهَةِ الْوَقْفِ، الثَّالِثُ: مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ إذَا عَمَّرَ فِي الْوَقْفِ هَلْ يَرْجِعُ بِأَنْقَاضِهِ أَوْ بَدَلِهَا أَوْ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا؟ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ
وَإِنْ انْهَدَمَ مَا عَمَّرَهُ وَتَمَيَّزَتْ أَنْقَاضُهُ وَجَوَابُهُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلًا وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِمَّا صَرَفَهُ بِغَيْرِ إذْنِ النَّاظِرِ وَالْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا عَمَّرَ لِامْتِنَاعِ النَّاظِرِ مِنْ الْعِمَارَةِ، نَعَمْ إنْ عُدِمَا أَعْنِي النَّاظِرُ وَالْحَاكِمُ أَوْ غَابَا وَاضْطُرَّ إلَى الْعِمَارَةِ فَعَمَّرَ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ، رَجَعَ فِيمَا يَظْهَرُ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي هَرَبِ الْجَمَّالِ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا مَا صَرَفَهُ بِإِذْنِ أَحَدِهِمَا السَّائِغُ فَيَرْجِعُ بِهِ، وَحَيْثُ قُلْنَا لَا رُجُوعَ لَهُ بِمَا صَرَفَهُ فَهَلْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ أَعْيَانُ مَا لَهُ مِنْ خَشَبٍ وَحَجَرٍ وَغَيْرِهِمَا فَلَا رُجُوعَ لَهُ فِيهَا أَيْضًا، وَإِنْ انْهَدَمَتْ وَتَمَيَّزَتْ عَنْ الْوَقْفِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ أَوْ هِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ، وَإِنْ كَانَتْ مَبْنِيَّةً فِي الْوَقْفِ مُخْتَلِطَةً بِأَنْقَاضِهِ؟ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي كَلَامِهِمْ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ فِيهِ أَيْضًا مَا يَدُلُّ لِلْأَوَّلِ كَمَا سَتَعْلَمُهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَعْيَانِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَصَارِيفِ كَأَجْرِ الْبَنَّائِينَ وَنَحْوِهِمْ أَنَّ تِلْكَ الْأُجَرَ أَخْرَجَهَا مِنْ يَدِهِ إلَى غَيْرِهِ آذِنًا لَهُمْ فِي إتْلَافِهَا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ بِهَا عَلَيْهِمْ بِهَذَا الْإِذْنِ وَلَا عَلَى الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُتَبَرِّعِ بِهَا، وَأَمَّا الْأَعْيَانُ الْبَاقِيَةُ فَهِيَ لَا تَخْرُج عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِلَفْظٍ وَلَمْ يُوجَدْ. وَمِمَّا يَدُلُّ لِمَا قُلْته أَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي كَلَامِهِمْ الثَّانِي قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيِّ وَأَقَرَّهُمَا ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْقَمُولِيُّ وَالسُّبْكِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ الْفَارِقِيّ إذَا بَنَى مَسْجِدًا فِي مَوَاتٍ صَارَ مَسْجِدًا بِالْبِنَاءِ وَالنِّيَّةِ، وَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ الْآلَةِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهَا فِي مَوْضِعِهَا وَهِيَ قَبْلَهُ عَلَى مِلْكِهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ: إنَّهَا لِلْمَسْجِدِ فَتَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ وَلَوْ بَنِي بَعْضَهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى إتْمَامِهِ وَلَوْ سَقَطَ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَضْمَنْهُ، سَوَاءٌ أَذِنَ الْإِمَامُ أَمْ لَا.
قَالَ الْقَمُولِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ وَفِي قَوْلِهِ تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِقَوْلِهِ إنَّهَا لِلْمَسْجِدِ نَظَرٌ، وَيَنْبَغِي تَوَقُّفُهُ عَلَى قَبُولِ مَنْ لَهُ النَّظَرُ وَقَبْضُهُ اهـ. وَلَمْ يُنَازِعَاهُ فِي أَنَّ قَوْلَهُ: إنَّهَا لِلْمَسْجِدِ يُفِيدُ التَّمْلِيكَ حَتَّى يَحْتَاجَ لِلْقَبُولِ مَعَ قَبُولِهِ لِلْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا إقْرَارٌ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولٍ أَوْ كِنَايَةِ هِبَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّتِهَا، وَجَوَابُهُ أَنَّهُمْ فَهِمُوا مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ كِنَايَةُ هِبَةٍ وَأَنَّهُ نَوَاهَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْبُقْعَةَ تَقْدِيرًا وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي الْبِئْرِ الْمَحْفُورَةِ فِي الْمَوَاتِ لِلسَّبِيلِ وَمَا يَحْيَى بِقَصْدِ تَسْبِيلِهِ مَقْبَرَةً، وَنَحْوُ ذَلِكَ قُلْته تَخْرِيجًا اهـ. وَوَجْه السُّبْكِيّ خُرُوجُ هَذِهِ الصُّورَةِ عَنْ نَظَائِرِهَا الْمُتَوَقَّفِ وُجُودِ الْوَقْفِ فِيهَا عَلَى اللَّفْظِ وَلَا تُغْنِي عَنْهُ النِّيَّةُ بِأَنَّ الْمَوَاتَ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ مَنْ أَحْيَاهُ مَسْجِدًا، وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ إلَى اللَّفْظِ لِإِخْرَاجِ مَا كَانَ فِي مِلْكِهِ عَنْهُ وَصَارَ لِلْبِنَاءِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ تَبَعًا اهـ.
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ بَنِي فِي الْمَوَاتِ وَنِيَّتُهُ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ جِهَةٍ كَانَتْ وَقْفًا بِالْبِنَاءِ وَالنِّيَّةِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ كَالْبُلْقِينِيِّ وَالْإِسْنَوِيِّ مِنْ إجْرَاءِ مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْمَدَارِسِ وَالرُّبَطِ وَالْبِئْرِ الْمَحْفُورَةِ فِي الْمَوَاتِ لِلسَّبِيلِ وَالْمَقْبَرَةِ الْمُحْيَاةِ فِي الْمَوَاتِ وَغَيْرِهَا أَخْذًا مِنْ كَلَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute