عَنْ الْوَاقِف، وَوُجُود الْأَعْلَى مَانِع مِنْ تَنَاوُلِ مَنْ دُونَهُ وَلَيْسَ تَنَاوُلُهُ شَرْطًا فِي تَنَاوُلِ مَنْ بَعْده إذَا قَامَ شَرْطُ التَّنَاوُل وَيُؤَيِّد هَذَا أَنَّ أَحَدًا لَا يَكَادُ يَقْصِد حِرْمَانَ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ الْأَيْتَام وَإِبْقَاءَهُنَّ بِوَصْفِ الْحَاجَةِ وَالْفَاقَةِ وَتَوْفِيرِ الْوَقْفِ كُلِّهِ عَلَى مَنْ هُوَ نَظِيرُهُمْ فِي الدَّرَجَةِ وَالْقُرْب مِنْ الْوَاقِف فَهَذَا لَيْسَ مِنْ عَادَةِ الْعُقَلَاء كَتَبَهُ مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر الْحَنْبَلِيُّ.
وَقَالَ الْآخَرُ مِنْهُمْ بِنَقْلِ النِّصْف إلَى بَنَاتِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْوَاقِف قَصَدَ تَخْصِيص الْمَوْقُوف عَلَيْهِمْ وَأَنْسَالِهِمْ دُون غَيْرهمْ. وَأَكَّدَ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ وَيَقُمْنَ بَنَاتُ الْمَذْكُور فِي الِاسْتِحْقَاق مَقَامَ وَالِدهنَّ لَوْ كَانَ حَيًّا فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا اسْتَحَقَّ النِّصْفَ وَلَكِنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ وَهُوَ وَفَاتُهُ فِي حَيَاة أَبِيهِ فَنَقَلَ نَصِيبَهُ إلَى أَوْلَادِهِ دُون غَيْرِهِمْ، وَوُجُودُ أَلْتَى وَشَقْرَى لَمْ يَكُنْ مَانِعًا لِبَنَاتِ مُحَمَّدٍ مِنْ التَّنَاوُلِ لِمَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ وَالِدُهُنَّ لَوْ كَانَ حَيًّا كَتَبَهُ مُحَمَّدُ بْن الشِّحْنَا الْحَنْبَلِيُّ هَذِهِ فَتَاوَى الْحَنَابِلَة وَحَكَمَ بُرْهَانُ الدِّينِ الْحَنْبَلِيُّ الزَّوْعِيُّ بِمُقْتَضَاهَا فِي الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ وَنَفَّذَهُ فِي تَارِيخِهِ مُسْتَنِيبَةُ قَاضِي الْقُضَاةِ عَلَاءِ الدِّينِ.
وَنَفَّذَهُ فِي تَارِيخِهِ قَاضِي الْقُضَاة عِمَادُ الدِّينِ الْحَنَفِيُّ وَنَفَّذَهُ ثَالِثَ رَمَضَانَ قَاضِي الْقُضَاةِ شَرَفُ الدِّينِ الْمَالِكِيُّ وَنَفَّذَهُ قَاضِي الْقُضَاة جَلَالُ الدِّينِ فِي تَارِيخِهِ فِي ثَالِثِ رَمَضَانَ الْمَذْكُورِ ثُمَّ أَذِنَ جَلَالُ الدِّينِ قَاضِي الْقُضَاةِ فِي تَارِيخِهِ لِجَلَالِ الدِّينِ نَاظِرِ الْأَيْتَامِ أَنْ يَنْظُرَ فِيمَا ثَبَتَ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْبَنَاتِ الثَّلَاثِ الْأَخَوَات إلَى أَنْ يَتَعَيَّن مَنْ يَسْتَحِقُّ النَّظَرَ فِي الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ، وَأَشْهَد قَاضِي الْقُضَاةِ جَلَالُ الدِّينِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فِي الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمِائَةِ وَاسْتُفْتِيَ فِي هَذَا الْحُكْمِ إذَا رُفِعَ إلَى حَاكِمٍ آخَرَ هَلْ يَسُوغُ لَهُ نَقْضُهُ يَعْنِي حُكْم الزَّوْعِيِّ وَتَنْفِيذه؟
فَأَجَابَ جَمَاعَةٌ مِنْ جَمِيعِ الْمَذَاهِبِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ.
وَمِنْهُمْ مِنْ الْحَنَابِلَةِ مَنْ عَلَّلَ بِأَنَّهُ مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَالْحَاكِم إذَا حَكَمَ فِي مَسْأَلَة الْخِلَاف يَرْتَفِع الْخِلَاف، كَتَبَهُ يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنْبَلِيُّ، فَأَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّل وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَنْتَقِل النِّصْف لِبَنَاتِ مُحَمَّدٍ فَدَعْوًى، وَقَوْله: إنَّهُنَّ يَقُمْنَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ مَقَامَ وَالِدِهِنَّ أَيْضًا دَعْوًى لَيْسَ فِي شَرْطِ الْوَاقِفِ تَصْرِيح بِهَا وَقَوْلُهُ: إنَّهُ لَا يَمْنَع مِنْ اسْتِحْقَاقِهِنَّ كَوْن وَالِدهنَّ كَانَ مَحْجُوبًا صَحِيحٌ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْن هَذَا لَا يَمْنَع غَيْره وَلَا مِنْ كَوْنه يَمْنَع وُجُودَ الْمُقْتَضِي لِلِاسْتِحْقَاقِ فَلَمْ يَأْتِ بِدَلِيلٍ عَلَيْهِ، وَأَمَّا قَوْلُ مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ ابْن الْقَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ يَنْتَقِلُ النِّصْفُ فَهُوَ أَيْضًا دَعْوًى، وَقَوْلُهُ: لَا يَمْنَع مِنْ اسْتِحْقَاقهنَّ عَدَمُ تَنَاوُلِ أَبِيهِنَّ جَوَابه مَا تَقَدَّمَ.
وَقَوْله: فَإِنَّهُ كَانَ مَحْجُوبًا بِأَبِيهِ إلَخْ مُنَازَع بِأَنَّ كَلَامَ الْعُلَمَاءِ فِيهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ حَتَّى يَنْقَرِضَ مِنْ قِبَله، وَإِنَّمَا يُطْلَق أَهْلُ الْوَقْفِ عَلَى مَنْ يُتَنَاوَلُ، وَإِنْ كَانَ الْآخَر مُحْتَمَلًا فَأَخْذُهُ هُنَا مُسَلَّمٌ لَيْسَ بِجَيِّدٍ، بَلْ يَحْتَاجُ أَنْ يَأْتِيَ بِدَلِيلٍ عَلَيْهِ، وَقَوْله: وَيُؤَيِّد هَذَا إلَخْ هَذَا عُمْدَة الْحَنَابِلَة وَهُوَ الِاعْتِمَاد عَلَى الْمَعْنَى وَفِيهِ نَظَر؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلْوَاقِفِ مَقْصُود فِي مُرَاعَاة الْقُرْب، وَقَوْله: وَالْقُرْب مِنْ الْوَاقِف ذُهُول عَنْ صُورَة الِاسْتِفْتَاء؛ لِأَنَّهُ فِي الْوُقُوف عَلَيْهِ لَا فِي الْوَاقِف، وَأَمَّا مَا قَالَ الْآخَر فَجَوَابه مَا سَبَقَ فَتَبَيَّنَ أَنَّ فَتَاوَى الْحَنَابِلَة لَمْ تَشْتَمِل عَلَى حُجَّة، وَأَمَّا الْفَتَاوَى بِعَدَمِ النَّقْض فَكُلّهَا لَمْ يُبَيَّنْ فِيهَا الْمُسْتَنَد إلَّا يُوسُف بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنْبَلِيُّ بِقَوْلِهِ: مِنْ الْمُخْتَلَف فِيهِ عَلَى مَا فِيهِ خِلَاف لِلْمُتَقَدِّمِينَ، وَأَمَّا مَا يَقَع لَنَا فَتَتَجَاذَب الْآرَاء فِيهِ فَلَا يُقَال: إنَّهَا مِنْ الْمُخْتَلَف فِيهِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُر فِيهَا فَإِنَّ اتَّضَحَ دَلِيلٌ عَلَيْهَا اُتُّبِعَ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ حُكِمَ فِيهَا بِحُكْمٍ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَلِيل يَنْبَغِي جَوَازُ نَقْضِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَلِيل لَمْ يُنْقَضْ، وَهَذَا الْحُكْم لَمْ نَجِدْهُ فِي كَلَام الْحَنَابِلَة الَّذِي اسْتَنَدَ إلَيْهِمْ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا، نَعَمْ عِنْدنَا دَلِيل آخَر وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي كَلَامنَا، يَبْقَى نَظَرٌ آخَر وَهُوَ أَنَّ الْحَاكِمَ الْحَنْبَلِيَّ إذَا لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى دَلِيلٍ وَلَكِنْ اسْتَنَدَ إلَى مَا ذَكَره أَصْحَابُهُ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ هَلْ تَكُونُ مُدَافَعَةُ حُكْمِهِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الدَّلِيلِ مَانِعًا مِنْ نَقْضِهِ أَمْ لَا؟ هَذَا مُحْتَمَلٌ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يَصْلُح أَنْ يَكُونَ مَانِعًا فَإِنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْحُكْمِ الِاسْتِنَادَ إلَى دَلِيلٍ صَحِيحٍ، فَإِنْ وَجَدْنَا إسْجَالَ الْحَاكِمِ مُطْلَقًا غَيْرَ مُسْتَنِدٍ إلَى سَبَبٍ وَوَجَدْنَا دَلِيلًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute