للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَعْلُومًا فِيهِ عِنْدَ احْتِيَاجِهِ إلَى الْعِمَارَةِ فَمَا الرَّاجِحُ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأَرْضِينَ أَوْ الْقَوَاسِمِ أَوْ الرَّصَدَاتِ بَيْنَهُمْ أَوْ الْعَمَلِ فِي عِمَارَةِ النَّهْرِ إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَصْلٌ لَهُ؟

(فَأَجَابَ بِأَنَّ قَوْلَ الرَّوْضَةِ لَهُمْ قِسْمَةُ الْمَاءِ بِنَصْبِ خَشَبَةٍ إلَخْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا إجْبَارَ عَلَى ذَلِكَ وَيَحْصُلُ الِاسْتِوَاءُ فِي الْمَاءِ بِغَيْرِ هَذِهِ الطَّرِيقِ كَمَا قَدَّمْته أَوَائِلَ الْجَوَابِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ فَرَاجِعْهُ إذْ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ الرَّوْضَةِ وَلَوْ أَرَادُوا قِسْمَةَ النَّهْرِ وَكَانَ عَرِيضًا جَازَ وَلَا يَجْرِي فِيهَا الْإِجْبَارُ كَمَا فِي الْجِدَارِ الْحَائِلِ، فَإِنْ قُلْت يُعَارِضُهُ مَا فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا فِي الشُّفْعَةِ مِنْ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ الطَّاحُونُ وَالْحَمَّامُ وَالْبِئْرُ وَالنَّهْرُ إذَا أَمْكَنَ جَعْلُ كُلِّ اثْنَيْنِ وَكَذَا مَسِيلُ الْمَاءِ إلَى الْأَرْضِ وَبِئْرُ الزِّرَاعَةِ.

قُلْت الْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ النَّهْرُ بَيْنَ مَزَارِعَ وَهِيَ عَلَى حَافَّتَيْهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا كَمَا يَدُلُّ لَهُ تَشْبِيهُ ذَلِكَ بِالْجِدَارِ الْحَائِلِ وَالثَّانِي مَحْمُولٌ عَلَى حَفْرِ أَنْهَارٍ وَسَوَاقٍ يَأْتِي إلَيْهَا الْمَاءُ مِنْ الْأَوْدِيَةِ الْعَظِيمَةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي تَرْكِ الْقِسْمَةِ هُنَا ضَرَرًا عَظِيمًا فَأُجْبِرَا عَلَيْهِ إزَالَةً لَهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي عَدَمِ الْقِسْمَةِ، بَلْ فِيهَا نَفْعٌ وَالْبِنَاءُ بِنَحْوِ الْحَجَرِ إنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ فِيهِ ثُقْبٌ كَمَا يُجْعَلُ فِي الْخَشَبَةِ قَامَ مَقَامَهَا وَإِلَّا فَلَا ثُمَّ مَا ذُكِرَ مِنْ عَدَمِ الْإِجْبَارِ عَلَى الْقِسْمَةِ بِنَصْبِ الْخَشَبَةِ مَحِلُّهُ إنْ أُمْكِنَتْ الْقِسْمَةُ بِغَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ كَمَا تَقَرَّرَ، أَمَّا إذَا لَمْ تُمْكِنُ إلَّا بِهَا فَيُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَيْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ حَيْثُ قَالَ عَقِبَ قَوْلِ الرَّوْضَةِ ثُمَّ لَهُمْ قِسْمَةُ الْمَاءِ بِنَصْبِ خَشَبَةٍ إلَخْ قُلْت وَيَتَعَيَّنُ هَذَا الطَّرِيقُ عِنْدَ التَّشَاجُرِ وَعَدَمِ التَّرَاضِي بِالْمُهَايَأَةِ؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ يَصِلُ بِهِ كُلٌّ إلَى جِهَةِ حَقِّهِ فِي وَقْتِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ إذْ فِي الْمُهَايَأَةِ تَأْخِير أَحَدِهِمْ عَنْ حَقِّهِ فَاشْتُرِطَ فِيهَا التَّرَاضِي اهـ. وَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَنَازَعَ الشُّرَكَاءُ فِي النَّهْرِ فِي قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ جُعِلَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِينَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّ النَّهْرَ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ إلَّا أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَهُمْ يَسْقُونَ أُرَاضِيهِمْ مِنْهُ، وَاعْتَرَضَ الْبُلْقِينِيُّ مَا فِي الرَّوْضَةِ بِأَنَّ الْأَصَحَّ بِمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ أَنَّهُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْقَرَائِنَ لَا يُنْظَرُ إلَيْهَا قَالَ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي كِتَابَةِ عَبْدَيْنِ خَسِيسٍ وَنَفِيسٍ عَلَى نُجُومٍ مُتَفَاوِتَةٍ بِحَسَبِ قِيمَتِهَا فَأَحْضَرَا مَالًا وَادَّعَى الْخَسِيسُ أَنَّهُ سَوَاءٌ بَيْنَهُمَا

وَالنَّفِيسُ أَنَّهُ مُتَفَاوِتٌ عَلَى قَدْرِ النُّجُومِ، فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْخَسِيسِ عَمَلًا بِالْيَدِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجِدَارِ لَا أَنْظُرُ إلَى مَنْ إلَيْهِ الدَّوَاخِلُ وَالْخَوَارِجُ وَلَا أَنْصَافُ اللَّبِنِ وَلَا مَعَاقِدُ الْقِمْطِ وَنَصَّ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ يَخْتَلِفُ فِيهِ الزَّوْجَانِ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي أَيْدِيهمَا يَحْلِفَانِ وَهُوَ بَيْنَهُمَا وَلَا نَظَرَ إلَى مَا يَخْتَصُّ بِالرَّجُلِ عَادَةً وَلَا مَا يَخْتَصُّ بِالْمَرْأَةِ اهـ.

وَتَبِعَهُ وَلَدُهُ الْجَلَالُ فَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَرَجَّحَ أَنَّهُ بِالسَّوِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ فِي أَيْدِيهِمْ وَذَلِكَ يَقْتَضِي الِاسْتِوَاءَ اهـ. وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْن مَا هُنَا وَفِي الْكِتَابَةِ بِأَنَّ الْيَدَ هُنَا عَلَى النَّهْرِ حُكْمِيَّةٌ لَا حِسِّيَّةٌ؛ لِأَنَّ النَّهْرَ لَيْسَ فِي قَبْضَتِهِمْ يَقِينًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ عَنْ الْمُتَوَلِّي، وَإِنَّمَا نَزَلَ اسْتِحْقَاقُهُمْ الشُّرْبَ مِنْهُ مَنْزِلَةَ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ وَيَدُ الْمُكَاتَبَيْنِ عَلَى مَا أَحْضَرَاهُ حِسِّيَّةٌ وَلَا حُكْمِيَّةٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْيَدَ الْحِسِّيَّةَ أَقْوَى فَلَمْ يُنْظَرْ لِمُعَارِضِهَا مِنْ تَفَاوُتِهِمَا فِي الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ مَعَ دَلَالَةِ الْيَدِ الْحِسِّيَّةِ عَلَى الِاسْتِوَاءِ فَعَمِلُوا بِهِ وَهُنَا وُجِدَ لِلْيَدِ الْحُكْمِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الِاسْتِوَاءِ مُعَارِضٌ حِسِّيٌّ وَهُوَ تَفَاوُتُهُمْ فِي الْأَنْصِبَاءِ الْمُسْتَلْزِمُ غَالِبًا أَنَّ النَّهْرَ تَكُونُ الشَّرِكَةُ فِيهِ كَذَلِكَ وَالْحِسِّيُّ أَقْوَى مِنْ الْحُكْمِيِّ فَقُدِّمَ هَذَا الْمُعَارِضُ لِقُوَّتِهِ عَلَى الْيَدِ الْحُكْمِيَّةِ لِضَعْفِهَا فَانْدَفَعَ قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ فَظَهَرَ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا وَاضِحًا، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي مَسْأَلَةِ الْجِدَارِ فَالْيَدُ عَلَيْهِ حِسِّيَّةٌ أَيْضًا، وَتِلْكَ الْقَرَائِنُ غَيْرُ مُطَّرِدَةٍ، بَلْ وَلَا غَالِبَةً فَلَمْ تَقْوَ عَلَى مُعَارَضَتِهَا فَأُلْغِيَ النَّظَرُ إلَيْهَا، وَكَذَلِكَ الزَّوْجَانِ يَدُهُمَا عَلَى أَمْتِعَةِ الْبَيْتِ حِسِّيَّةٌ، وَقَدْ تَكُونُ يَدُ الزَّوْجَةِ عَلَى مَا يَخْتَصُّ بِالزَّوْجِ وَعَكْسُهُ فَلَمْ يَقْوَ ذَلِكَ عَلَى دَفْعِ مَا اقْتَضَتْهُ الْيَدُ الْحِسِّيَّةُ مِنْ الِاسْتِوَاءِ فَظَهَرَ أَنَّ الْمَسَائِلَ الثَّلَاثَةَ الَّتِي أَوْرَدَهَا عَلَى مَسْأَلَتِنَا لَا تُشْبِهُهَا؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ فِيهَا يَدًا قَوِيَّةً وَمُعَارِضُهَا ضَعِيفٌ، وَالْمَوْجُودُ فِي مَسْأَلَتِنَا يَدٌ ضَعِيفَةٌ وَمُعَارِضُهَا قَوِيٌّ فَلَا جَامِعَ بَيْنَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>