للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْإِسْنَوِيُّ فَقَالَ: كَيْف يَخْرُجُ الْمَغْرُوسُ عَنْ مِلْكِ الْغَارِسِ بِلَا لَفْظٍ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَوْ بَنَى مَسْجِدًا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ بِالْقَصْدِ أَيْ: فِي غَيْرِ الْمَوَاتِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اللَّفْظِ وَأَجَابَ عَنْهُ الْأَذْرَعِيُّ بِمَا لَا يَشْفِي فَقَالَ: الْقَرِينَةُ الظَّاهِرَةُ قَدْ يَكْتَفِي بِهَا هُنَا، وَالنَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَخْتَارُ جَوَازَ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ لِمُعَاطَاةٍ فَلَا يَبْعُدُ الْقَوْلُ بِالِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ هُنَا إذَا جَوَّزْنَا الْغَرْسَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِذَلِكَ إلَّا التَّبَرُّعَ لِلْمَسْجِدِ وَالْمُسْلِمِينَ الْمُصَلِّينَ بِالِاسْتِظْلَالِ، وَلَا خَفَاءَ أَنَّ مَنْ وَضَعَ خَابِيَةً عَلَى الطَّرِيقِ وَكِيزَانًا أَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ التَّسْبِيلَ لِلْمَاءِ بِحُكْمِ الْعَادَةِ اهـ.

وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الِاكْتِفَاءُ بِالْقَرِينَةِ الظَّاهِرَةِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِجَوَازِ الْأَكْلِ مَعَ جَهْلِ نِيَّةِ الْغَارِسِ وَلَا كَلَامَ لَنَا فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَلَامُنَا فِي أَنَّا لَوْ تَحَقَّقْنَا أَنَّهُ غَرَسَهَا بِنِيَّةِ التَّسْبِيلِ لِلْأَكْلِ خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَجَازَ الْأَكْلُ مِنْ ثَمَرِهَا بِلَا عِوَضٍ وَبِهَذَا يَظْهَرُ انْدِفَاعُ قَوْلِهِ: وَالنَّوَوِيُّ يَخْتَارُ إلَخْ وَأَيُّ جَامِعٍ بَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَبَيْنَ الْمُعَاطَاةِ؛ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا فِي الْمُعَاطَاةِ: إنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَهِيَ لَا تُشْبِهُ مَسْأَلَتَنَا بِوَجْهٍ. وَإِنَّ قُلْنَا: إنَّهُ يُكْتَفَى فِيهَا بِالْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ مَعَ السُّكُوتِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ تَحْكِيمًا لِلْقَرِينَةِ فَفِيهِ نَوْعُ شَبَهٍ بِمَسْأَلَتِنَا، لَكِنَّ الْقَوْلَ بِجَوَازِ الْمُعَاطَاةِ ضَعِيفٌ فِي الْمَذْهَبِ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِنَادُ إلَيْهِ فِي الْإِشْكَالِ الْوَارِدِ عَلَى الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ هُنَا مِنْ اللَّفْظِ.

وَقَوْلُهُ وَلَا خَفَاءَ إلَخْ لَا دَلِيلَ فِيهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ مُجَوِّزَةٌ لِلشُّرْبِ، وَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ نَظِيرُ مَا سَبَقَ آنِفًا مِنْ الْقَرِينَةِ الظَّاهِرَةِ، وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ فِي الْجَوَابِ عَنْ اكْتِفَائِهِمْ بِالنِّيَّةِ فِي نَحْوِ الْغَرْسِ لِلتَّسْبِيلِ أَنَّهُمْ سَامَحُوا فِي الْمَأْكُولَاتِ وَالْمَشْرُوبَاتِ لِغَلَبَةِ وُقُوعِ الْمُسَامَحَةِ مِنْ النَّاسِ فِي جِنْسِهَا بِمَا لَمْ يُسَامِحُوا بِهِ فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ لِغَلَبَةِ وُقُوعِ الْمُشَاحَّةِ فِيهَا فَاكْتَفَوْا فِي خُرُوجِ الْأُولَى عَنْ الْمِلْكِ بِالنِّيَّةِ وَاشْتَرَطُوا لِخُرُوجِ الثَّانِيَةِ عَنْ مِلْكِ اللَّفْظِ، وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَا بَنَاهُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الْأَنْقَاضِ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَطَلَبِهِ فَالظَّاهِرُ كَمَا يَأْتِي أَنَّا نُمَكِّنُهُ مِنْ أَخْذِهِ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَغْرَمَ أَرْشَ مَا هَدَمَهُ مِنْ بِنَاءِ الْوَقْفِ لِيُعَادَ الْوَقْفُ بِذَلِكَ الْأَرْشِ كَمَا كَانَ، فَإِنْ كَانَ مَا يُرِيدُ هَدْمَهُ هُوَ الَّذِي عَمَّرَهُ كُلَّهُ مِنْ مَالِهِ مُتَعَدِّيًا فَلَا أَرْشَ عَلَيْهِ لِلْهَدْمِ. الرَّابِعُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ السَّائِلُ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ مِنْ أَنَّهُ يُجْبَرُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى هَدْمِ الْأَنْقَاضِ الْقَدِيمَةِ وَالْحَادِثَةِ وَعَلَى عَوْدِ الْوَقْفِ عَلَى هَيْئَتِهِ إلَخْ.

وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْهَدْمِ إلَّا إذَا طَلَبَ أَنْقَاضَهُ فَحِينَئِذٍ يُمَكَّنُ مِنْهُ بِشَرْطِ غُرْمِهِ لِلْأَرْشِ هَذَا إنْ لَمْ يُغَيِّرْ هَيْئَةَ الْوَقْفِ الْمُمْتَنِعِ وَإِلَّا أُجْبِرَ عَلَى هَدْمِ جَمِيعِ مَا حَصَلَ بِهِ بِذَلِكَ التَّغَيُّرِ وَأَخَذَ مِنْهُ أَرْشَهُ وَيَلْزَمُ النَّاظِرَ رَدُّهُ بِهِ إلَى مَا كَانَ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَقَدَّمْته عَنْهُمَا فِي أَوَاخِرِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ. الْخَامِسُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ إذَا بَنَى مُتَعَدِّيًا وَاخْتَلَطَتْ أَنْقَاضُهُ بِأَنْقَاضِ الْوَقْف وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ وَطَلَبَ أَخْذَ أَنْقَاضِهِ فَهَلْ يُجَابُ إلَى الْهَدْمِ ثُمَّ يَجْتَهِدُ وَيَأْخُذُ أَنْقَاضَهُ وَيَغْرَمُ أَرْشَ الْهَدْمِ أَوْ لَا؟ يُجَابُ إلَيْهِ وَيُجْبَرُ عَلَى تَعْيِينِ قِيمَةٍ أَوْ مِثْلِ أَنْقَاضِهِ وَيَأْخُذُهَا مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ صِيَانَةً لِلْوَقْفِ عَنْ الْهَدْمِ أَوْ يَمْلِكُ الْكُلَّ وَيَلْزَمُهُ الْبَدَلُ؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ ثُمَّ رَأَيْتنِي سَبَقَ مِنِّي فِي جَوَابِ سُؤَالٍ قَرِيبٍ مِنْ ذَلِكَ أَنِّي قُلْت:

وَإِذَا تَعَدَّى الْمُسْتَأْجِر بِخَلْطِ أَنْقَاضِهِ بِأَنْقَاضِ الْوَقْفِ وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ فَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُمَلَّكُ أَنْقَاضَ الْوَقْفِ وَيَلْزَمُهُ بَدَلُهَا مِنْ مِثْلٍ فِي الْمِثْلِيِّ وَقِيمَةٍ فِي الْمُتَقَوِّمِ فَإِنْ اخْتَلَطَتْ بِلَا تَعَدٍّ صَارَتْ شَرِكَةً بَيْنَهُمَا اهـ. وَأَصْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: لَوْ خَلَطَ الْمَغْصُوبَ مِنْ وَاحِدٍ وَكَذَا مِنْ اثْنَيْنِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَاعْتَمَدَهُ غَيْرُهُ، لَكِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْمَعْرُوفُ عِنْد الشَّافِعِيَّةِ وَأَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ كَالْهَالِكِ فَلَا يَمْلِكُهُ بِمَالِهِ وَتَعَذَّرَ تَمْيِيزُهُ كَانَ كَالْهَالِكِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ رَدُّهُ أَبَدًا أَشْبَهَ التَّالِفَ؛ وَلِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ مُشْتَرَكًا احْتَجْنَا لِلْبَيْعِ وَقِسْمَةِ الثَّمَنِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَلَا يَصِلُ الْمَالِكُ لِعَيْنِ حَقِّهِ وَلَا لِمِثْلِهِ.

وَالْمِثْلُ أَقْرَبُ إلَى حَقِّهِ مِنْ الثَّمَنِ فَانْتَقَلَ إلَى ذِمَّتِهِ وَمِلْكُ الْمَغْصُوبِ الَّذِي خَلَطَهُ بِمِلْكِهِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لَهُ، وَلِهَذَا لَا يَتَصَرَّفُ فِي الْمَغْصُوبِ إلَّا بَعْدَ إعْطَاءِ مَالِكِهِ مِثْلَ الْمَغْصُوبِ وَبِقَوْلِنَا بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لَهُ فَارَقَ هَذَا مَا مَرَّ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرِهِ فِيمَا لَوْ غَصَبَ مَالَ اثْنَيْنِ وَخَلَطَهُ وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذُكِرَ بَيْنَ خَلْطِ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ وَلَهُ دَفْعُ الْبَدَلِ مِنْ غَيْرِ الْمَخْلُوطِ وَكَذَا مِنْهُ إنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>