الْوَجْهِ الَّذِي عَلَى النَّهْرِ وَتَقِلُّ بِقِصَرِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا بِهِ اهـ. كَلَامُ الْحَاوِي مُلَخَّصًا وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى فَوَائِدَ وَتَبِعَهُ الرُّويَانِيُّ كَعَادَتِهِ عَلَى ذَلِكَ فِي بَحْرِهِ وَعِبَارَةُ الشَّيْخَيْنِ تُوَافِقُ ذَلِكَ وَتَنْقِيَةُ هَذَا النَّهْرِ وَعِمَارَتُهُ يَقُومُ بِهَا الشُّرَكَاءُ بِحَسَبِ الْمِلْكِ وَهَلْ عَلَى وَاحِدٍ عِمَارَةُ الْمَوْضِعِ الْمُسْتَفِلِ عَنْ أَرْضِهِ؟ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا لَا وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ الصَّبَّاغِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِيهِ لِلْبَاقِينَ وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ أَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّ التَّوْزِيعَ فِي الْأَرْضَيْنِ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ مِسَاحَتِهَا لَا قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ كُلَّمَا زَادَتْ مِسَاحَتُهَا زَادَ شُرْبُهَا فَلَزِمَ صَاحِبَهَا أَكْثَرُ مِنْ صَاحِبِ مَا هِيَ أَصْغَرُ مِنْهَا وَلَا نَظَرَ لِتَفَاوُتِ الْقِيَمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا دَخْلَ لَهُ هُنَا كَمَا هُوَ جَلِيٌّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) لَوْ كَانَتْ أَرْضٌ مُقَدَّمَةٌ فِي الشُّرْبِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الْأَرَاضِي وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ فِيهَا إلَّا بِالزَّرْعِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا يَكْتَفِي بِالْمَاءِ الْقَلِيلِ فَهَلْ لِصَاحِبِهَا أَنْ يُحْدِثَ فِيهَا شَجَرًا وَنَحْوَهُ مِمَّا يَحْتَاجُ لِزِيَادَةِ مَا يُعْتَادُ مِنْ الْمَاءِ أَمْ لَا لِأَنَّ الْأَرْضَ قَدْ تَكُونُ مُشَاعَةً فَيَشْتَرِطُونَ عِنْدَ الْقِسْمَةِ الِانْتِفَاعَ بِنَوْعٍ خَاصٍّ لِلْمُقَدَّمِ بِالشُّرْبِ، فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ وَيَلْزَمُ أَوْ يَكُونُ مُفْسِدًا؟ وَمَا الَّذِي يَصِحُّ مِنْ الشُّرُوطِ فِي الْقِسْمَةِ بِتَقْدِيمٍ فِي السَّقْيِ أَوْ تَأْخِيرٍ عَلَى خِلَافِ الْمَعْهُودِ أَوْ بِشَرْطِ الزَّرْعِ دُونَ الْغَرْسِ وَمَا الَّذِي لَا يَصِحُّ مِنْ ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ مَنْ أَرَادَ إحْدَاثَ نَحْوِ شَجَرٍ فِي أَرْضِهِ مِمَّا يَحْتَاجُ لِزِيَادَةِ سَقْيٍ لَا يُطْلَقُ الْقَوْلُ بِمَنْعِهِ، بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.
وَذَلِكَ لِأَنَّ أَرْضَهُ تَكُونُ بَعْدَهَا أَرْضٌ أُخْرَى تَسْتَحِقُّ الشُّرْبَ مِمَّا يَصِلُ إلَيْهَا زِيَادَةً أَوْ لَا يَكُونُ بَعْدَهَا شَيْءٌ بِأَنْ تَكُونَ هِيَ آخِرَ الْأَرَاضِي الَّتِي تَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ فَفِي الْحَالَةِ الْأُولَى يُمْنَعُ مِنْ إحْدَاثِ مَا ذُكِرَ فِيهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا عَلَى مَنْ بَعْدَهُ وَفِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ لَا وَجْهَ لِمَنْعِهِ؛ لِأَنَّ مَا يَنْزِلُ فِي أَرْضِهِ مِنْ الْمَاءِ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِيهِ فَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِمَا أَرَادَ وَفِي الْحَالَةِ الْأُولَى لَوْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُحْدِثَ فِي أَرْضِهِ مَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ مِمَّا يَأْخُذُ أَكْثَرَ مِمَّا يُعْتَادُ مِنْ الْمَاءِ فَمَنَعَهُ شُرَكَاؤُهُ فَقَالَ: أَنَا أَسُوقُ لَهُ مِنْ مَحِلٍّ آخَرَ مَا يَكْفِيه مِنْ الْمَاءِ فَهَلْ يُجَابُ هُوَ أَوْ هُمْ؟ وَقَضِيَّةُ مَا مَرَّ عَنْ الرَّوْضَةِ فِي الْجَوَابِ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِنْ الْمَاءِ وَيَسْقِي بِهِ أَرْضًا لَيْسَ لَهَا رَسْمٌ مِنْ هَذَا النَّهْرِ مُنِعَ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ لَهَا رَسْمَ شُرْبٍ لَمْ يَكُنْ أَنَّهُمْ يُجَابُونَ؛ لِأَنَّا إذَا مَكَّنَّاهُ مِنْ غَرْسِ مَا ذَكَرَ كَانَ فِيهِ إضْرَارٌ بِهِمْ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قَدْ يَسْتَدِلُّ بِغَرْسِهِ فِي الْأَرْضِ الْمُسْتَحِقَّةِ لِلشُّرْبِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الشُّرْبَ أَيْضًا فَإِنْ قُلْت يُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ بِأَنَّهُ هُنَا لَمْ يَفْعَلْ مَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِمْ الْآنَ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ مَا أَحْدَثَهُ مِنْ الْغَرْسِ سَاقَ لَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيه وَثَمَّ أَحْدَثَ مَا يَضُرُّهُمْ الْآنَ وَهُوَ إجْرَاءُ مَاءِ أَرَاضِيهمْ إلَى غَيْرِهَا، وَفَرْقٌ بَيْنَ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ وَالْمُتَوَقَّعِ قُلْت: هَذَا الْفَرْقُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَا يَضُرُّهُمْ الْآنَ، وَإِنَّمَا جَاءَ الضَّرَرُ مِنْ أَنَّهُ إذَا اسْتَمَرَّ يَسْقِي تِلْكَ الْأَرْضَ مِنْ مَائِهِمْ وَتَقَادَمَ الْعَهْدُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ مَنْ يَعْرِفُ أَصْلَهَا ظَنَّ حِينَئِذٍ أَنَّ لَهَا رَسْمَ شُرْبٍ، فَمَنْ ادَّعَاهُ صُدِّقَ فِيهِ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَالِ، فَالضَّرَرُ فِيهَا إنَّمَا هُوَ مُتَوَقَّعٌ أَيْضًا، فَإِنْ قُلْت: هَذَا يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ هُنَا بِالْغَرْسِ وَنَحْوِهِ فَكَيْفَ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ؟
قُلْت وَهُنَا يَتَصَرَّفُ فِي مَائِهِ الَّذِي هُوَ مِلْكُهُ أَوْ مُسْتَحَقٌّ لَهُ فَكَمَا قَالُوا ثَمَّ بِمَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِجَرِّ الضَّرَرِ عَلَى الشُّرَكَاءِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَقِينًا بَلْ احْتِمَالًا، فَكَذَلِكَ الضَّرَرُ يَمْنَعُ هُنَا مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ بِمَا يَكُونُ سَبَبًا لِذَلِكَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا الشَّرْطُ فِي الْقِسْمَةِ فَإِنْ كَانَتْ إفْرَازًا لَمْ يُؤَثِّرْ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَقْدًا حَتَّى يَتَأَثَّرَ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَيَلْزَمُ فِيهَا الشَّرْطُ الصَّحِيحُ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهَا أَنَّهَا تُبَيِّنُ أَنَّ مَا خَرَجَ لِكُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ كَانَ مِلْكَهُ، وَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ فَلَا يُعْتَدُّ بِالشَّرْطِ فِيهَا مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَتْ بَيْعًا تَأْتِي فِيهَا التَّفْصِيلُ فِي الشُّرُوطِ الْوَاقِعَةِ فِيهِ وَهُوَ أَنَّهُ مَا وَافَقَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ كَانَ لَازِمًا، وَإِنْ لَمْ يَشْرُطْ فَلَا فَائِدَةَ لِذِكْرِهِ إلَّا التَّأْكِيدُ وَمَا نَافَى مُقْتَضَاهُ يُبْطِلُهُ إنْ وَقَعَ فِي صُلْبِهِ أَوْ فِي مَجْلِسِهِ، وَمَا لَا يُنَافِيه وَلَا يَقْتَضِيه يَكُونُ لَغْوًا وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، فَالْأَرْضُ الَّتِي يَقْتَسِمُونَهَا هُنَا إنْ كَانَتْ مُسْتَوِيَةَ الْأَجْزَاء صَحَّتْ الْقِسْمَةُ وَلَمْ يُعْتَدَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute