لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الشَّرِكَةَ بِحَسَبِ الْمِلْكِ وَكُلَّ أَرْضٍ وُجِدَ فِي يَدِ أَهْلِهَا نَهْرٌ لَا تُسْقَى الْأَرْضُ إلَّا مِنْهُ وَلَمْ يُدْرَ أَنَّهُ حُفِرَ أَوْ انْخَرَقَ حُكِمَ لَهُمْ بِمِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ يَدٍ وَانْتِفَاعٍ فَلَا يُقَدَّمُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَالْمُرَادُ بِالنَّهْرِ فِي الْأُولَى وَمِثْلُهُ الثَّانِيَةُ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ إلَّا أَنَّهُمْ يَسْقُونَ أَرَضِيهِمْ مِنْهُ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَبِكَلَامِهِ يُعْلَمُ رَدُّ قَوْلِ الْأَذْرَعِيِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْبَعَهُ فِي أَرَاضِيهِمْ الْمَمْلُوكَةِ لَهُمْ فَيَمْلِكُونَهُ، أَمَّا لَوْ كَانَ مَنْبَعُهُ بِمَوَاتٍ أَوْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ نَهْرٍ عَامٍّ كَدِجْلَةَ وَنَحْوِهَا فَلَا، بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى الْإِبَاحَةِ اهـ.
وَأَمَّا تَنْظِيرُ السُّبْكِيّ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَفْرِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَنْهَارِ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ، وَالْمُحَقَّقُ مِنْ الْيَدِ فِيهِ الِانْتِفَاعُ وَالسَّقْيُ مِنْهُ وَلَا يَكْفِي ذَلِكَ لِدَلَالَةِ الْيَدِ عَلَى الْمِلْكِ؛ إذْ الْيَدُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ هِيَ الَّتِي يَكُونُ مَعَهَا الِاسْتِيلَاءُ وَمَنْعُ الْغَيْرِ فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى الْمِلْكِ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُحْكَمَ بِكَوْنِهِ مَمْلُوكًا لَهُمْ، نَعَمْ ذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي قَنَاةٍ أَوْ سَاقِيَةٍ يَظْهَرُ اخْتِصَاصُهُمْ بِهَا وَاسْتِيلَاؤُهُمْ عَلَيْهَا بِحَيْثُ لَا يُسْتَنْكَرُ أَنْ يَحْمُوهَا وَيَسُدُّوهَا فَيَرُدُّهُ أَنَّا، وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْأَصْلَ مَا ذَكَرَهُ وَإِلَّا فَهُوَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ، وَكَوْنُ الْمُحَقَّقِ مِنْ الْيَد فِيهِ الِانْتِفَاعُ لَا يَمْنَعُ الْحُكْمَ بِالْمِلْكِ أَيْضًا عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَكَوْنُ ذَلِكَ لَا يَكْفِي لِدَلَالَةِ الْيَدِ عَلَى الْمِلْكِ مَمْنُوعٌ وَدَعْوَى أَنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ إلَّا إنْ كَانَ مَعَهَا اسْتِيلَاءٌ وَمَنَعَ الْغَيْرَ إنْ أَرَادَ مَنْعَهُ بِالْفِعْلِ فَمَمْنُوعٌ أَيْضًا أَوْ بِالْقُوَّةِ فَهُوَ لَازِمُ الِاسْتِيلَاءِ وَبَقِيَّةُ نَظَرِهِ عُلِمَ رَدُّهُ مِمَّا تَقَرَّرَ فَالصَّحِيحُ مَا قَالُوهُ مِنْ دَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَى الْمِلْكِ، وَحِينَئِذٍ فَكَمَا أَنَّ السَّقْيَ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يَسْقُونَ مِنْهُ كَمَا تَقَرَّرَ عَنْ الْمُتَوَلِّي رَدُّ الْحَاجِزِ هُنَا عَنْ أَرَضِينَ يَدُلُّ عَلَى مِلْكِ أَهْلِهَا لَهُ
وَلَا نَظَرَ هُنَا لِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِ أَحَدِهِمَا وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ الَّذِي ذَكَرَهُ السَّائِلُ بِأَنَّ الْجِدَارَ لَيْسَ عَلَى مِلْكِهِ لِأَحَدِهِمَا بِخُصُوصِهِ قَرِينَةٌ إلَّا اتِّصَالَهُ بِمِلْكِ أَحَدِهِمَا اتِّصَالًا لَا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ، فَحَيْثُ وُجِدَ هَذَا الِاتِّصَالُ حَكَمْنَا بِمِلْكِهِ لِمَنْ اتَّصَلَ كَذَلِكَ بِمِلْكِهِ وَإِلَّا حَكَمْنَا بِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، وَالْحَاجِزُ هُنَا عَلَى مِلْكِهِ لِأَرْبَابِ الْأَرَاضِي جَمِيعِهِمْ قَرِينَةٌ وَهِيَ انْتِفَاعُهُمْ بِهِ فَعَمِلْنَا بِهَا، وَلَمْ نَنْظُرْ إلَى اتِّصَالِهِ بِأَحَدِهِمَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ عَارَضَهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ، وَأَمَّا الْجِدَارُ فَالِاتِّصَال الْمَذْكُورُ فِيهِ لَمْ يُعَارِضْهُ شَيْءٌ فَلِهَذَا حَكَمْنَا بِقَضِيَّتِهِ وَمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ مَا يَنْبُتُ عَلَيْهِ مِلْكٌ لِلْجَمِيعِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ لَا يَمْلِكُهُ مَالِكُهَا ضَعِيفٌ وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ فِي مُرْصَدَةٍ لِلزَّرْعِ وَالْغَرْسِ لَا يَمْلِكُهُ مَالِكُهَا بِخِلَافِ الْمُرْصَدَةِ لِلْكَلَإِ فَتَفْصِيلُهُ ضَعِيفٌ، بَلْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّهُ غَرِيبٌ وَقَوْلُ السَّائِلِ فَهَلْ هَذِهِ الْعَادَةُ مُتَّبَعَةٌ مَعْمُولٌ بِهَا أَمْ لَا؟ جَوَابُهُ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِهَا فِي حَطِّ شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ بِسَبَبِ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إذَا وَقَعَ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ مَلَكَهُ الْبَائِعُ وَاشْتُغِلَتْ بِهِ ذِمَّةُ الْمُشْتَرِي، وَقَضِيَّةُ الْعَادَةِ لِضَعْفِهَا لَا تَقْوَى عَلَى إزَالَةِ شَيْءٍ مِمَّا اشْتَغَلَتْ بِهِ الذِّمَّةُ يَقِينًا، بَلْ لَا طَرِيقَ هُنَا إلَّا الْإِعْطَاءَ أَوْ الْإِبْرَاءَ، وَأَمَّا إطْرَادُهَا بِأَنَّهُ إذَا بِيعَ كُلُّ ذِرَاعٍ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ فَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ إذَا قُلْنَا إنَّ الْحَاجِزَ الْمَذْكُورَ مِلْكٌ لِجَمِيعِ الْأَرَاضِي كَانَ بِمَنْزِلَةِ حَرِيمِ الدَّارِ؛ لِأَنَّ الْحَرِيمَ هُوَ مَا يَتِمُّ بِهِ الِانْتِفَاعُ وَبَيْعُ الدَّارِ دُونَ حَرِيمِهَا لَا يَصِحُّ بِشَرْطِهِ الْمُقَرَّرِ فِي مَحِلِّهِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ دُخُولَهُ أَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ فَكَذَا يُقَالُ فِي هَذَا الْحَاجِزِ إنْ شَرَطَ عَدَمَ دُخُولِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ، وَالْأَصَحُّ وَدَخَلَ حِصَّةَ الْمَبِيعِ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِدُخُولِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) لَوْ كَانَتْ أَرْضٌ بَيْنَ شَخْصَيْنِ لِوَاحِدٍ أَعْلَاهَا وَلِلْآخَرِ أَسْفَلُهَا فَأَخْرَبَ السَّيْلُ أَعْلَاهَا وَأَصْلَحَهُ مَالِكُهَا مَثَلًا لَكِنْ بَقِيَ مُنْخَفِضًا يَأْخُذُ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ وَلَا يَجْرِي إلَى الْأَسْفَلِ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ مَثَلًا وَطَلَبَ الْأَسْفَلُ حَقَّهُ فَمَا حُكْمُ ذَلِكَ وَهَلْ الْإِصْلَاحُ عَلَى مَنْ أَخْرَبَ السَّيْلُ مِلْكَهُ مِنْهُمَا وَاجِبٌ لِيَصِلَ صَاحِبُهُ إلَى سَقْيِ مِلْكِهِ؟ سَوَاءٌ أَوْجَبْنَا الْعِمَارَةَ أَمْ لَا أَوْ الْحُكْمُ غَيْرُ ذَلِكَ؟ وَمَا هُوَ ذَلِكَ؟ فَلَوْ انْخَفَضَتْ أَرْضُ الْأَسْفَلِ وَلَمْ يَسْتَقِرَّ الْمَاءُ فِي أَرْضِ الْأَعْلَى إلَّا بَعْدَ الزِّيَادَةِ فِي السُّفْلَى عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ أَوْ انْخَفَضَ الْحَاجِزُ الَّذِي يَرُدُّ الْمَاءَ وَلَمْ يَرُدَّ لِصَاحِبِهِ إلَى شَرِيكِهِ مَا يَكْفِيه مِنْ الْمَاءِ وَأَوْجَبْنَا الْعِمَارَةَ، لَكِنْ تَعَسَّرَ أَوْ تَعَذَّرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute