فِي بَيَانِ ذَلِكَ وَالرَّدِّ عَلَى مَنْ تَوَهَّمَ أَنْ الْعَبَّادِيَّ يَقُول: أَنَّ ثُمَّ وَالْوَاو سَوَاء مُطْلَقًا قَالَ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا قَالَهُ فِيهَا إذَا أَضَافَ إلَى ثُمَّ بَطْنًا بَعْد بَطْنٍ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْقَاضِي وَوَجْهُهُ أَنَّ ثُمَّ تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَبَطْنًا بَعْد بَطْنٍ يَقْتَضِي الْجَمِيعَ فَلَوْ قُلْنَا بِظَاهِرِهِمَا لَأَبْطَلْنَا اللَّفْظَ؛ لِلتَّنَاقُضِ فَاحْتَاجَ لِطَرِيقٍ تُصَحِّحهُ هِيَ أَنَّ ثُمَّ تُسْتَعْمَلُ لِلْجَمْعِ لُغَةً فَنَقَلَ الْكَلَام مِنْ حَقِيقَتِهِ إلَى مَجَازِهِ بِقَرِينَةِ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ فَإِنَّ الْبَغَوِيَّ لَمْ يُصَرِّحْ بِهَذَا إلَّا فِيمَا تَنَاسَلُوا سَوَاء أَضَمَّ إلَيْهَا بَطْنًا بَعْد بَطْنٍ أَمْ لَا أَمَّا فِي صُورَةِ إفْرَاد بَطْنًا بَعْد بَطْنٍ فَلَمْ يَذْكُرهَا ثُمَّ قَالَ: وَالصَّوَاب قَوْلُ الْقَاضِي لَوْ قَالَ: عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ مَا تَنَاسَلُوا أَوْ تَعَاقَبُوا فَهَذَا وَقْفٌ مُرَتَّبُ الِابْتِدَاءِ لَا الِانْتِهَاءِ وَمَعْنَى التَّرْتِيبِ فِي بَطْنًا بَعْد بَطْنٍ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ لِأَحَدٍ مِنْ الطَّبَقَةِ السُّفْلَى شَيْءٌ حَتَّى يَنْقَرِضَ جَمِيعُ الطَّبَقَةِ الْعُلْيَا وَمَعْنَى التَّرْتِيبِ فِي ثُمَّ كَذَلِكَ عِنْد الْإِطْلَاقِ وَقَدْ يَقْتَرِنُ بِهَاتَيْنِ الصِّيغَتَيْنِ مِنْ أَلْفَاظِ الْوَاقِفِ قَرَائِن تُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ حَجْبُ كُلِّ فَرْعٍ بِأَصْلِهِ فَيَعْمَل بِهَا الثَّالِثُ مَا حَاوَلَهُ مِنْ التَّخْرِيجِ يُوهِمُ التَّسْوِيَةَ بَيْن الْمَسْأَلَتَيْنِ أَعْنِي بَيْن مَسْأَلَةِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو ثُمَّ الْفُقَرَاء وَبَيْن مَسْأَلَة الْأَوْلَاد ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ وَقَدْ اغْتَرَّ بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ فَأَفْتَى فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ يَنْتَقِل نَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ فَمَاتَ وَاحِدٌ عَنْ وَلَدٍ فَأَفْتَى أَنَّ نَصِيبَهُ لِوَلَدِهِ، وَهَذَا غَلَط، وَآخِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ يُبَيِّنُ مُرَادَهُ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُعْطَى أَحَدٌ مِنْ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ حَتَّى يَنْقَرِضَ الْأَوْلَاد وَمَا دَامَ وَاحِد مِنْهُمْ لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ مِنْ أَوْلَاد الْأَوْلَاد وَالْمَسْأَلَة إجْمَاعِيَّة وَلَمْ يُخَالِف فِيهَا أَحَدٌ إلَّا مِمَّنْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَدْ سَبَقَ مِنْ كَلَام صَاحِب التَّقْرِيب ذَلِكَ وَإِنَّهُ يَصِير مُنْقَطِعَ الْوَسَط الرَّابِعُ: مَا حَاوَلَهُ مِنْ التَّخْرِيج مَنَعَهُ فِي الرَّوْضَة وَفَرَّقَ بِأَنَّ مَنْ بَقِيَ مِنْ الْأَوْلَاد يُسَمَّى أَوْلَادًا بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ أَحَد الشَّخْصَيْنِ وَهُوَ فَرْقٌ صَحِيحٌ وَقَرِيبٌ مِنْهُ قَوْلُ الْبَغَوِيِّ فِي فَتَاوَى شَيْخِهِ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِي لَا يَرْجِعُ إلَى الْآخَر عِنْد مَوْت أَحَدِهِمَا بَلْ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَاد أَوْلَادِي اهـ. الْخَامِسُ: أَطْلَقُوا أَنَّ ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ وَلَمْ يَعْتَبِرُوا حَقِيقَتَهَا فِي اللُّغَة مَعَ التَّرْتِيب وَهُوَ التَّرَاخِي وَالِانْفِصَال، وَقِيَاس ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْوَقْف مُنْقَطِعًا فِي لَحْظَة وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ وَيَجِيءُ مِثْلُهُ فِيمَا لَوْ قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى زَيْد ثُمَّ عَمْرو أَوْ قَالَ: أَوْصَيْت إلَى زَيْد ثُمَّ عَمْرو اهـ.
حَاصِلُ كَلَامِهِ عَلَى عِبَارَةِ الرَّافِعِيِّ الْمَذْكُورَةِ وَمَا ذَكَره فِي مَسْأَلَتِنَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَرَ فِيهَا شَيْئًا لِأَحَدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ إذْ لَوْ رَأَى فِيهَا كَلَامَ مِثْلِ الرُّويَانِيُّ وَوَالِدِهِ السَّابِقِ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَقُولَ مَعَ ذَلِكَ وَالْمَسْأَلَةُ إجْمَاعِيَّةُ وَلَمْ يُخَالِف فِيهَا أَحَدٌ إلَّا مِمَّنْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَبَعْد أَنْ بَانَ لَك أَنَّ الْقَائِلَ بِخِلَافِ مَا قَالَهُ فِيهَا مِثْلُ الرُّويَانِيِّ وَوَالِدِهِ فَلَا مُعَوِّل عَلَى مَا ذَكَره حِينَئِذٍ وَلَا نَظَرَ لِقَوْلِهِ: إجْمَاعِيَّةٌ وَلَا إلَى قَوْلِهِ: إلَّا مِمَّنْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَيُقَال: لَهُ إنَّمَا كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَسْلَمَ لَكَ مَا ذَكَرْتَ أَنْ لَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ لَا نَقْلَ فِيهَا مِنْ مِثْل الرُّويَانِيِّ وَوَالِدِهِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا مَرَّ، وَأَمَّا بَعْد أَنْ وُجِدَتْ مَنْقُولَةً وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فَلَا مُعَوِّلَ عَلَى غَيْرِ الْمَنْقُولِ فِيهَا ثُمَّ فِي كَلَامِهِ أُمُورٌ: مِنْهَا أَنَّ قَوْلَهُ: وَقَدْ يَقْتَرِنُ بِهَاتَيْنِ الصِّيغَتَيْنِ مِنْ أَلْفَاظِ الْوَاقِفِ قَرَائِنُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ حَجْبُ كُلِّ فَرْعٍ بِأَصْلِهِ فَيُعْمَلُ بِهَا ظَاهِرٌ بَلْ صَرِيحٌ فِي الْعَمَلِ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ الْمُتَبَادِر مِنْهُ فِي مَسْأَلَتنَا الْمُعَيَّن أَنَّ الْمُرَادَ فِيهَا حَجْبُ كُلِّ فَرْعٍ بِأَصْلِهِ لِمَا احْتَفَّ بِهِ مِنْ الْقَرَائِنِ الْآتِيَةِ، وَإِذَا عُلِمَ أَنَّهُ قَائِلٌ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ الَّتِي يَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهَا فِي كَلَام غَيْرِهِ وَأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي مَسْأَلَتنَا فَلْيُعْلَمْ بُطْلَانَ قَوْلِهِ فِي صُورَةِ الْإِفْتَاءِ الَّتِي ذَكَرهَا فِيمَا مَرَّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ لِمَا قَدَّمَهُ قَبْله بِقَلِيلٍ، فَإِنْ قُلْتَ: قَدْ لَا يَسْلَم أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ قَرِينَةٌ.
(قُلْتُ:) لَا يَسَعُهُ إنْكَارُ ذَلِكَ لِمَا هُوَ جَلِيٌّ مِنْ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَهُ مَفْهُومٌ وَأَنَّ مَفْهُومَهُ، وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ لَكِنْ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَقَاصِدِ الْوَاقِفِينَ وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ عُرْفُهُمْ يُرَجِّحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَفْهُومِهِ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ يَكُونُ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ ذَلِكَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ لَغْوًا وَبَيَانُهُ أَنَّ صَرِيحَ الْعَطْف بِثُمَّ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ شَيْءٌ لِأَحَدٍ مِنْ الْبَطْنِ الثَّانِي مَا بَقِيَ أَحَدٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute