الْإِسْنَوِيُّ كَالسُّبْكِيِّ؛ لِأَنَّ الْجِدَارَ لَيْسَ مِثْلِيًّا كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، نَعَمْ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ إذَا هَدَمَ جِدَارَ نَفْسِهِ الَّذِي اسْتَحَقَّ غَيْرُهُ الْبِنَاءَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ إعَادَتُهُ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مِثْلِيًّا، بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فَوَّتَ بِالْهَدْمِ عَلَى الْمُشْتَرِي الْمَنْفَعَةَ الَّتِي اسْتَحَقَّهَا عَلَيْهِ بِالْعَقْدِ فَلَزِمَهُ تَحْصِيلُهَا بِإِعَادَةِ مَحِلِّهَا اُتُّجِهَ مَا قَالَاهُ، وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَجِبُ هُنَا عَلَى الْأَعْلَى الَّذِي أَخْرَبَ مَحِلَّ الْإِجْرَاءِ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ الْأَسْفَلُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ أَنْ يُعِيدَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةَ الَّتِي اسْتَحَقَّهَا عَلَيْهِ بِالْعَقْدِ فَلَزِمَهُ تَحْصِيلُهَا بِإِعَادَةِ مَحِلِّهَا، وَاعْلَمْ أَنَّ هَادِمَ الْجِدَارِ لَا يَغْرَمُ أُجْرَةَ الْبِنَاءِ لِمُدَّةِ الْحَيْلُولَةِ قَالَ الْإِمَامُ: لِأَنَّ الْحَقَّ عَلَى التَّأْبِيدِ وَمَا يَتَقَدَّرُ لَا يَنْحَطُّ مِمَّا لَا يَتَنَاهَى.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَفِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ فِيمَا إذَا وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى مُدَّةٍ وَالْمُتَّجَهُ عَدَمُ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْأُجْرَةِ لِلْحَيْلُولَةِ إنَّمَا مَحِلُّهُ عِنْدَ قِيَامِ الْعَيْنِ اهـ. وَبِهِ يُعْلَمُ عَدَمُ صِحَّةِ التَّشْبِيهِ فِي قَوْلِ السَّائِلِ هَلْ يَغْرَمُ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ مَنْفَعَةَ عَيْنِ صَاحِبِهِ مُدَّةَ التَّعْطِيلِ إلَى أَنْ يُكْمِلَ الْإِصْلَاحَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ كَمَا فِي هَدْمِ السَّقْفِ الْمُسْتَحِقِّ لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ اهـ؟ وَوَجْهُ رَدِّهِ مَا تَقَرَّرَ فِي مَسْأَلَةِ الْبِنَاءِ أَنَّهُ لَا يَغْرَمُ أُجْرَتَهُ لِمُدَّةِ الْحَيْلُولَةِ فَلَوْ قَالَ السَّائِلُ: هَلْ يَغْرَمُ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ قِيمَةَ حَقِّ الْإِجْرَاءِ الَّذِي أَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُسْتَحِقِّهِ كَمَا فِي هَدْمِ السَّقْفِ إلَخْ لَصَحَّ التَّشْبِيهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّمْته وَبِمَا تَقَرَّرَ أَوَّلًا عُلِمَ الْجَوَّابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ وَهَلْ رَدُّ الْحَاجِزِ إلَخْ؟ (فَائِدَةٌ) إذَا انْهَارَ النَّهْرُ الْمُشْتَرَكُ أَوْ الْقَنَاةُ الْمُشْتَرَكَةُ وَانْقَطَعَ ثُمَّ تَوَلَّى أَحَدُ الْمُسْتَحِقِّينَ إصْلَاحَهَا أَوْ عِمَارَتَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُ الْبَاقِينَ عَنْ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَنْبُعُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَ الْمَالِكَ مِنْ الِارْتِفَاقِ بِمِلْكِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ كَانَتْ أَرْضٌ لِاثْنَيْنِ لِأَحَدِهِمَا أَعْلَاهَا أَيْ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي يَلِي مَصَبَّ الْمَاءِ وَلِلْآخَرِ أَسْفَلُهَا وَالْمَاءُ يَجِيءُ فِيهِ التُّرَابُ فَأَرَادَ الْأَسْفَلُ أَنْ يَجْعَلَ فِي مِلْكِهِ حَاجِزًا لِمَنْعِ التُّرَابِ الْآتِي فِي الْمَاءِ وَيَتْرُكُ فِي الْحَاجِزِ فُتَحًا يَجْرِي مِنْهَا الْمَاءُ إلَى أَرْضِهِ وَيُتْرَكُ الضَّرَرُ مِنْ التُّرَابِ عَلَى صَاحِبِهِ الَّذِي أَرْضُهُ مُجَاوِرَةٌ لِمَصَبِّ الْمَاءِ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ أَوْ لَا لِإِضْرَارِهِ بِمِلْكِ صَاحِبِهِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الشَّخْصَ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ بِمَا يَضُرُّ الْمُلَّاكَ لَا الْأَمْلَاكَ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ تُرَابٌ يُخْشَى الضَّرَرُ بِسَبَبِهِ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَلَوْ انْعَكَسَ الْحُكْمُ بِأَنْ أَرَادَ صَاحِبُ مَصَبِّ الْمَاءِ وَهُوَ الْأَعْلَى أَنْ يَجْعَلَ فِي أَرْضِهِ حَاجِزًا أَوْ يَتْرُكَ لِلْأَسْفَلِ فَتْحًا يَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ إلَى الْأَسْفَلِ هَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟
فَلَوْ كَانَتْ أَرْضُ الْأَسْفَلِ يُخْشَى خَرَابُهَا فَخَافَ الْأَعْلَى أَنْ يَخْرُجَ الْمَاءُ عَنْ جَمِيعِ أَرْضَيْهِمَا فَأَرَادَ الْأَعْلَى أَنْ يَجْعَلَ الْحَاجِزَ لِأَجْلِ ذَلِكَ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ فَقَدْ أَفْتَى بَعْضُ فُقَهَاءِ تِلْكَ الْجِهَةِ بِالْمَنْعِ مُعَلِّلًا ذَلِكَ بِأَنَّ الْأَسْفَلَ يَسْتَحِقُّ الشُّرْبَ مِنْ جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ الْعُلْيَا مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ بِالْبَعْضِ فَهَلْ مَا قَالَهُ مُقَرَّرٌ أَمْ لَا؟ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الضَّرُورَةِ وَعَدَمِهَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ اُعْتِيدَ نَصْبُ مِثْلِ الْحَاجِزِ الْمَذْكُورِ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ جَازَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ أَضَرَّ أَرْضَ جَارِهِ فَإِنْ لَمْ يَعْتَدْ ذَلِكَ وَضَرَّ أَرْضَ جَارِهِ مُنِعَ مِنْهُ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُمْ فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ مَتَى تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ عَلَى الْعَادَةِ جَازَ وَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ جَارُهُ؟ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا أَفْضَى إلَى تَلَفٍ كَمَا لَوْ اتَّخَذَ بِئْرًا عَلَى الِاقْتِصَادِ الْمُعْتَادِ فِي دَارِهِ أَوْ حَفَرَ فِيهَا بَالُوعَةً كَذَلِكَ فَاخْتَلَّ بِأَحَدِهِمَا حَائِطُ جَارِهِ أَوْ نَقَصَ بِهِ مَاءُ بِئْرِهِ أَوْ تَغَيَّرَ بِالنَّجَسِ بِخِلَافِ مَا لَوْ جَاوَزَ الْعَادَةَ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِمَّا يَضُرُّ بِالْمِلْكِ دُونَ الْمَالِكِ اهـ. وَإِذَا أَرَادَ صَاحِبُ الْعُلْيَا أَنْ يَجْعَلَ فِيهَا حَاجِزًا أَوْ يَتْرُكَ مَنَافِذَ يَخْرُجُ الْمَاءُ مِنْهَا إلَى الْأَسْفَلِ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِ السُّفْلَى؛ لِأَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ السَّقْيَ بِطَرِيقٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ لَهُ بَدَلَهَا إلَّا بِرِضَاهُ وَلَا نَظَرَ أَيْ: أَنَّ هَذِهِ الْمَنَافِذَ تَكْفِي أَرْضَهُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ قَدْ يَقِلُّ فَيَرُدُّهُ الْحَاجِزُ عَنْ السُّفْلَى فَلَا يَصِلُ لَهَا مِنْ الْمَنَافِذِ مَا يَكْفِيهَا أَوْ مَا يُسَاوِي مَا كَانَ يَصِلُ لَهَا لَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ ذَلِكَ الْحَاجِزُ، وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ قَوْلُ التَّتِمَّةِ لَوْ اسْتَحَقَّ إجْرَاءَ الْمَاءِ فِي نَهْرٍ فِي أَرْضِ إنْسَانٍ فَأَرَادَ تَحْوِيلَهُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ وَفِي وَجْهٍ أَنَّهُ إذَا كَانَ تَحَوُّلُهُ إلَى بُقْعَةٍ هِيَ أَقْرَبُ إلَى أَرْضِهِ مِنْ الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ فِيهِ عَنْ قَضَاءِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَإِسْنَادُهُ مُنْقَطِعٌ اهـ.
فَانْظُرْ إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute