للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَوْنِهِ مَنَعَ تَحْوِيلَهُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، وَإِنْ كَانَ إلَى أَصْلَحَ وَأَنْفَعَ مِنْ الْأَوَّلِ فَامْتِنَاعُ مَا فِي مَسْأَلَتِنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَا يُرِيدُ يَفْعَلهُ مِنْ فَتْحِ الْمَنَافِذِ أَدْوَنَ مِنْ الْأَوَّلِ الَّذِي كَانَ يَسْتَحِقُّهُ الْأَسْفَلُ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَا نُقِلَ فِي السُّؤَالِ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَنَّهُ أُفْتِيَ بِالْمَنْعِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ صَحِيحٌ مُقَرَّرٌ مُؤَيِّدٌ بِتَصْرِيحِ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ بِمَا يُوَافِقُهُ وَلَا نَظَرَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ وَلَا لِعَدَمِهَا كَمَا اقْتَضَاهُ قَوْلُ التَّتِمَّةِ أَيْضًا لَوْ كَانَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ نَهْرٌ مُمْتَدٌّ فِي الْأَرْضِ إلَى طَرَفِ مِلْكِ جَارِهِ، وَلَيْسَ لِجَارِهِ نَهْرٌ يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ إلَى مِلْكِهِ فَأَرَادَ إجْرَاءَ الْمَاءِ فِي نَهْرِ جَارِهِ، وَاحْتَاجَ صَاحِبُ الْأَرْضِ إلَى سَقْيِ أَرْضِهِ وَسَوْقِ الْمَاءِ فِيهِ لَمْ يَلْزَمْهُ تَمْكِينُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكُهُ مُحْتَاجًا إلَى سَوْقِ الْمَاءِ فِيهِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ تَمْكِينُ الْغَيْرِ مِنْ سُكْنَى دَارِهِ الَّتِي لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا اهـ. مُلَخَّصًا فَإِنْ قُلْت هَذَا الْحَاجِزُ لِمَصْلَحَتِهِمَا فَلِمَ لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ مِنْهُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ بِوَجْهٍ؟

قُلْت غَايَتُهُ أَنَّ فِيهِ إصْلَاحًا لِلْمِلْكِ أَوْ عِمَارَةً لَهُ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنْ لَا إجْبَارَ عَلَى ذَلِكَ مُطْلَقًا، فَإِنْ قُلْت سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُمْتَنِعَ لَا يُجْبَرُ، لَكِنْ لِمَ جَازَ لِلْأَسْفَلِ الْمَنْعُ مِنْهُ كَمَا قَرَّرْته مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْإِصْلَاحِ وَعَدَمِ الضَّرَرِ فِيهِ عَلَى الْأَسْفَلِ، بَلْ فِيهِ عَوْدُ مَصْلَحَةٍ عَلَى مِلْكِ الْأَسْفَلِ قُلْت: لَا ضَرُورَةَ إلَى كَوْنِ الْحَاجِزِ يُفْعَلُ فِي أَرْضِ الْأَعْلَى وَيُفْتَحُ مِنْهَا مَنَافِذُ يَخْرُجُ مِنْهَا الْمَاءُ لِأَرْضِ الْأَسْفَلِ لِإِمْكَانِ أَنْ يُجْعَلَ الْحَاجِزُ فِي آخِرِ أَرْضِ الْأَسْفَلِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فَالشَّخْصُ لَا يُجْبَرُ عَلَى السُّكُوتِ عَنْ حَقِّهِ لِمَصْلَحَةِ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةُ تَعُودُ عَلَيْهِ نَعَمْ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْحَاجِزُ يَسِيرًا تُمْكِنُ إزَالَتُهُ فِي الْحَالِ وَاضْطُرَّ إلَى وَضْعِهِ وَأَرَادَ وَضْعَهُ زَمَنًا قَلِيلًا بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ ثُمَّ رَفَعَهُ وَلَمْ يَحْصُلْ لِلْأَسْفَلِ مِنْهُ ضَرَرٌ بِوَجْهٍ بِأَنْ يُحَوِّلَ الْمَاءَ الْجَارِي إلَى أَرْضِهِ إلَى مَحِلِّهِ كَأَنْ وَضَعَ الْحَاجِزَ الْمَذْكُورَ فِي مَجْرَاهُ وَفَتَحَ فِيهِ مَنَافِذَ تَكْفِي أَرْضَ الْأَسْفَلِ احْتَمَلَ حِينَئِذٍ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ أَخْذًا بِإِطْلَاقِ التَّتِمَّةِ السَّابِقِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) لَوْ وَجَدْنَا فِي أَرْضٍ حَوَاجِزَ وَالْمَاءُ يَخْرُجُ بَيْنَ الْحَوَاجِزِ إلَى أَسْفَلَ هَذِهِ الْأَرْضِ وَأَعْلَاهَا لِجَمَاعَةٍ وَأَسْفَلُهَا لِآخَرِينَ مَثَلًا فَادَّعَى بَعْضُ الْأَسْفَلِينَ حُدُوثَ الْحَوَاجِزِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَطَلَبَ إزَالَتَهَا وَسُقِيَ نَصِيبُهُ مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ الْعُلْيَا مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ بِفَتْحٍ مَثَلًا وَثَبَتَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ وَاعْتَرَفَ بَعْضُ شُرَكَائِهِ بِكَوْنِ الْحَوَاجِزِ مَوْضُوعَةً بِحَقٍّ فَمَا حُكْمُ ذَلِكَ؟ وَلَوْ ادَّعَى ذَلِكَ جَمِيعُ الْأَسْفَلِينَ، لَكِنْ حَلَفَ بَعْضُهُمْ وَنَكَلَ بَعْضٌ فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ.

(فَأَجَابَ) بِأَنَّ دَعْوَى بَعْضِ الْأَسْفَلِينَ حُدُوثَ الْحَوَاجِزِ بِغَيْرِ حَقٍّ مَسْمُوعَةٌ، لَكِنْ يَلْزَمُ مَنْ أَنْكَرَ إحْدَاثُهَا وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ بِحَقِّ الْحَلِفِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ نَكَلَ مَنْ لَزِمَهُ يَمِينٌ كَذَلِكَ عَنْهَا حَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ بِغَيْرِ حَقٍّ، ثُمَّ يُزَالُ حِينَئِذٍ مَا يَخُصُّ النَّاكِلَ مِنْهَا فَإِنْ نَكَلَ الْأَعْلَوْنَ جَمِيعُهُمْ حَلَفَ الْأَسْفَلُونَ وَأُزِيلَتْ كُلُّهَا، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ مَنْ ادَّعَى إحْدَاثَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِمُجَرَّدِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا صُدِّقَ مَنْ ادَّعَى أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ بِحَقٍّ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وَضْعُهَا بِحَقٍّ كَمَا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا لَوْ وَجَدْنَا جِذْعًا لِإِنْسَانٍ مَوْضُوعًا عَلَى جِدَارٍ لِآخَرَ وَلَمْ نَعْلَمْ كَيْفَ وُضِعَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وُضِعَ بِحَقٍّ فَلَا يُنْقَضُ وَيُقْضَى لَهُ بِاسْتِحْقَاقِهِ دَائِمًا فَلَوْ سَقَطَ الْجِدَارُ وَأُعِيدَ فَلَهُ إعَادَةُ الْجِذْعِ وَلِمَالِك الْجِدَارِ نَقْضُهُ إنْ كَانَ مُتَهَدِّمًا وَإِلَّا فَلَا اهـ. فَإِنْ قُلْت: يُعَكِّرُ عَلَى ذَلِكَ مَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يَجْرِي مَاءٌ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَادْعِي الْمَالِكُ أَنَّهُ كَانَ عَارِيَّةً قُبِلَ قَوْلُهُ، قُلْت: أَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَصُورَةِ السُّؤَالِ فَوَاضِحٌ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِي الْحَوَاجِزِ لِجَمِيعِهِمْ وَالْيَدُ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ وَالِاسْتِحْقَاقِ؛ فَلِذَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي عَدَمَ الِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّعَدِّي بِخِلَافِ مَنْ يَدَّعِي مِلْكَ الْمَجْرَى فِي صُورَةِ الْبَغَوِيِّ، فَإِنَّ الْيَدَ لَيْسَتْ لَهُ بَلْ لِمَالِك الْأَرْضِ الَّتِي فِيهَا الْمَجْرَى، فَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ لَيْسَ مِلْكَ الْآخَرِ وَأَنَّهُ إنَّمَا يُجْرِيه فِيهِ عَارِيَّةً قُبِلَ قَوْلُهُ لِقُوَّتِهِ بِكَوْنِ الْيَدِ عَلَيْهِ لَهُ

وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ تَعَدِّيَ صَاحِبِ الْمَاءِ فَلَا جَامِعَ بَيْنَ مَسْأَلَتِهِ وَصُورَةِ السُّؤَالِ، وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ صُورَةِ الْبَغَوِيِّ وَصُورَةِ الشَّيْخَيْنِ فِيمَا إذَا ادَّعَى صَاحِبُ الْجِدَارِ وَضْعَ الْجِذْعِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ

<<  <  ج: ص:  >  >>