للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَانَ كَالْمَغْصُوبِ أَوْ أَجْوَدَ لَا دُونَهُ إلَّا بِرِضَا الْمُسْتَحِقِّ. وَقَوْلُهُمْ: لَوْ انْصَبَّ زَيْتُ رَجُلٍ عَلَى زَيْتِ غَيْرِهِ أَوْ خَلَطَاهُ اشْتَرَكَا فِيهِ لِعَدَمِ التَّعَدِّي فَإِنْ تَمَاثَلَا اقْتَسَمَاهُ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَجْوَدَ فَأَعْطَى صَاحِبُ الْأَجْوَدِ شَرِيكَهُ قَدْرَ مِلْكِهِ مِنْ الْمَخْلُوطِ وَجَبَ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُ عَيْنُ حَقِّهِ.

وَبَعْضَهُ خَيْرٌ مِنْهُ وَلِصَاحِبِ الْأَجْوَدِ قَبُولُ قَدْرِ حَقِّهِ مِنْهُ فَإِنْ أَبَى بِيعَ الْكُلُّ وَتَقَاسَمَا الثَّمَنَ بِنِسْبَةِ الْقِيمَةِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُمَا قِسْمَةُ الْمَخْلُوطِ بِنِسْبَتِهَا لِلتَّفَاضُلِ فِي الْكَيْلِ وَنَحْوِهِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمِلْكَيْنِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ مَنْ انْصَبَّ عَلَى مَالِهِ اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ أَوْ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَغْصُوبُ وَقْفًا وَأَنْ يَكُونَ مِلْكًا. وَيُؤَيِّدُهُ تَعْلِيلُهُمْ الْمِلْكَ بِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ رَدُّهُ أَبَدًا أَشْبَهَ التَّالِفَ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ إذَا خَلَطَ آلَاتِهِ بِأَنْقَاضِ الْوَقْفِ وَبَنَى بِالْجَمِيعِ وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ كَانَ الْكُلُّ مِلْكَهُ وَحِينَئِذٍ فَلَهُ هَدْمُهُ وَأَخْذُهُ بَلْ يُجْبَرُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَتْرُكْهُ لِجِهَةِ الْوَقْفِ إذْ يَلْزَمُ نَاظِرَهُ حِينَئِذٍ قَبُولُهُ مِنْهُ حَيْثُ لَا ضَرَرَ يَعُودُ مِنْهُ عَلَى الْوَقْفِ ثُمَّ يَغْرَمُ لِلْوَقْفِ بَدَلَ أَنْقَاضِهِ، ثُمَّ إنْ كَانَ هَدَمَهَا لَزِمَهُ أَرْشُهَا أَيْضًا، وَيَصْرِفُ النَّاظِرُ ذَلِكَ فِي بِنَاءٍ مِثْلِ الْمَهْدُومِ.

وَتَلْزَمُهُ أَيْضًا الْأُجْرَةُ لِمُدَّةِ بَقَاءِ مِلْكِهِ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ بِتَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ مَلَكَ الْكُلَّ فَهُوَ مِنْ يَوْمئِذٍ مُسْتَعْمِلٌ لِأَرْضِ الْوَقْفِ فِي مِلْكِهِ فَيَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مُدَّةِ بَقَائِهِ فِيهَا وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا تَسْوِيَتُهَا وَأَرْشُ نَقْصهَا إنْ نَقَصَهَا بِنَاؤُهُ، هَذَا كُلُّهُ إذَا تَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ كَمَا تَقَرَّرَ، فَإِنْ بَنَى بِالْجَمِيعِ وَلَمْ يَتَعَذَّرْ التَّمْيِيزُ وَحَكَمْنَا بِبَقَاءِ آلَاتِهِ الْحَادِثَةِ عَلَى مِلْكِهِ وَطَلَب أَخْذَ مِلْكِهِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يُجَابُ إلَيْهِ، وَإِنْ أَدَّى إلَى الْهَدْمِ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ مِنْ فِعْلِهِ فَهُوَ لَمْ يُفَوَّتْ بِالْهَدْمِ شَيْئًا مَمْلُوكًا لِلْوَقْفِ نَعَمْ يَلْزَمُهُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ أَنْقَاضِ الْوَقْفِ وَأَرْضِهِ بِاسْتِعْمَالِهَا فِي الْبِنَاءِ ثُمَّ الْهَدْمِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِذَلِكَ السَّادِسِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ السَّائِلُ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ مِنْ أَنَّهُ إذَا اجْتَهَدَ الْمُسْتَأْجِرُ فِي الْأَنْقَاضِ الْقَدِيمَةِ.

وَالْحَادِثَةِ وَمَيَّزَ بَعْضَهَا عَنْ بَعْضٍ هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ بِلَا يَمِينٍ أَوْ لَا؟ وَجَوَابُهُ أَنَّ الَّذِي صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْآنِيَةِ فِيمَا لَوْ اخْتَلَطَتْ حَمَامَةٌ لِغَيْرِهِ بِحَمَامٍ لَهُ أَنَّهُ لَهُ أَكْلُهُ بِالِاجْتِهَادِ إلَّا وَاحِدَةً كَمَا لَوْ اخْتَلَطَتْ ثَمَرَةُ الْغَيْرِ بِثَمَرِهِ وَاعْتَمَدَهُ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ فَمَا حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ وَاحِدَةً مِنْهُ حَتَّى يُصَالِحَ ذَلِكَ الْغَيْرَ أَوْ يُقَاسِمَهُ ضَعِيفٌ، وَإِنْ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ بَعْدَ الْأَوَّلِ.

وَلَمْ يُرَجِّحْ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَيُوَافِقُ الْأَوَّلَ قَوْلُ الْقَاضِي لَوْ اشْتَبَهَتْ غَنَمُهُ أَوْ طُيُورُهُ بِغَنَمِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ طُيُورِهِمْ أَوْ رَحْلُهُ بِرِحَالِهِمْ جَازَ لَهُ الِاجْتِهَادُ، فَإِنْ نَازَعَهُ ذُو الْيَدِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ ذِي الْيَدِ، وَيُوَافِقُ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ: إذَا خَرِبَتْ مَحَلَّةٌ وَاشْتَبَهَتْ جَازَ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَخْذُ مِلْكِهِ بِالتَّحَرِّي كَمَا لَوْ اخْتَلَطَتْ حَمَامَةٌ بِحَمَامِ الْغَيْرِ، وَإِذَا جَوَّزْنَا لَهُ الِاجْتِهَادَ وَنَازَعَهُ النَّاظِرُ فَإِنْ كَانَتْ الْيَدُ لِلْمُسْتَأْجِرِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ أَوْ لِلنَّاظِرِ صُدِّقَ هُوَ دُونَ الْمُسْتَأْجِرِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ مَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته آخِرَ الْخَامِسِ مِنْ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يُجَابُ لِلْهَدْمِ، وَعِبَارَةُ فَتَاوِيهِ: رَجُلٌ وَقَفَ جَامِعًا عَلَى قَوْمٍ فَانْهَدَمَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ الْآلَةِ شَيْءٌ فَأَجَرَ الْمُتَوَلِّي عَرْصَتَهُ مِنْ إنْسَانٍ أَرْبَعِينَ سَنَةً لِيَبْنِيَ فِيهَا فَبَنَى، ثُمَّ إنَّ الْبَانِي وَقَفَ عِمَارَتَهُ عَلَى آخَرِينَ غَيْرِ الْأَوَّلِينَ قَالَ: لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فَتَكُونُ الْعِمَارَةُ فِي حُكْمِ الْوَقْفِ الْأَوَّلِ فَلَوْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ أَدْخَلَ فِيهَا شَيْئًا مِنْ آلَاتِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَرْفَعَهَا وَيَضْمَنَ أَرْشَ النُّقْصَانِ الَّذِي دَخَلَ الْأَرْضَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَقْلَعَ وَيَغْرَمَ أَرْشَ النَّقْصِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْقَلْعَ لَيْسَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْوَقْفِ، فَإِنَّهُ مَا دَامَ بِنَاؤُهُ فِيهَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْعَرْصَةِ فَلَزِمَهُ ذَلِكَ إحْيَاءً لِلْوَقْفِ الْأَوَّلِ اهـ.

الْمَقْصُودُ مِنْهُ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ: فَلَوْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ أَدْخَلَ فِيهَا شَيْئًا مِنْ آلَاتِهِ إلَخْ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِيمَا ذَكَرْته فَإِنْ قُلْت قَوْلُهُ فَتَكُونُ الْعِمَارَةُ فِي حُكْمِ الْوَقْفِ الْأَوَّلِ يُنَافِي مَا قَدَّمْته أَنَّ مَا عَمَّرَهُ الْمُسْتَأْجِرُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ قُلْت: هَذَا فَرْعُهُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْوَقْفِ، وَالْمَنْقُولُ الْمُعْتَمَدُ صِحَّةُ وَقْفِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ فِي الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ أَوْ الْمُسْتَعَارَةِ، سَوَاءٌ الْمَمْلُوكَةُ وَالْمَوْقُوفَةُ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَبَعْدَهُ، عَلَى أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ قَوْلِهِ: فَتَكُونُ الْعِمَارَةُ فِي حُكْمِ الْوَقْفِ الْأَوَّلِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهَا بِالْوَقْفِ لَا تَنْسَلِخُ عَنْ أَحْكَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>