وَبَيْنَ مَا ذَكَرَهُ فَاتَّجَهَ مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَانْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَإِذَا قُلْنَا بِمَا فِي الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّ الْأَنْصِبَاءَ تُجْعَلُ عَلَى قَدْرِ الْأَرَضِينَ وَوَجَدْنَا الْأَرَضِينَ مُتَفَاوِتَةً وَالثُّقَبَ مُتَسَاوِيَةً لَمْ يَكُنْ تُسَاوِيهَا بِمُجَرَّدِهِ مُقْتَضِيًا لِلتَّسَاوِي فِي الْأَرَضِينَ أَخْذًا مِنْ قَوْلَيْ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الثُّقَبُ مُتَسَاوِيَةً مَعَ تَفَاوُتِ الْحُقُوقِ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الثُّلُثِ يَأْخُذُ ثُقْبَةً وَالْآخَرُ ثُقْبَتَيْنِ اهـ.
فَإِذَا تَنَازَعَ الشُّرَكَاءُ حِينَئِذٍ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ الِاسْتِوَاءَ فِي السَّقْيِ لِاسْتِوَاءِ الثُّقَبِ وَبَعْضُهُمْ الِاخْتِلَافَ فِيهِ عَلَى قَدْرِ الْأَرَضِينَ وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مِنْ الثُّقَبِ الْمُتَسَاوِيَةِ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِ صُدِّقَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ إذْ الِاخْتِلَافُ فِي الْأَنْصِبَاءِ يَدُلُّ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْأَرْضَيْنِ، وَالتَّسَاوِي فِي الثُّقَبِ لَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِوَاءِ فِي الْأَنْصِبَاءِ لِمَا عَلِمْته مِنْ عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ الْمَذْكُورَةِ، أَمَّا لَوْ اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِوَائِهِمْ فِي الثُّقَبِ وَادَّعَى بَعْضُهُمْ الِاخْتِلَافَ فِي الْأَنْصِبَاءِ عَمَلًا بِاخْتِلَافِ الْأَرَضِينَ وَبَعْضُهُمْ الِاسْتِوَاءَ فِيهَا عَمَلًا بِتَسَاوِي الثُّقَبِ، فَإِنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْمُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِوَاءَ فِي الْأَنْصِبَاءِ يُمْكِنُ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَرْضَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرَاضٍ، بَلْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ الصَّوَابُ كَمَا مَرَّ عَنْهُ مَعَ الرَّدِّ عَلَيْهِ وَالِاخْتِلَافُ فِي الْأَنْصِبَاءِ لَا يُمْكِنُ مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي الثُّقَبِ إلَّا بِالتَّرَاضِي فَلَمْ يَكُنْ اخْتِلَافُ الْأَرْضَيْنِ مُرَجِّحًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَكَانَ الِاسْتِوَاءُ فِي الثُّقَبِ مُرَجِّحًا فَقُدِّمَ. وَحُكْمُ الِاسْتِوَاءِ فِي الْعِمَارَةِ حُكْمُ الِاسْتِوَاءِ فِي الثُّقَبِ، فَإِذَا اتَّفَقُوا عَلَى الِاسْتِوَاءِ فِيهَا وَادَّعَى بَعْضُهُمْ الِاخْتِلَافَ فِي الْأَنْصِبَاءِ عَمَلًا بِاخْتِلَافِ الْأَرْضَيْنِ وَبَعْضُهُمْ الِاخْتِلَافَ فِيهَا عَمَلًا بِالتَّسَاوِي فِي الْعِمَارَةِ صُدِّقَ الثَّانِي لِنَظِيرِ مَا تَقَرَّرَ فَإِنْ تَعَارَضَ هَذَانِ الْأَمْرَانِ بِأَنْ اسْتَوَوْا فِي الثُّقَبِ وَتَفَاوَتُوا فِي الْعِمَارَةِ أَوْ بِالْعَكْسِ فَهُوَ مَحِلُّ نَظَرٍ، وَيَتَّجِهُ تَقْدِيمُ الثُّقَبِ؛ لِأَنَّهَا عَلَامَاتٌ مُسْتَمِرَّةٌ يَكْثُرُ فِيهَا الْمُنَازَعَةُ وَالْمُشَاحَّةُ فَيَبْعُدُ الِاتِّفَاقُ فِيهَا عَلَى التَّرَاضِي بِاسْتِوَائِهِمَا مَعَ اخْتِلَافِ الْأَنْصِبَاءِ وَبِاخْتِلَافِهِمَا مَعَ تَسَاوِي الْأَنْصِبَاءِ بِخِلَافِ الْعِمَارَةِ فَإِنَّهَا خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يَكْثُرُ وُقُوعُهَا وَيَغْلِبُ فِيهَا الْمُسَامَحَةُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ، فَكَانَتْ دَلَالَتُهَا ضَعِيفَةً بِالنِّسْبَةِ لِدَلَالَةِ الثُّقَبِ، وَإِنْ كَانَتْ قَوِيَّةً فِي نَفْسِهَا وَمِنْ ثَمَّ لَوْ انْفَرَدَتْ عَنْ الثُّقَبِ عَمِلْنَا بِهَا كَمَا مَرَّ وَبِمَا قَرَّرْته يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ: فَلَوْ وَجَدْنَا الثُّقَبَ مُتَسَاوِيَةً إلَخْ السُّؤَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) لَوْ وَجَدْنَا ثُقَبًا فِي نَهْرٍ بَعْضُهَا مُرْتَفِعًا وَبَعْضُهَا مُنْخَفِضًا أَوْ بَعْضُهَا مُتَّسِعًا وَبَعْضُهَا ضَيِّقًا مَعَ إمْكَانِ إحْدَاثِ الِارْتِفَاعِ وَالِانْخِفَاضِ وَالسَّعَةِ وَالضِّيقِ وَنَحْوِهِ هَلْ يَدُلُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْيَدِ أَمْ لَا؟ وَلَوْ رَفَعَهَا لِرِفْعَةِ أَرْضِهِ بِسَيْلٍ أَوْ وَضْعِ تُرَابٍ مِنْ الْمَالِكِ وَامْتَنَعَ الْآخَرُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ عَلَى الْمُمْتَنِعِ وَقَالَ لِلطَّالِبِ: اخْفِضْ أَرْضَك لِيَنَالَهَا الْمَاءُ وَالْخَفْضُ يَشُقُّ عَلَيْهِ أَوْ يَضْعُفُ بِسَبَبِهِ الْإِنْبَاتُ وَرَفْعُ الْقَوَاسِمِ أَسْهَلُ فَمَنْ الْمُجَابُ مِنْهُمَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّا إذَا وَجَدْنَا ثُقَبًا فِي النَّهْرِ مُتَفَاوِتَةً فِي السَّعَةِ وَالضِّيقِ وَالِارْتِفَاعِ وَالِانْخِفَاضِ وَلَمْ نَعْلَمْ أَصْلَ ذَلِكَ هَلْ هُوَ قَدِيمٌ أَوْ حَادِثٌ؟ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ قَدِيمٌ مَوْضُوعٌ بِحَقٍّ دَالٌّ عَلَى الْيَدِ لِمُسْتَحِقَّيْهِ وَأَقْرَرْنَاهُ عَلَى حُكْمِهِ، فَمَنْ ادَّعَى حُدُوثَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ حَقٍّ كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ حَلَفَ لَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ تَغْيِيرِهَا عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا، وَإِنَّمَا عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ الَّتِي رَفَعَهَا السَّيْلُ تَنْظِيفُهَا إنْ أَرَادَ سَقْيَهَا، سَوَاءٌ أَشَقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَضَعُفَ بِسَبَبِهِ الْإِنْبَاتُ أَمْ لَا كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْته عَنْ التَّتِمَّةِ فِي الْجَوَابِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ.
أَمَّا إذَا أَرَادَ إصْلَاحَ الثُّقَبِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ لَهَا عَنْ مَحِلِّهَا وَلَمْ يَكُنْ عَلَى شُرَكَائِهِ ضَرَرٌ فِي ذَلِكَ بِوَجْهٍ فَلَا يُجَابُونَ إلَى مَنْعِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ تَعَنُّتٍ مَعَ تَصَرُّفِهِ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ دُونَ غَيْرِهِ، بَلْ يُجَابُ هُوَ إلَى ذَلِكَ، سَوَاءٌ أَكَانَ لِإِزَالَةِ ضَرَرٍ أَمْ لِزِيَادَةِ نَفْعٍ لِأَرْضِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) لَوْ كَانَ لِاثْنَيْنِ أَرْضَانِ إحْدَاهُمَا تَشْرَبُ قَبْلَ الْأُخْرَى وَمَاءُ السُّفْلَى يَخْرُجُ مِنْ الْعُلْيَا فَأَرَادَ صَاحِبُ الْعُلْيَا أَنْ يَرْفَعَ مَخْرَجَ الْمَاءِ إلَى الْفَتْحَةِ الَّتِي فِي الزَّبِيرِ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا الْمَاءُ إلَى الْأَرْضِ السُّفْلَى وَأَرَادَ أَنْ يُحَوِّلَ الْفَتْحَةَ إلَى مَكَان آخَرَ مِنْ الزَّبِيرِ مَعَ أَنَّ الْمَاءَ يَنْزِلُ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى فِي الْحَالَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute