للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَقَدْ قَالَ بِالْمَنْعِ فِي صُورَةِ رَفْعِ الْفَتْحَةِ بَعْضُ أَكَابِرِ فُقَهَاءِ الْجِهَةِ مُعَلِّلًا ذَلِكَ بِأَنَّ الرَّفْعَ يُؤَدِّي إلَى أَنْ تَأْخُذَ الْعُلْيَا فَوْقَ قَدْرِ الْحَاجَةِ لِمَنْعِ خُرُوجِ الْمَاءِ بِرَفْعِ مَنْفَذِ الْمَاءِ فَهَلْ هُوَ كَمَا قَالَ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ صَرِيحُ كَلَامِ التَّتِمَّةِ السَّابِقِ فِي الْجَوَابِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ أَنَّهُ حَيْثُ أَرَادَ تَحْوِيلَ الْمَنْفَذِ مِنْ مَحِلِّهِ إلَى مَحِلٍّ آخَرَ وَلَمْ يَرْضَ شَرِيكُهُ مُنِعَ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَ يُحَوِّلُهُ إلَى مَحِلٍّ أَصْلَحَ لَهُ مِنْ الْأَوَّلِ أَمْ لَا، وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ الْأَصْلَحِ وَغَيْرِهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ مَرَّ.

ثَمَّ عَنْ التَّتِمَّةِ اسْتِدْلَالًا بِفِعْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَكِنَّهُ مَرْدُودٌ بِأَنَّ أَثَرَ عُمَرَ مُنْقَطِعٌ وَيُوَافِقُ ذَلِكَ قَوْلُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمْ تَقْدِيمَ رَأْسِ السَّاقِيَةِ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ إلَى أَرْضِهِ أَوْ تَأْخِيرَهُ لَمْ يَجُزْ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَدَّمَ بَابَ دَارِهِ إلَى بَابِ السِّكَّةِ الْمُنْسَدَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ هُنَاكَ فِي الْجِدَارِ الْمَمْلُوكِ وَهُنَا فِي الْحَافَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ اهـ. وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا أَفْتَى بِهِ مَنْ ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ بَعْضِ أَكَابِرِ فُقَهَائِكُمْ وَحَيْثُ أُبْقِيَ الْمَنْفَذُ عَلَى مَحِلِّهِ وَسَعَتِهِ أَوْ ضِيقِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ إصْلَاحَهُ بِمَا يَعُودُ مِنْهُ نَفْعٌ عَلَى أَرْضِهِ وَأَرْضِ مَنْ بَعْدَهُ أَوْ عَلَى أَرْضِهِ فَقَطْ وَلَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ بِوَجْهٍ فَإِنَّهُ لَا وَجْهَ لِمَنْعِهِ حِينَئِذٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَلَوْ أَرَادَ الشُّرَكَاءُ الَّذِينَ أَرْضُهُمْ أَسْفَلَ تَوْسِيعَ فَمِ النَّهْرِ لِئَلَّا يَقْصُرَ الْمَاءُ عَنْهُمْ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِرِضَا الْأَوَّلِينَ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الشَّرِيكِ فِي الْمُشْتَرَكِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَا الشَّرِيكِ؛ وَلِأَنَّهُمْ قَدْ يَتَضَرَّرُونَ بِكَثْرَةِ الْمَاءِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ لِلْأَوَّلِينَ تَضْيِيقُ فَمِ النَّهْرِ إلَّا بِرِضَا الْآخَرِينَ اهـ. وَوَجْهُ عَدَمِ الْمُنَافَاةِ أَنَّ مَا فِي مَسْأَلَةِ الرَّوْضَةِ إضْرَارٌ وَتَصَرُّفٌ فِي السَّعَةِ وَالضِّيقِ بِخِلَافِ مَا فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ قُلْت: الْإِصْلَاحُ الَّذِي فِي مَسْأَلَتِنَا فِيهِ تَصَرُّفٌ فِي الْمُشْتَرَكِ، وَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخَانِ بِامْتِنَاعِهِ قُلْت: مَحِلُّ امْتِنَاعِهِ حَيْثُ لَمْ يُقَصِّرْ الشَّرِيكُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ: لَوْ انْهَدَمَ الْجِدَارُ الْمُشْتَرَكُ وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا بِنَاءَهُ بِخَالِصِ مَالِهِ بَعْدَ امْتِنَاعِ صَاحِبِهِ جَازَ كَمَا مَرَّ مَبْسُوطًا بِمَا فِيهِ فِي الْجَوَابِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ فَكَمَا جَازَ هُنَاكَ فَلِيَجُزْ مَا ذَكَرْنَاهُ هُنَا إذَا امْتَنَعَ شُرَكَاؤُهُ مِنْ الْإِصْلَاحِ مَعَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَنْهُ لَوْ وَجَدْنَا أَرْضَيْنِ يَشْرَبَانِ مَعًا وَتَحْتَ أَحَدِ الْأَرْضَيْنِ أَرْضٌ ثَالِثَةٌ تَشْرَبُ مِنْ الَّتِي فَوْقَهَا بَعْدَ رَيِّ الْأُخْرَى وَقُلْنَا إنَّ الْعِبْرَةَ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ بِقَدْرِ الْأَرَاضِي فَهَلْ يَدْخُلُ الْمُتَأَخَّرُ شُرْبُهُ فِي التَّقْدِيرِ أَوْ يَخْتَصُّ التَّقْدِيرُ بِالْمُتَقَدِّمِ شُرْبُهُ وَهَلْ عَلَى الْمُتَأَخِّرِ شُرْبُهُ مِثْلُ الْمُتَقَدِّمِ فِي مَصْرُوفِ عِمَارَةِ النَّهْرِ إذَا قُلْنَا بِالْإِجْبَارِ؟ وَهَلْ يُعْرَفُ التَّقْدِيرُ فِي الْأَرْضَيْنِ بِالْمِسَاحَةِ أَوْ بِالتَّقْوِيمِ؟ فَإِنَّ أَرْضًا قَلِيلَةَ الْمِسَاحَةِ قَدْ تَكُونُ خَيْرًا مِنْ أَرْضٍ كَثِيرَةِ الْمِسَاحَةِ؟

(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّوْضَةِ أَنَّ الْأَرْضَ الْمُتَأَخِّرَ شُرْبُهَا إذَا كَانَ شُرْبُهَا مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ دُونَ غَيْرِهِ تَدْخُلُ فِي التَّقْدِيرِ فَيَسْتَحِقُّ صَاحِبُهَا مِنْ النَّهْرِ بِحِصَّتِهَا، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ: كُلُّ أَرْضٍ أَمْكَنَ سَقْيُهَا مِنْ هَذَا النَّهْرِ إذَا رَأَيْنَا لَهَا سَاقِيَةً مِنْهُ وَلَمْ نَجِدْ لَهَا شُرْبًا مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ حَكَمْنَا عِنْدَ التَّنَازُعِ بِأَنَّ لَهَا شُرْبًا مِنْهُ انْتَهَتْ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُمْ لَا يُجْبَرُونَ عَلَى عِمَارَةِ النَّهْرِ كَالشُّرَكَاءِ لَا يُجْبَرُونَ عَلَى إعَادَةِ الْمُشْتَرَكِ إذَا انْهَدَمَ ثُمَّ إذَا اجْتَمَعُوا عَلَى الْإِصْلَاحِ جَبْرًا عَلَى الضَّعِيفِ أَوْ اخْتِيَارًا عَلَى الصَّحِيحِ.

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي حَاوِيهِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مُؤْنَةِ الْحَفْرِ كَيْفَ تَكُونُ بَيْنَهُمْ فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ مَعَ الْأَوَّلِ فَيَحْفِرُونَ مَعَهُ حَتَّى إذَا انْتَهَى إلَى آخِرِ مِلْكِهِ خَرَجَ وَحَفَرَ الْبَاقُونَ مَعَ الثَّانِي فَإِذَا انْتَهَى لِآخِرِ مِلْكِهِ خَرَجَ وَحَفَرَ الْبَاقُونَ مَعَ الثَّالِثِ وَهَكَذَا حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْأَخِيرِ فَيَنْفَرِدُ وَحْدَهُ بِحَفْرِ مَا يَلِيه وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ مَاءَ النَّهْرِ كُلَّهُ يَجْرِي عَلَى أَرْضِ الْأَوَّلِ فَاشْتَرَكَ الْجَمِيعُ فِي حَفْرِهِ، وَمَاءُ الْأَوَّلِ لَا يَجْرِي عَلَى الثَّانِي فَلَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَحْفِرَ مَعَهُ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ مُؤْنَةَ الْحَفْرِ مُقَسَّطَةٌ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَمْلَاكِهِمْ إلَّا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَسَّطَهَا عَلَى مِسَاحَاتِ الْأَرَضِينِ وَقَدَّرَ جَرَيَانَهَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْجَارِي يَسْبَحُ عَلَيْهَا عَلَى قَدْرِ مِسَاحَتِهَا وَجَرَيَانِهَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَسَّطَهَا عَلَى مِسَاحَةِ الْأَرْضَيْنِ الَّتِي عَلَى النَّهْرِ وَهُوَ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلِ أَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الْحَفْرِ تَزِيدُ بِطُولِ مِسَاحَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>