للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُمْ كَأَوَائِلِ السُّوَرِ، الثَّالِثُ: أَنْ يَعْلَمُوا اللَّفْظَ دُونَ الْمَعْنَى كَلَفْظِ الصَّلَاةِ، الرَّابِعُ: عَكْسُهُ كَلَفْظِ الْأَبِّ لِمَا تَأْكُلهُ الْبَهَائِمُ وَلِهَذَا لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس: ٣١] قَالَ عُمَرُ: مَا الْأَبُّ؟ وَنُوزِعَ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ بِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ نَقْلُ الشَّرْعِ لَفْظَةً لُغَوِيَّةً إلَى مَعْنًى مَجَازِيٍّ لُغَةً وَلَا يَعْرِفُهُمَا أَهْلُ اللُّغَةِ، وَنُوزِعَ أَيْضًا فِي وُقُوعِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وُقُوعُهَا، وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَّا أَبَا حَامِدٍ الْمَرْوَزِيَّ، فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنَّ جَمِيعَ الْأَسَامِي بَاقِيَةٌ عَلَى وَضْعِهَا اللُّغَوِيِّ قَبْلَ الشَّرْعِ أَيْ: وَالشَّرْعُ إنَّمَا اعْتَبَرَ زِيَادَةَ أَرْكَانٍ وَشُرُوطٍ وَقُيُودٍ لِلِاعْتِدَادِ بِهَا، وَعَلَى هَذَا أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ، وَالْقَائِلُونَ بِالْوُقُوعِ اخْتَلَفُوا فَفِرْقَةٌ عَلَى إنَّهَا حَقَائِقُ وَضَعَهَا الشَّارِعُ مُبْتَكَرَةً لَمْ يُلَاحَظْ فِيهَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ أَصْلًا، وَلَيْسَ لِلْعَرَبِ فِيهَا تَصَرُّفٌ فَلَيْسَتْ مَجَازَاتٍ لُغَةً، فَإِنْ وُجِدَتْ عَلَاقَةٌ بَيْنَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ، فَهُوَ أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ غَيْرُ مَنْظُورٍ إلَيْهِ وَفِرْقَةٌ وَهُمْ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهَا: مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ تَجَوُّزًا بِأَنْ اُسْتُعِيرَ لَفْظُهَا لِلْمَدْلُولِ الشَّرْعِيِّ لِعَلَاقَةِ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ، وَنَصُّ الْأُمِّ صَرِيحٌ فِيهِ فَالْحَاصِلُ: أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَكَافَّةُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهَا أَسْمَاءٌ قَدْ كَانَ لَهَا فِي اللُّغَةِ حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ، فَحَقِيقَتُهَا مَا نَقَلَهَا الشَّارِعُ عَنْهُ وَمَجَازُهَا مَا نَقَلَهَا إلَيْهِ لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُمَا، ثَمَّ الْمُثْبِتُونَ اتَّفَقُوا عَلَى الْوُقُوعِ فِي الْفَرْعِيَّةِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الدِّينِيَّةِ كَالْإِيمَانِ.

هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَمِنْهُمْ مَنْ عَكَسَ ذَلِكَ وَبَيَّنَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ: أَنَّ الشَّارِعَ قَدْ تَصَرَّفَ بِالزِّيَادَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَالصَّلَاةِ فَإِنَّهَا لُغَةً الدُّعَاءُ فَأَبْقَاهُ وَزَادَ عَلَيْهِ مُعْتَبَرَاتٍ أُخَرَ وَبِالنَّقْصِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَالْحَجِّ، فَإِنَّهُ لُغَةً الْقَصْدُ وَبِالزِّيَادَةِ مِنْ وَجْهٍ وَالنَّقْصِ مِنْ وَجْهٍ كَالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لُغَةً الْإِمْسَاكُ وَشَرْعًا إمْسَاكٌ مَخْصُوصٌ مَعَ النِّيَّةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّرْعِيَّةَ تُطْلَقُ عَلَى مَا فِي كَلَامِ الشَّارِعِ وَمَا فِي كَلَامِ جُمْلَةِ الشَّرْعِ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْفُقَهَاءِ، كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ قَالَ: لَكِنَّ الثَّانِيَةَ لَيْسَتْ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً، بَلْ عُرْفِيَّةً وَأَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ إذَا وُجِدَتْ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ مُجَرَّدَةً عَنْ الْقَرِينَةِ مُحْتَمِلَةً الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ وَالشَّرْعِيَّ فَعَلَى أَيِّهِمَا تُحْمَلُ؟ فَمَنْ أَثْبَتَ النَّقْلَ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ قَالَ: إنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى عُرْفِ الشَّارِعِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ كُلَّ مُتَكَلِّمٍ يُحْمَلُ لَفْظُهُ عَلَى عُرْفِهِ وَقِيلَ: يَجِبُ الْوَقْفُ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الَّتِي فِي كَلَامِ الشَّارِعِ، أَمَّا الَّتِي فِي كَلَامِ حَمَلَةِ الشَّرْعِ فَتُحْمَلُ عَلَى الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ حَقَائِقُ عُرْفِيَّةٌ لَا حَاجَةَ لَهُمْ فِيهَا إلَى الْقَرِينَةِ كَمَا هُوَ حُكْمُ سَائِرِ الْحَقَائِقِ، وَإِذْ قَدْ اتَّضَحَ مَا قَرَّرْنَاهُ وَتَأَيَّدَ مَا بَيِّنَاهُ فِي الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْوَلَاءِ اتَّضَحَ مَا قُلْنَاهُ فِي الْعَتِيقِ: مِنْ أَنَّهُ كَالْمَوْلَى لِلْجَامِعِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَبَيَانُهُ: أَنَّ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ لِلْمُعْتِقِ عَلَى الْعَتِيقِ وَفُرُوعِهِ وَتَسْمِيَتَهُمْ مَوَالِيَ وَعُتَقَاءَ لَهُ إنَّمَا عُرْفٌ مِنْ الشَّارِعِ سِيَّمَا عِنْدَ تَوَهُّمِ أَقْوَامٍ فِي قَضِيَّةِ بَرِيرَةَ أَنَّ الْوَلَاءَ يَكُونُ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ، فَبَالَغَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ عَلَى مِنْبَرِهِ الشَّرِيفِ، وَبَيَّنَ أَنَّ الْوَلَاءَ خَاصٌّ بِمَنْ أَعْتَقَ فَأَفْهَمَ أَنَّ بَيْنَهُمَا تَلَازُمًا فِي الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ.

وَحِينَئِذٍ كَمَا سَمَّيْتُ أَوْلَادَ الْعَتِيقِ مَوَالِيَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً كَمَا مَرَّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَظَهَرَ بِمَا تَقَرَّرَ مِنْ مَبَاحِثِ الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ، فَكَذَا يُسَمُّونَ عُتَقَاءَ شَرْعًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَعْنِي انْجِرَارَ آثَارِ الْعِتْقِ إلَيْهِمْ الْمُسْتَلْزِمِ لِتَسْمِيَتِهِمْ عُتَقَاءَ لَمْ يُعْرَفْ إلَّا مِنْ الشَّارِعِ، فَلْيَكُنْ إطْلَاقُ لَفْظِ الْعَتِيقِ عَلَيْهِمْ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ بَيَّنَ بِإِلْحَاقِ الْأَبْنَاءِ بِالْآبَاءِ فِي أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُمْ مَا لِآبَائِهِمْ أَنَّ الْكُلَّ يُسَمُّونَ عُتَقَاءَ شَرْعًا حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَ إطْلَاقُ الْعَتِيقِ عَلَى الْأَوْلَادُ إنَّمَا هُوَ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ تَجَوُّزًا، وَقَدْ تَقَرَّرَ قَرِيبًا أَنَّ الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ الَّتِي لَمْ تُسْتَفَدْ إلَّا مِنْ كَلَامِ حَمَلَةِ الشَّرْعِ تُحْمَلُ عَلَى الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ اُسْتُفِيدَتْ مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ تُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَوْلَى وَالْعَتِيقِ مِنْ شُمُولِهِمَا لِأَوْلَادِهِمَا مُسْتَفَادٌ مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ وَأَئِمَّةِ الشَّرْعِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ، فَتَأَمَّلَهُ حَقَّ التَّأَمُّلِ يَظْهَرُ لَكَ أَنَّهُ الْحَقُّ الْوَاضِحُ وَالصِّدْقُ النَّاجِحُ وَأَنَّ مَا سِوَاهُ لَا يَصِلُ شَفَاهُ، وَإِذَا بَانَ ذَلِكَ تَعَيَّنَ حَمْلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>