للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَشَرَفٌ وَمَجْدٌ (اعْلَمْ) وَفَّقَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكَ أَنَّ سَيِّدَنَا وَشَيْخَنَا الْإِمَامَ الَّذِي خَضَعَتْ لِرَفِيعِ مَنْصِبِهِ مَنَازِلُ النَّيِّرَيْنِ الْقَمَرِ وَالشَّمْسِ، وَالْعَالِمَ الَّذِي أَعْرَبَتْ بَدَاهَتُهُ عَمَّا اسْتَعْجَمَ عَلَى الْقُوَّتَيْنِ الْفِكْرِ وَالْحَدْسِ، وَالْفَهَّامَةَ الَّذِي أَزَاحَتْ سَوَاطِعُ فَهْمِهِ غَيَاهِبَ الظُّلْمَتَيْنِ الشَّكِّ وَاللَّبْسِ، وَالْعَلَّامَةَ الَّذِي كُلِّفَ بِالْعِلْمِ حَتَّى صَارَ مَلْهَجَ لِسَانِهِ وَرَوْضَةَ أَجْفَانِهِ وَمُنْتَزَهَ جَنَانِهِ أَبَا الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ شِهَابَ الدِّينِ بْنَ حَجَرٍ الشَّافِعِيَّ الْأَنْصَارِيَّ لَا زَالَتْ ذَاتُهُ كَعْبَةً يَطُوفُ بِهَا كُلُّ عَالِمٍ وَيَقِفُ بِأَبْوَابِهَا كُلُّ فَاضِلٍ، وَلَا بَرِحَتْ رِحَابُهُ الزَّكِيَّةُ مُنَاخَ مَطَايَا أَرْبَابِ الْفَضَائِلِ أَرْسَلَ لَهُ بَعْضُ عُلَمَاءِ حَضْرَمَوْتَ مُؤَلَّفًا كَتَبَهُ فِي الْحَيْضِ جَمَعَ فِيهِ مَسَائِلَ كَثِيرَةً مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ، وَضَمَّ إلَيْهَا أَبْحَاثًا مِنْ عِنْدِهِ وَإِشْكَالَاتٍ لَهُ وَلِغَيْرِهِ، وَطَلَبَ مِنْهُ الْكِتَابَةَ عَلَيْهِ بِتَقْرِيرِ مَا فِيهِ أَوْ رَدِّهِ وَإِصْلَاحِ خَطَئِهِ وَخَطَلِهِ؛ لِصُعُوبَةِ بَابِ الْحَيْضِ وَكَثْرَةِ الْغَلَطِ الْوَاقِعِ فِيهِ لِلْأَكَابِرِ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ.

وَقَالَ فِي ظَهْرِ كِتَابِهِ الْمَذْكُورِ مَا لَفْظُهُ: يَقُولُ مُلَخِّصُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَفَا عَنْهُ - كَتَبْتُ هَذِهِ النُّبْذَةَ بِحَسَبِ جَهْدِي وَأَرْسَلْتهَا لِفَقِيهِ الْعَصْرِ وَمُفْتِيهِ الْعَالِمِ الْعَلَّامَةِ الْخَائِفِ الرَّاجِي ذِي الْعَقْدِ السَّلِيمِ وَالنِّيَّةِ الْخَالِصَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَرْضَاهُ وَوَفَّقَهُ لِلصَّوَابِ وَالْهِدَايَةِ فِي جَمِيعِ مَا نَحَاهُ وَجَعَلَهُ مِمَّنْ يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَكَانَ لَهُ وَتَوَلَّاهُ وَوَفَّقَهُ وَأَعَانَهُ وَوَالَاهُ وَحَفِظَهُ وَعَافَاهُ وَنَفَعَنَا وَالْمُسْلِمِينَ بِهِ وَبِعُلُومِهِ لِيَنْظُرَهَا فَيُصْلِحَ فَسَادَهَا إنْ كَانَ وَيُتَمِّمُ نَاقِصَهَا وَيَحُلُّ مُشْكِلَهَا كَانَ اللَّهُ لَهُ وَجَزَاهُ عَنَّا خَيْرًا فَإِنَّ بِضَاعَتَنَا مُزْجَاةٌ، وَجِهَتُنَا خَالِيَةٌ عَنْ أَمْثَالِهِ مَتَّعَ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ.

فَلَمَّا عُرِضَ ذَلِكَ عَلَى شَيْخِنَا فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ رَأَى الْكِتَابَةَ عَلَيْهِ مُتَعَيِّنَةً؛ لِصُعُوبَةِ هَذَا الْبَابِ وَكَثْرَةِ التَّخْلِيطِ وَالْغَلَطِ الْوَاقِعِ فِيهِ وَلِكَوْنِ هَذَا الْمُؤَلَّفِ صَارَ لِمَا ذَكَرْته فِي حُكْمِ الْفَتَاوَى ذَكَرْته فِيهَا هُنَا بِجَمِيعِ رُمَّتِهِ، ثُمَّ أَذْكُرُ بَعْدَهُ مَا كَتَبَهُ شَيْخُنَا - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَلَيْهِ فَإِنَّهُ بَيَّنَ مَا فِيهِ مَعَ زِيَادَاتٍ وَتَحْقِيقَاتٍ مُهِمَّاتٍ وَكَشَفَ عَوِيصَاتٍ وَمُعْضِلَاتٍ لَا يَهْتَدِي إلَيْهَا إلَّا الْمُوَفَّقُونَ، وَلَا يَعْقِلُهَا إلَّا الْعَالِمُونَ فَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا وَرَضِيَ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ وَجَعَلَ جَنَّاتِ الْمَعَارِفِ مُتَقَلَّبَهُ وَمَثْوَاهُ، قَالَ مُؤَلِّفُ ذَلِكَ الْكِتَابِ:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَائِرِ النَّبِيِّينَ وَالصَّالِحِينَ وَبَعْدُ، فَهَذِهِ مَسَائِلُ مُلْتَقَطَةٌ مِنْ كِتَابِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِلْإِمَامِ النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُنَبِّهٌ بِهَا عَلَى أُمُورٍ قَدْ تَخْفَى عَلَى مَنْ يَأْخُذُ عِلْمَ بَابِ الْحَيْضِ مِنْ مُخْتَصَرَاتِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ مُقَدِّمٌ عَلَيْهَا قَوَاعِدَ الْبَابِ لِيُتَنَبَّهَ بِهَا عَلَى وَجْهِ خَفَائِهَا أَوْ مُخَالَفَتِهَا لَهَا فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ اعْلَمْ أَنَّ الْحَيْضَ هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ بَطْنِ الرَّحِمِ فِي وَقْتِهِ بِحُكْمِ الْجِبِلَّةِ لَا لِعِلَّةٍ، وَأَقَلُّ سِنٍّ يُمْكِنُ فِيهِ تِسْعُ سِنِينَ تَقْرِيبًا فَكُلُّ دَمٍ لَمْ يُحْكَمْ بِهِ حَيْضًا فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ لَا يَمْنَعُ الْعِبَادَةَ وَالْوَطْءَ وَهِيَ دَمٌ يَخْرُجُ مِنْ عِرْقٍ فِي أَدْنَى الرَّحِمِ يُسَمَّى الْعَاذِلُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَضِدُّ الْحَيْضِ الطُّهْرُ وَأَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ يَعْنِي أَنْ يَظْهَرَ الدَّمُ عَلَى الْفَرْجِ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَاعَةً وَلَوْ مُتَفَرِّقَةً فِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَقَلَّ، وَأَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مُتَّصِلَةً لَا بَيْنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فَمَنْ طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ وَلَوْ يَوْمًا فَأَقَلَّ ثُمَّ، وَلَدَتْ فَرَأَتْ الدَّمَ، فَالدَّمُ الَّذِي قَبْلَ الْوِلَادَةِ حَيْضٌ عَلَى الْأَصَحِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ وَمَا بَعْدَهَا نِفَاسٌ، وَمَا بَيْنَهُمَا طُهْرٌ قَطْعًا، وَكَذَا لَوْ نَفِسَتْ أَكْثَرَ النِّفَاسِ ثُمَّ طَهُرَتْ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ

فَالنَّقَاءُ طُهْرٌ وَمَا بَعْدَهُ حَيْضٌ عَلَى الْأَصَحِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الْمَنْقُولِ فِي مَسْأَلَةِ حَدِّ طُهْرِ الْحَيْضِ مِنْهُ عَنْ التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّهُ وَأَخَذَ بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ خِلَافًا لِمَا فِي الْإِرْشَادِ وَشَرْحِهِ لِمُصَنِّفِهِ مِنْ أَنَّهُ اسْتِحَاضَةٌ أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلٍ فِي الْعَزِيزِ ثُمَّ مَنْ رَأَتْ الدَّمَ لِسَنَةٍ حَكَمْنَا بِهِ حَيْضًا فَتَجْتَنِبُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ وَالْوَطْءَ، فَإِنْ جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ تَبَيَّنَ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ ثُمَّ إنْ انْقَطَعَ بَعْدُ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ وَجَاوَزَ الْمَرَدَّ الْآتِيَ بَيَانُهُ لِلْمُسْتَحَاضَةِ حَكَمْنَا بِهِ طُهْرًا كَالنَّقَاءِ، فَإِنْ انْقَطَعَ لِدُونِ خَمْسَةَ عَشَرَ تَبَيَّنَ كَوْنُهُ حَيْضًا فَتُعِيدُ مَا صَامَتْهُ فِيهِ إنْ كَانَ فَرْضًا، وَلَا إثْمَ بِمَا فَعَلَتْهُ لِجَهْلِهَا، وَسَوَاءٌ فِي كُلِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>