صَحِيحًا لَمْ يَكُنْ لَنَا نَقْضُهُ بَلْ نُحْسِنُ الظَّنَّ بِهِ وَلَا نَعْتَقِدُ أَنَّهُ اسْتَنَدَ إلَى مَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ الدَّلِيلِ أَوْ إلَى دَلِيلٍ مِثْلِهِ.
وَإِنْ بَيَّنَ الْمُسْتَنَدَ وَرَأَيْنَاهُ غَيْرَ صَالِحٍ وَلَا تَشْهَدُ لَهُ قَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ بِصِحَّتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُنْقَضَ وَيُحْكَمَ حُكْمًا مُسْتَنِدًا إلَى دَلِيلٍ صَحِيحٍ لَكِنْ أَرَى
مِنْ بَابِ الْمَصْلَحَةِ
أَنْ لَا يُنْقَضَ وَيُنَفَّذَ؛ لِئَلَّا يَتَجَرَّأَ النَّاسُ عَلَى نَقْضِ أَحْكَامِ الْحُكَّامِ وَيُجْعَلُ التَّنْفِيذُ كَأَنَّهُ حُكْمٌ مُبْتَدَأٌ مُسْتَقِلٌّ وَلَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ الْمُنَفِّذ بِحُكْمٍ مُسْتَنِدٍ إلَى دَلِيلٍ مُوَافِقٍ لِلْأَوَّلِ وَبَقِيَ الْأَوَّلُ عَلَى حَالَةٍ كَانَ أَوْلَى وَأَجْمَعَ لِلْمَصَالِحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.
جَوَاب السُّبْكِيّ لَكِنَّهُ لَمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَائِسِ يَسْتَحِقُّ أَنْ لَا يُتْرَكَ وَإِنْ كَانَ مُطَوَّلًا وَكَانَ مَبْنَى هَذَا الْكِتَابِ عَلَى الِاخْتِصَارِ مَا أَمْكَنَ فَتَأَمَّلْهُ تَجِدْهُ مُرَجِّحًا لِاسْتِحْقَاقِ بَنَاتِ مُحَمَّدٍ مَعَ عَمَّتَيْهِمَا وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَرْجَحُ قُبَيْل التَّنْبِيه وَاعْتِرَاضُهُ عَلَى الْحَنَابِلَةِ الَّذِينَ ذَكَرهمْ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمِ بَلْ مِنْ حَيْثُ جَزْمُهُمْ بِهِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ مُسْتَنَدِهِ أَوْ مَعَ بَيَانِ مُسْتَنَدٍ لَا يَنْهَضُ عَلَى مَا ادَّعَاهُ فِي جَوَابِ ابْن الْقَيِّمِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ نَعَمْ عِنْدنَا دَلِيلٌ آخَر وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي كَلَامنَا فَعُلِمَ أَنَّهُ مُوَافَقَةٌ عَلَى الْحُكْمِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ أَوَّلُ كَلَامِهِ وَآخِرِهِ وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ صُورَةَ السُّؤَالِ الَّتِي أَفْتَى هُوَ وَهُمْ فِيهَا بِاسْتِحْقَاقِ الْأَوْلَادِ هِيَ مَا تَقَدَّمَ كَمَا رَأَيْتُهُ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي اطَّلَعْتُ عَلَيْهَا فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي الْوَاقِع فَهِيَ عَيْنُ مَسْأَلَتنَا فَيُنْسَبُ إلَيْهِ وَإِلَيْهِمْ أَنَّهُمْ قَائِلُونَ بِاسْتِحْقَاقِ الْأَوْلَادِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي الْوَاقِع بَلْ فِيهِ زِيَادَة وَهِيَ أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ عَنْ وَلَد فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ كَمَا قَدْ يَدُلّ عَلَيْهِ بَعْضُ كَلَامِهِ الَّذِي تَرَكْتُهُ لِتَحْرِيفِ النُّسْخَة كَمَا أَشَرْت إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ لَمْ يُنْسَبْ إلَيْهِ وَإِلَيْهِمْ الْقَوْل بِالِاسْتِحْقَاقِ فِي مَسْأَلَتنَا إلَّا بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاء لَا الصَّرِيح وَبَيَانه أَنَّ صُورَتَنَا مُوَافِقَةٌ لِصُورَتِهِ فِي الْعَطْف بِثُمَّ وَمَعَ ذَلِكَ أُلْغِي الْعَمَل بِقَضِيَّتِهَا لِمَا قَرَّرَهُ مِمَّا عَارَضَهَا فَكَذَلِكَ نُلْغِي قَضِيَّتهَا فِي صُورَتِنَا لِمَا عَارَضَهَا مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ الْمُتَبَادِرِ مِنْهُ الْمُعْتَضَدِ بِمَا يَأْتِي مِنْ الْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ وَالْحَالِيَّةِ.
وَأَيْضًا فَمَا وُجِّهَ بِهِ اسْتِحْقَاقُ بَنَاتِ مُحَمَّدٍ مَعَ عَمَّتَيْهِمَا الْمُخَالِف لِقَضِيَّتِهِ ثُمَّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ شَيْءٌ لِوَاحِدِ مِنْ بَطْنٍ سَافِلٍ وَهُنَاكَ أَحَدٌ مِنْ بَطْنٍ عَالٍ وَذَلِكَ الَّذِي وُجِّهَ بِهِ وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ أَنَّ وَلَد الْوَلَدِ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ فِي حَيَاةِ الْوَلَدِ وَأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ مُحَقَّقٌ وَحَجْبَهُ مَنْ فِي دَرَجَةِ أَبِيهِ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَتَرْكُ الْمَشْكُوكِ وَالْعَمَلُ بِالْمُحَقَّقِ يَقْضِي لَهُنَّ بِالِاسْتِحْقَاقِ فِي حَيَاةِ عَمَّتَيْهِمَا وَأُلْغِي بِذَلِكَ قَضِيَّةُ التَّرْتِيبِ الَّتِي صَرَّحَ بِهَا الْأَئِمَّةُ مَوْجُودٌ بِعَيْنِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِمْ فِي حَيَاةِ آبَائِهِمْ أَيْضًا.
وَإِنَّمَا هُمْ مَحْجُوبُونَ بِآبَائِهِمْ يَقِينًا وَشَكَكْنَا فِي حَجْبِهِمْ بِمَنْ فِي دَرَجَةِ آبَائِهِمْ فَتَرَكْنَا الْمَشْكُوكَ فِيهِ وَعَمِلْنَا بِالْيَقِينِ مَعَ مَا انْضَمَّ إلَيْهِ مِمَّا يُسَاعِدُهُ مِنْ الْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ وَالْحَالِيَّةِ الْآتِي بَيَانُهَا فِي صُورَتِنَا وَلَا يُتَوَهَّمُ مِنْ كَلَامه أَنَّ كَوْنَ الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ مَثَلًا يَصِحُّ أَنْ يُقَال: إنَّهَا مَوْقُوفٌ عَلَيْهَا فِي حَيَاةِ أَهْلِ الْمَرْتَبَة الْأُولَى وَإِنَّمَا هِيَ مَحْجُوبَةٌ بِهَا مِمَّا هُوَ بِمُجَرَّدِهِ مُلْغٍ لِقَضِيَّةِ الْعَطْفِ بِثُمَّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَمَشَّى عَلَى كَلَام الْأَئِمَّةِ فِي ثُمَّ وَإِنَّمَا الَّذِي يُلْغِيهَا مَا يَنْضَمُّ إلَى ذَلِكَ مِنْ الْقَرَائِنِ كَمَفْهُومِ الشَّرْطِ فِي صُورَتِنَا وَصُورَتِهِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ النُّسْخَةِ الَّتِي مَرَّتْ وَكَصَرِيحِ الشَّرْطِ الَّذِي أَشَرْنَا إلَى أَنَّ كَلَامَهُ فِي غُضُونِ جَوَابِهِ قَدْ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِهِ وَهُوَ أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ وَلَهُ نَصِيبٌ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ وَحِينَئِذٍ فَوَجْهُ التَّوَقُّفِ بِنَاءً عَلَى فَرْضِ أَنَّ هَذَا فِي صُورَتِهِ أَنَّ مُحَمَّدًا الْمُتَوَفَّى هُنَا قَبْلَ وَالِدِهِ لَا نَصِيب لَهُ فَكَأَنَّ قَضِيَّةَ اللَّفْظِ أَنْ لَا يَنْتَقِل لِبَنَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ نَصِيب أَبِيهِ؛ لِأَنَّ نَصِيبه انْتَقَلَ لِبِنْتِهِ الْحَاجِبَتَيْنِ لِبَنَاتِ أَخِيهِمَا نَظَرًا لِقَضِيَّةِ الْعَطْفِ بِثُمَّ السَّابِقَةِ لَكِنْ لَمَّا اُحْتُمِلَ أَنَّ الْوَاقِفَ يُرِيدُ بِالنَّصِيبِ فِي قَوْلِهِ مَنْ تُوُفِّيَ وَلَهُ وَلَد فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ النَّصِيبُ الْحَقِيقِيُّ وَالتَّقْدِيرِيُّ.
وَعَضَّدَهُ مَا قَدَّمَهُ السُّبْكِيّ فِي جَوَابِهِ صَلُحَ ذَلِكَ مَعَهُمَا لِلنَّصِيبِ فِي الْمُحَقَّقِ وَالْمُقَدَّرِ فَلَزِمَ حِينَئِذٍ اسْتِحْقَاقُ بَنَاتِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ وَالِدُهُمْ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَحْجُوبٌ بِهِ فَلَهُ نَصِيبٌ لَكِنَّهُ مُقَدَّرٌ أَيْ: لَوْ مَاتَ أَبُوهُ فِي حَيَّاته لَاسْتَحَقَّهُ فَأَخَذَ بَنَاتُهُ نَصِيبَهُ ذَلِكَ الْمُقَدَّرَ لَا فِي حَيَاةِ أَحْمَدَ أَبِيهِ؛ لِأَنَّ وَالِدَهُمْ لَا نَصِيبَ لَهُ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ بَلْ بَعْدَ مَمَاتِهِ إذْ بِمَمَاتِهِ تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ مَوْجُودًا لَاسْتَحَقَّ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute