قَالَ: عَلَى أَوْلَاد أَوْلَادِي الْمَوْجُودِينَ حِينَ انْقِرَاض أَوْلَادِي، فَإِذْ ذَاكَ يَصِيرُ وَقْفًا عَلَيْهِمْ، وَهُنَا شَيْئَانِ: تَخْصِيص أَوْلَاد الْأَوْلَاد بِأَنْ يَخْرُج مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فِي حَيَاةِ الْأَوْلَاد عَنْ شُمُول لَفْظِ الْأَوْلَادِ، وَالثَّانِي تَقْيِيد الْوَاقِفِ بِأَنْ لَا يَصِير وَلَد الْوَلَد الْبَاقِي بَعْد الْوَلَدِ مُنْدَرِجًا فِي الْوَقْفِ إلَّا بَعْد وَفَاةِ الْوَلَدِ وَهُمَا اعْتِبَارَانِ مُتَغَايِرَانِ.
فَلِقَائِلٍ أَنْ يَذْهَبَ إلَى هَذَا التَّخْصِيص وَالتَّقْيِيد؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ وَلَقَائِلٌ أَنْ يَدْفَعهُمَا وَيَذْهَب إلَى الِاحْتِمَال الْأَوَّل وَهُوَ أَنَّ أَوْلَاد الْأَوْلَاد مَوْقُوف عَلَيْهِمْ فِي حَيَاة الْأَوْلَاد بِمَعْنَى أَنَّ الْوَقْف شَامِل لَهُمْ وَمُقْتَضٍ لِلصَّرْفِ إلَيْهِمْ، وَلَهُ شَرْط إذَا وَجَدَ عَمَل الْمُقْتَضَى عَمَله، وَهَذَا أَقْرَب إلَى قَوَاعِد اللُّغَة وَالْفِقْه. وَبِمَا قَدَّمْنَاهُ يَتَبَيَّنُ لَك أَنَّ هَذِهِ الْمُقَدَّمَةَ انْطَوَتْ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنَّ كُلَّ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ دَاخِلُونَ فِي لَفْظِ الْوَاقِفِ وَمُرَاده أَوَّلًا، وَالثَّانِيَةِ: هَلْ الْوَقْف عَلَيْهِمْ مَوْقُوف عَلَى انْقِرَاض آبَائِهِمْ أَوْ لَا؟ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَوْقُوفًا عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ يُقَال إنَّهُمْ مِنْ أَهْل الْوَقْف أَوْ لَيْسُوا مِنْهُمْ حَتَّى يَنْقَرِض آبَاؤُهُمْ؛ لِأَنَّ أَهْل الشَّيْء هُوَ الْمُتَمَكِّنُ مِنْهُ الْقَوِيُّ فِيهِ؟ الْمُقَدَّمَةِ الثَّالِثَةِ: التَّرْتِيب الْمُسْتَفَاد مِنْ ثُمَّ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُصْرَف لِأَحَدٍ مِنْ أَوْلَاد الْأَوْلَاد شَيْء حَتَّى يَنْقَرِض جَمِيع الْأَوْلَاد وَهُوَ مَوْضُوع اللَّفْظ؛ لِأَنَّ اللَّفْظ اقْتَضَى تَأَخُّر مُسَمَّى أَوْلَاد الْأَوْلَاد عَنْ مُسَمَّى الْأَوْلَاد وَمَجْمُوعهمْ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ مَا قُلْنَاهُ.
، وَأَمَّا تَرْتِيب الْأَفْرَاد عَلَى الْأَفْرَاد فَلَيْسَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ وَلَكِنَّهُ مُحْتَمَلٌ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَقَرِينَةٍ فِي اللَّفْظِ تَدُلُّ عَلَيْهِ. الْمُقَدِّمَةِ الرَّابِعَةِ: أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ الْأَوْلَادِ فِي حَيَاةِ بَاقِيهمْ فَإِنَّهُ يَنْتَقِل نَصِيبه إلَى الْبَاقِينَ وَالْفَرْق أَنَّ مُسَمَّى الْوَلَد بَاقٍ، وَالْوَقْفُ عَلَى الْأَوْلَادِ كَالْوَقْفِ عَلَى الْجِهَةِ، وَالْجِهَةُ صَادِقَةٌ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَمَا دَامَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ مَوْجُودًا كَانَ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ؛ فَلِذَلِكَ لَا نَقُول بِالِانْقِطَاعِ وَلَا بِالِانْتِقَالِ إلَى مَنْ بَعْدَهُمْ، وَبَلَغَنِي أَنَّ فِي مَذْهَبِ الْأَمَامِ أَحْمَدَ رِوَايَة أَنَّهُ يَنْتَقِلَ إلَى وَلَدِ الْوَلَدِ وَيَحْمِلُ التَّرْتِيبَ عَلَى تَرْتِيبِ الْأَفْرَادِ فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَة فَهِيَ كَالْوَجْهِ الَّذِي عِنْدنَا فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى زَيْد وَعَمْرو وَبَكْر، وَلَكِنْ الْفَرْق بَيْنهمَا هُوَ الَّذِي أَوْضَحْنَاهُ فِيمَ لَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي: زَيْد وَعَمْرو وَبَكْر احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ هُنَا قَدْ قَوَّى جَانِب الْأَعْيَان وَضَعَّفَ جَانِب الْجِهَة.
وَلَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى زَيْد وَعَمْرو وَبَكْر، كُلُّ وَاحِدٍ ثُلُثٌ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاء، فَهَذَا التَّفْصِيل يَقْتَضِي أَنَّهُ كَثَلَاثَةِ أَوْقَاف فَهُنَا يَضْعَفُ الْقَوْل بِأَنَّهُ إذَا مَاتَ وَاحِد يَنْتَقِل نَصِيبه إلَى الْبَاقِينَ وَيَقْوَى الْقَوْلُ بِأَنَّ نَصِيبه يَنْتَقِلُ إلَى الْفُقَرَاءِ. الْمُقَدِّمَةِ الْخَامِسَةِ: تَرْتِيبُ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ عَلَى الْأَوْلَادِ تَرْتِيبَ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ، وَتَرْتِيبُ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ تَارَةً يُرَادُ بِهِ تَرْتِيبُ الْأَفْرَادِ عَلَى الْأَفْرَادِ مِثَاله أَنْ يَكُونَ كُلُّ فَرْعٍ مُرَتَّبًا عَلَى أَصْلِهِ فَهُنَا يَصِحّ أَنْ يُقَالَ: الْأَفْرَادُ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى الْأَفْرَادِ.
وَالْجُمْلَةُ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ وَتَارَةٌ يُرَادُ بِهِ تَرْتِيب الْجُمْلَة عَلَى الْجُمْلَة مِنْ غَيْرِ تَرْتِيب الْأَفْرَاد عَلَى الْأَفْرَاد، وَهَذَا الَّذِي قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ ظَاهِر اللَّفْظ مِثَاله هُنَا أَنَّهُ لَا يَنْتَقِل لِأَوْلَادِ الْأَوْلَاد شَيْء حَتَّى يَنْقَرِض جَمِيع الْأَوْلَاد مِثَال الْأَوَّل أَنَّهُ يَنْتَقِل لِكُلِّ وَاحِد نَصِيب أَصْله، وَقَدْ يَكُونُ بَيْن الْمَعْنَيَيْنِ وَاسِطَة، مِثَاله أَنْ يُرَادَ تَرْتِيب الْجُمْلَة عَلَى الْجُمْلَة إلَّا فِي بَعْض الْمَوَاضِع الَّتِي يَنُصُّ الْوَاقِف عَلَيْهَا، مِثَاله أَنْ يَقُول: لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ أَوْلَاد الْأَوْلَاد شَيْءٌ إلَّا مَنْ كَانَ لَهُ مِنْ الْأَوْلَاد نَصِيب قَدْ اسْتَحَقَّهُ وَمَاتَ بَعْد اسْتِحْقَاقه فَإِنَّهُ يَنْتَقِل لِوَلَدِهِ فَلَا يَدْخُلُ مَنْ مَاتَ أَبُوهُ قَبْل الِاسْتِحْقَاق، وَإِنْ كَانَ لَوْ قَالَ: يُرَتَّبُ كُلُّ فَرْعٍ عَلَى أَصْلِهِ لَدَخَلَ، وَإِذَا دَار لَفْظ مُجْمِل بَيْن الْمَعَانِي الثَّلَاث وَتَعَذَّرَ الْعَمَل بِظَاهِرِهَا فَلِقَائِلٍ أَنْ يُرَجِّح هَذَا الْمَعْنَى الثَّالِثَ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ أَقْرَب إلَى حَقِيقَة اللَّفْظ، وَإِذَا تَعَذَّرَ الْعَمَل بِالْحَقِيقَةِ فَكَانَ مَا قَرُبَ مِنْهَا أَوْلَى. الْمُقَدَّمَةِ السَّادِسَةِ لَفْظ النَّصِيب ظَاهِر فِي الْمُسْتَحَقّ الْمُتَنَاوَلِ وَيُحْتَمَل أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا يَخُصّهُ مِنْ الْوَقْفِ بِحَيْثُ لَوْ زَالَ الْحَاجِبُ لَتَنَاوَلَهُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَعْنِي وَلَدَ الْوَلَدِ لَوْ زَالَ الْحَاجِب لَاسْتَحَقَّ قِسْطًا فَذَلِكَ نَصِيبٌ إمَّا بِالْقُوَّةِ فَقَطْ.
وَإِمَّا بِالْفِعْلِ فَتَنَاوُلُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى شَرْطٍ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا قُلْنَا: إنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى. الْمُقَدِّمَةِ السَّابِعَةِ قَدْ يَقُولُ وَقَفْت عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَلَى أَوْلَاده ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ، وَقَدْ يَقُولُ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute