لِأَنَّ قَوْلَهُ: الْيَوْمُ الَّذِي أَدْخُلُ فِيهِ الدَّارَ فِي مَعْنَى التَّعْلِيقِ بِدُخُولِهَا فِي الْيَوْمِ وَلَمْ يَحْصُلْ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ بِدُخُولِهَا لَيْلًا، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ التَّعْلِيقُ بِالْيَوْمِ بِوَجْهٍ فَأُلْغِيَ وَفِي الثَّالِثِ عُدِمَ الدُّخُولُ كَمَا فِي الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ، وَحَيْثُ حَمَلْنَا اللَّفْظَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ فَشَرْطُهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ لَا يُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ إلَّا أَنْ يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مُرَادٌ بِهِ، وَقِيَامُ الدَّلَالَةِ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ لَا تَنْفِي عَنْ اللَّفْظِ إرَادَةَ الْحَقِيقَةِ اهـ. قِيَامُ قَرِينَةٍ عَلَى الْمَجَازِ، فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَيْ: عَنْ الْقَرِينَةِ حَتَّى لَا يُنَافِيَ قَوْلَهُمْ السَّابِقَ.
وَحَمَلَهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِطْلَاقِ ثَمَّ أَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ إرَادَةَ الْمُتَكَلِّمِ لِلْمَجَازِ، فَحِينَئِذٍ إنْ وُجِدَتْ قَرِينَةٌ عَلَيْهِ حُمِلَ اللَّفْظُ عَلَيْهَا، وَإِلَّا اخْتَصَّ بِالْحَقِيقَةِ وَلَوْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهَا قَرِينَةٌ خِلَافًا لِمَنْ اشْتَرَطَ الْقَرِينَةَ فِيهَا أَيْضًا فَقَالَ: لَا يُحْمَلُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا بِدَلِيلٍ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْحَمْلِ عَلَيْهِمَا مَا إذَا ظَهَرَ قَصْدُ الْمَجَازِ بِقَرِينَةٍ مَعَ السُّكُوتِ عَنْ الْحَقِيقَةِ أَوْ بِقَصْدِهِمَا مَعًا أَمَّا إذَا قَصَدَهَا فَقَطْ فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا قَطْعًا أَوْ قَصَدَهُ فَقَطْ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ قَطْعًا، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ قَصْدٌ لَمْ يُحْمَلُ عَلَيْهِ إذْ اللَّفْظُ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى مَجَازِهِ بِقَرِينَةٍ، وَلِهَذَا قَالُوا: لَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَا فِي نَظَائِرِهِ وَنَظِيرُهُ لَوْ أَوْصَى لِإِخْوَةِ فُلَانٍ، وَلَهُ إخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ قَالَ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ: مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَخْتَصُّ بِالْإِخْوَةِ دُونَ الْأَخَوَاتِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَدْخُلْنَ أَيْضًا وَكَلَامُ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ يَقْتَضِيهِ وَقَدْ أَفَادَ أَنَّهُمَا إذَا تَسَاوَيَا فِي الِاسْتِعْمَالِ بِأَنْ يَكْثُرَ الْمَجَازُ كَثْرَةً تُوَازِي الْحَقِيقَةَ تَسَاوَيَا فِيهِمَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَلَا يُحْتَاجُ حِينَئِذٍ إلَى قَرِينَةٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ أَرْبَعٌ إحْدَاهَا: أَنْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ مَعَ السُّكُوتِ عَنْ الْحَقِيقَةِ ثَانِيهَا: أَنْ تَدُلَّ عَلَى إرَادَتِهِمَا جَمِيعًا ثَالِثُهَا: أَنْ لَا يَكُونَ قَرِينَةٌ وَلَكِنْ لِلْمَجَازِ شُهْرَةٌ يُوَازِي بِهَا الْحَقِيقَةَ، وَالْخِلَافُ ثَابِتٌ فِي الْكُلِّ وَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ: الْحَمْلُ عَلَيْهِمَا رَابِعُهَا: حَالَةُ الْإِطْلَاقِ مَعَ عَدَمِ شُهْرَةِ الْمَجَازِ فَلَا يُحْمَلُ فِيهَا عَلَى الْمَجَازِ بِلَا خِلَافٍ، وَحَيْثُ حَمَلْنَا اللَّفْظَ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: هُوَ حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ بِاعْتِبَارَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَمِنْ ثَمَّ أَشَارَ الزَّرْكَشِيُّ إلَى ضَعْفِ مُقَابِلِهِ فَقَالَ: وَزَعَمَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّهُ مَجَازٌ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ اسْتِعْمَالٌ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ اهـ.
لَكِنْ وَافَقَ ابْنَ الْحَاجِبِ جَمْعٌ مُحَقِّقُونَ، إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الصَّحِيحَ الْمُعْتَمَدَ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - جَوَازُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِشَرْطِ أَنْ يَشْتَهِرَ الْمَجَازُ شُهْرَةً يُوَازِي بِهَا الْحَقِيقَةَ، أَوْ تَقُومَ قَرِينَةٌ قَوِيَّةٌ عَلَى إرَادَتِهِ وَمَا فِي السُّؤَالِ مِنْ عِبَارَةِ الْوَاقِفِ اشْتَمَلَتْ عَلَى قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الْأَوْلَادِ، بَلْ عَلَى قَرَائِنَ كَمَا سَيَأْتِي تَحْقِيقُ ذَلِكَ وَبَيَانُهُ.
الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى أَنَّهُ إذَا وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ لَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ أَوْلَادِهِ وَتَبِعَهُ الْأَصْحَابُ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ نَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَوْصَى لِوَاحِدٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ وَلَدَيْهِ وَلَهُ بِنْتٌ وَبِنْتُ ابْنٍ وَعَصَبَةٌ أُعْطِيَ السُّدُسَ، قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: وَهَذَا مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْوَلَدِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَتَنَاوَلُ وَلَدَ الْوَلَدِ حَتَّى لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ دَخَلَ فِيهِ أَوْلَادُ أَوْلَادِهِ اهـ.
وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ دَلِيلٌ عَلَى مَا ادَّعَاهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَحَدُ وَلَدَيْهِ وَلَا وَلَدَ لَهُ مِنْ الصُّلْبِ إلَّا وَاحِدٌ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الْوَلَدِ عَلَى وَلَدِ الْوَلَدِ، فَاسْتُعْمِلَ فِيهِ لِأَجْلِ الْقَرِينَةِ وَأَمَّا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْوَقْفِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى شُمُولِ الْوَلَدِ لِوَلَدِ الْوَلَدِ، هَذَا حَاصِلُ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَمَنْ تَبِعَهُ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ التَّتِمَّةِ وَغَيْرِهَا: لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا أَوْلَادٌ حُمِلَ اللَّفْظُ عَلَيْهِ أَيْ لِلْقَرِينَةِ الْحَالِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْوَلَدِ مَا يَشْمَلُ وَلَدَ الْوَلَدِ، وَإِذَا تَأَيَّدَ جَوَابُ ابْنِ الرِّفْعَةِ بِهَذَا فَهُوَ مُتَعَيِّنٌ لَا مَحِيدَ عَنْهُ حَتَّى يَجْتَمِعَ بِهِ أَطْرَافُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ، وَيَنْتَفِيَ عَنْهُ تَوَهُّمُ التَّنَاقُضِ الَّذِي ظَنَّهُ بَعْضُهُمْ، وَحِينَئِذٍ فَهُوَ شَاهِدُ صِدْقٍ عَلَى أَنَّهُ يُكْتَفَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute